علي عسكوري [email protected] مدخل كتب الباحث المدقق الاخ الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان مقالات من تسع حلقات عن مسؤلية إنفصال جنوب السودان نشرها في عدة مواقع علي الانترنت. والدكتور سلمان باحث مدقق قراءت له أكثر من كتاب خاصة في مجال القوانيين الدوليه المتعلقه بحقوق استخدامات المياه . وفي الحقيقه فالرجل خبير في راسه علم في هذا المجال وقد إستفدت من بحوثه وكتبه ايما إستفاده خاصة فيما يتعلق بقضية إعادة توطين المتأثرين بخزان الحمداب ( مروي) بوصفي أحد المتأثرين. جاءت مقالات الدكتور سلمان عن مسؤلية إنفصال جنوب السودان بتوثيق دقيق للاحداث والتواريخ والافراد المشاركون في المفاوضات الخ… وهذا بحق مجهود كبير من خبير وطني أخذ علي عاتقه التوثيق لذلك الحدث الجلل. وما يعطي هذه المقالات صدقيتها هو أنها كتبت والذين شاركوا في تلك الاحداث أحياء يرزقون والنفي والتعليق لما أورده الدكتور متاح لهم. مثل هذا النهج في التوثيق بالغ الاهميه لتاريخ بلادنا خاصة وإن أغلب المختصين السودانيين يزعمون بتزوير تاريخ السودان في العقود وربما القرون الماضيه ! أما في هذه الحاله فالتاريخ يكتب وشهوده والمشاركون فيه أحياء يرزقون وهو الامر الذي يعطي هذه المقالات صدقيه تامه لتكون مرجعا أساسيا لهذه الفتره المضطربه من تاريخ السودان. تظل قضية إنفصال الجنوب، أيا كان موقفك منها، هي أكبر حدث في تاريخ السودان بعد الغزو التركي المصري 1821م. ففيما نعلم فالاحداث التي وقعت بين الفتره 1821م – 1956م إنبنت او قامت كلها ( بصوره او أخري) علي الغزو التركي المصري ( بما فيها الثوره المهديه). إلا أن اانفصال الجنوب – بالرغم من إرتباط بعض جذور قضيته بالغزو التركي المصري، إلا أن أكثر أسبابه المباشره تعود في مجملها الي بروز الدوله (المستقله) في عام 1956م وفشل القوي الوطنيه في مخاطبة قضية التنوع وبناء دوله وطنيه تسع الجميع. إتبع الكاتب منهجا توثيقيا دقيقا في سرده للاحداث وهو أمر جيد، إلا أن هذا النهج جاء في بعض المرات علي حساب الديناميات التي تتحكم في، وتحرك تفاعل القوي داخل دولة السودان. وربما كان من الجيد لو إستبق أو مهد الكاتب لمقالاته بتقديم للاطار ( الدوله) والمحتوي ( المجموعات السكانيه) الذي وقعت فيه هذه الاحداث التي قادت لانشطار البلاد. نقول هذا لأن القاري غير المتابع قد يعتقد أن القضيه كانت قضية ( عرب /أفارقه) أو ( إسلام/مسيحيه) او ثقافه عربيه افريقيه ( الغابه والصحراء.. الخ) كما أن المقالات بهذه الصوره تعطي الانطباع بأن الجنوب إنفصل من ( دوله قوميه) كانت قائمه. والدوله القوميه لها (شروط صحه) كثيره، لكن فيما نعلم فإن السودان لم يكن يوما منذ 1956م وحتي اليوم دوله قوميه بالمعني المفهوم للدوله القوميه المعاصره – ( تعطي دول غرب أروبا مثالا جيدا لشكل وطبيعة الدوله القوميه المعاصره)- ، بل كان – كما اعتقد – قطرا له علم وجيش وجهاز أمن وفي أغلب الاوقات فيه ( سكان residents) وليس مواطنون (citizens) – ( نقول اغلب الاوقات لانه في الفترات المسماه ديمقراطيه يكاد بعض السكان أن يبلغوا درجة المواطنه ولكن الطريق سرعان ما يقطع عليهم) - والفرق بين المصطلحين من ناحية الحقوق معروف. لقد اثبتت تجارب العقود المتتاليه منذ الاستقلال أن مختلف انظمة الحكم واجهزة الدوله المختلفه تتعامل مع السودانيين كرعايا لا حقوق لهم في وطنهم، فالثابت الوحيد في علاقة مؤسسات الدوله مع الناس هو الاضهاد وهضم الحقوق. وأثبتت التجربه في فترة ما بعد الاستقلال أن أجهزة الدوله تعتبر أو هي فعلا أهم من المواطن، ويقف أمامها المواطن مقهورا ومرعوبا حيث لايمكنه ملاحقتها عندما تهضم حقوقه وتقرر في مصيره بصوره تعسفيه لا يضبطها ضابط ولا يحكمها قانون وهو أمر يدعوا للحيره والصدمه. وللمرء ان يتسآل باسي : من أجل من أقيمت تلك المؤسسات ومن أجل ماذا! ومن التناقض البائن ومنذ وقوع ما يسمي بالاستقلال أصبح يتوجب علي المواطن خدمة تلك الاجهزه والمؤسسات والخوف من قهرها وبطشها واستغلالها، مع أن الوضع الطبيعي أن تقوم مؤسسات الدوله والعاملين فيها بخدمة المواطن وتحقيق أغراضه ومساعدته في تحقيق وقضاء ما يربطه بالدوله من مصالح أو احتياجات تختص أجهزة الدوله بقضائها له. لكل ذلك فإن كانت غالبية السكان ( المسلمين الذين يدعون العروبه وثقافتها) تعاني من تسلط الحكومات ومؤسساتها المختلفه ولا حقوق لها، فما بالك بسكان الجنوب الذين يعيشون في آخر سلم الحقوق الأساسيه. إذن فإن القول بأن جنوب السودان إنفصل من دوله قوميه يظل قول محل نظر، وأعتقد أن الأصح القول بأن الجنوب أنفصل من ( قطر) ظل أهله يتقاتلون للسيطره علي القوي المسلحه ( الجيش) كل يسعي لاستخدامه ( اي الجيش) لفرض مفاهيمه الثقافيه و الاسلام ( كما يفهمه او تفهمه تلك المجموعه) علي الجنوب وسكانه. لقد ظل هذا الامر واقعا حقيقيا حتي تحت الحكومات المسماه مجازا (بالحكم الديمقراطي) أو الحكومات العسكريه، فالثابت أن قيام حكومات منتخبه بتفويض شعبي لم يغير من وضع الجنوب شيئا. لقد إستمرت الحرب بلا هواده علي الجنوب وأهله حتي بعد أن اختاروا السلام أكثر من مره ( مؤتمر المائده المستديره 1965م ، اتفاقية الميرغني قرنق 1988م كأمثله). يؤكد زعمنا هذا ( قطر يتقاتل أهله) ردة فعل سكان السودان الاخرين علي إنفصال ثلث بلادهم! لقد كانت ردة فعل السكان علي إنفصال ثلث البلاد صفرا كبيرا، بل في حقيقة الأمر تصرف ( السكان) وكأن الامر لا يعنيهم وكأن الاحداث المجلجه تحدث في كوكب آخر لا علاقة لهم به. بينما كان العالم من أقصاه الي أقصاه يتخوف أيما تخوف من ردة فعل السودانيين علي إنقسام بلادهم، وعبر وسطاء السلام الدوليين عن ذلك أكثر من مره، لكن مر الامر كسحابة صيف لا أثر لها، وهو أمر يضرب بعنف في موقف دعاة الوطنيه والقوميه في السودان. وفي حقيقة الأمر يصعب علي الإنسان القول بأن هنالك مجموعه مثل هذه. تنقسم البلاد وتنشطر ويخرج السكان في الصباح الي أعمالهم ( business as usual). إلا أن الأغرب من كل ذلك هو ما حدث بعدما دخلت قوات دولة جنوب السودان منطقة هجليج وما صحبها من هرج ومرج وفهلوه وإدعاء الوطنيه والقوميه ، واعتقد أن هؤلاء ينطبق عليهم ما ورد في الاثرعن أهل الكوفه ( يقتلون الحسين رضي الله عنه ويسالون عن دم بعوضه)!! تري هل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها..! وحقيقة- بالرغم من إيماني الثابت بحق الجنوب او اي إقليم في السودان في تقرير مصيره – لازلت مذهولا من إنعدام ردة الفعل علي إنفصال ثلث البلاد، ولازلت أحاول سبر غور هؤلاء السكان الذين لايرتد لهم طرف وثلث بلادهم يذهب بغير رجعه. الامر الطبيعي جدا أن يقود إنفصال الجنوب لسقوط الحكومه القائمه او حدوث قلاقل سياسيه مجلجله تؤدي الي تغيير جذري في تركيبة الحكومه او الدوله… ولكن حقيقة فالسودان بلد العجائب ! يخرج الناس لارتفاع اسعار الخبز، أما انفصال ثلث البلاد فلا يحرك ساكنا! وفي حقيقة الامر – وحتي لانظلم القطر السوداني – لا توجد دوله قوميه بالمعني المفهوم – في إفريقيا، فكل الدول الافريقيه ما عدا أثيوبيا دول صنعها الاستعمار الاروبي. وحتي الدوله التي توفرت لها أسباب النقاء العرقي والديني ( الصومال) إنهارت وسالت دماء الصوماليين أنهارا وفر أبناؤوها وبلغوا مشارق الأرض ومغاربها. ولو كان النقاء العرقي والديني يضمن الاستقرار لدوله، لتحقق ذلك للصومال ولكن هيهات ! تعاني أغلب دول افريقيا من التوترات التي تقود في أحايين كثيره الي عدم الاستقرار وفي أحايين أخري الي المواجهات العنيفه أو الحرب الاهليه المفتوحه، يحدث هذا حتي في الدول قليلة التنوع او قليلة التداخل او التقاطع المعتقدي ( اسلام/ مسيحيه/ معتقدات افريقيه) فما بالك من دوله متعددة الاعراق والثقافات شديدة التنوع والتداخل كالسودان. ولد القطر السوداني في عام 1956م منفصلا موضوعيا ( شمال/ جنوب). وكانت أحداث توريت المؤسفه في عام 1955م مؤشرا واضحا بأن الجنوب لن يقبل بالبقاء كجزء من القطر السوداني بالشروط التي عرضت إبان فترة الاستقلال. كما افتقدت الحكومات المختلفه النظره الموضوعيه الثاقبه لحال وتركيب البلاد، وظلت الحكومات المتعاقبه تحاول تحقيق الوحده وللاسف إختارت المنهج الخاطيء فتبنت منهج القمع والعنف اللامحدود والحرب الضروس، وكلف الجيش بعمل كل ما يمكن فعله لاخضاع الجنوب لسلطان الدوله. قدم الجيش الكثير من رجاله الذين قضوا في الحروب المتطاوله ومثلهم فقد أهلنا في الجنوب الملايين من أبنائهم وسالت دماء السودانيين أنهارا لتحقيق وحده قسريه جوفاء، كان يمكن تحقيقها باتباع منهج عقلاني يتيح للجنوبيين حكم أنفسهم وإدارة شئونهم والمشاركه في الشأن القومي بصوره عادله وكانوا قد طالبوا أكثر من مره بذلك لكنهم واتهموا بالخيانه والعماله والنوايا الانفصاليه حتي هجم النمر! في زمن سابق، لخص البروفسير فرانسيس دينق مظالم أهل الجنوب في قولته المشهوره إن القضيه (بين الشمال والجنوب) تتمثل في ( المسكوت عنه) ! ولكننا للأسف، عشنا لنري ونقراء أن المسكوت عنه أصبح غثاء منشورا قيحا يطالعه الناس كل صباح ، أنشأت الصحف لنشره علي الناس وأسست المنابر ( لاستزبال) الوعي العام والانحطاط به الي درك غير مسبوق …ومؤسسات الدوله تتفرج، تنشر إبتساماتها الصفراء نكاية في الجنوب وشعبه. ومن المعلوم إن الذاكره الجمعيه للموروث الثقافي في أغلب اقاليم السودان مثقله بمفاهيم سالبه ضالعه في التعالي العرقي والحط من كرامة أهل الجنوب. نخلص من كل هذا الي أن فشل الحكومات المتعاقبه في مخاطبة جذور القضيه من أساسها، لم يترك خيارا لاهلنا في الجنوب ليختاروا الوحده جاذبه كانت أم كاذبه. ومن نافلة القول أن أهل الجنوب ، وبعد حروب استمرت لاكثر من اربعه عقود، لن يقبلوا بوحده لا توفر لهم المساواه والكرامه وتحترم كبريائهم وكرامتهم الانسانيه. اثار الدكتور سلمان العديد من القضايا في مقالاته. نسحاول التعليق علي نقطتين فقط. الاولي تتعلق بكليات الموضوع ( مسؤولية إنفصال الجنوب) أما الثانيه فتتعلق بما أسماه دور الشماليين في الحركه الشعبيه. ليس هدفنا الدفاع عن وجهة نظر محدده أو غيرها فهنالك قضايا سيحكم فيها التاريخ، ولكن هدفنا الاساسي تعميق الحوار ومحاولة إبراز وجهة نظر شخصيه لما أسماهم الكاتب بشماليو الحركه الشعبيه أو ما يسميهم المؤتمر الوطني بالعملاء والخونه !