3 – 3 في المقالين الأول و الثاني ناقشت ما جاء في سلسلة مقالات الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان عن مسئولية انفصال الجنوب. و نوهت بنجاحه في التوثيق الدقيق للأحداث و علقت على رأيه في مدى مسئولية الدكتور غازي العتباني في المحادثات وبينت رأيي في موفقه الرافض لحق تقرير المصير وأنه كان يختلف عن موقف قيادة الدولة. ثم أورت رأيي من أن جميع مواقف الحركات الجنوبية منذ نشأتها كانت تخطط استراتيجيا للانفصال و تعمل تكتيكياً على طمأنة محازبيها و مفاوضيها و مستضيفيها بدعوى السودان الجديد الموحد. و عرجت على ازدواجية موقف الحكومة التي كانت توافق للحركات الجنوبية بحق تقرير المصير لجنوب السودان وتتحدّث عن ضرورة الحفاظ على وحدة السودان في ذات الآن. كذلك تحدثت عن إزدواجية موقف حزب الأمة الذي وافق الحركة على أن يحرض المليشيات في مناطق التماس على محاربة جيش السودان و هو الذي كان يريد محاكمة من تفاوضوا معها في ورشة أمبو بأثيوبيا. و تحدثت عن تكتيكات الحركة الشعبية العديدة من إصرارها على إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك بعد سقوط النميري و تفاوضها مع الحكومة في أبوجا وهي تجتمع في نفس الوقت مع التجمّع الوطني الديمقراطي لإسقاط ذات الحكومة!! و نوهنا إلى تقاعس التجمع عن مواجهة الحركة الشعبية بهذه الإزدواجية.، و عن موقفه المعيب في محادثات الحركات الجنوبية في واشنطون عام 1993. و كذلك تحدثت عن الإتفاقية الليبية المصرية و أتفقت مع الكاتب في أنها ولدت ميتة إذ كانت قد تجاوزتها الأحداث. ثم أوضحنا إنقلاب موقف المؤتمر الشعبي بالكامل عن جميع مواقفه السابقة، سواءً ما تعلق بحكم السودان أو بقضية الجنوب. و أوردت تساؤلات عن موقف شماليي الحركة من تصريحات سيلفا كير في أول زيارة له كرئيس لدولة الجنوب الى الولاياتالمتحدة، وعن اي سوابق على تدخل محكمة العدل في مشاكل حدودية داخل الدولة الواحدة (السودان في هذه الحالة). كما تساءلت عن محاولة شماليي الحركة تبرير التغيير في موقف الحركة من الوحدة إلى الانفصال. و أوضحت رأيي من أن التدخل الدولي كان عاملاً مؤثراً في تخريض الجنوبيين عموماً على الإنفصال. وفي هذا المقال أناقش ما أورده في معرض رده على التعقيبات على سلسلة مقالاته، و اسوق في ختامه بعض المقترحات لتكتمل حلقة المعلومات عن تاريخ أسباب إنفصال الجنوب.. لم يعقب الكاتب إلا على مقال محمد علي صالح عن دور أمريكا في تقسيم السودان. و لكي لا أعيد كتابة ما تم نشره، اجد نفسي أؤيد وجهة النظر التي تقول بالأثر الكبير للغرب، و الغرب المسيحي خصوصاً في تقسيم السودان. فبالإضافة لما ورد في البند (9 –ب) أعلاه، فلن ننسى دور شخصيات مثل البارونة كوكس في بريطانيا، و طائرات منظمات العون الإنساني النرويجية (التي كانت تستخدمها لنقل الأسلحة). الخ... و عموماً أجد نفسي متفقاً في الكثير مما جاء به الصحفي محمد علي صالح، و الذي أعرف عنه اجتهاده في الحرفة الصحفية منذ ما بعد تخرجه من الجامعة و عمله بجريدة الصحافة أوائل السبعينات. و لنقارن مواقف الغرب من مشكلة الجنوب مع مواقفه من مشاكل مثل إقليم آتشيه و دول البلقان و مواقفه من إقليم أيرلندا و اقليم الباسك مع ما أظهره في نفير دارفور مقارنة بحرب بيافرا و مجازر رواندا و ما يجري حاليا في سوريا (الموقف الأخلاقي!!!). و لعل الكاتب يفسر لنا ضغط الولاياتالمتحدة، حكومة و كونجرس و أراداً متنفذين، لحمل الجنوب على الإنفصال، و هي التي قاتلت أشهر حروبها (الحرب الأهلية 1862- 1965) لتمنع إنفصالاً مبررا؟ ما جاء في تعليقات و تعقيبات القراء أ) لقد قرأت جميع التعقيبات التي وردت من الأساتذة أحمد إبراهيم أبوشوك و صلاح شعيب و طلحة جبريل و أخيراً علي عسكوري- و الذي كتب معقباً في سلسلة من ثلاث مقالات . و وجدتني أؤيد جُل ما ورد في تعليقات الثلاثة الأوئل، و لم أجد ما أزيد. غير أنني توقفت كثيرا جداً عند ما كتبه السيد علي عسكوري. ب) فمن جانب، أورد السيد عسكوري نقطة هامة جداً لم يتطرق لها من سبقه، ألا وهي (فكرة الدولة القومية). و هذه قضية في لب مشكلة الجنوب، و السودان عموماً (و كنت قد كتبت ملاحظتي في هذا الصدد، و التي ترد في ما بعد كمقترح، قبل أن يسبقني السيد علي عسكوري). فالتاريخ الاستعماري الحديث للسودان يشهد بأن الجنوب أُلحِق بالشمال بخيار المستعمر، و ليس برضى سكانه. ج) كما أورد السيد عسكوري سؤالاً محورياً (و هو كذلك من الملاحظات التي اردت أن اقترحها، وقد فعلت في ما يلي) جاء سؤاله كالتالي: {هنالك سؤال مهم يجب أن يسأله كل شخص لنفسه، خاصة المثقفين والمستنيرين ( ولا اعني كاتب المقالات هنا): ماذا قدم لكي يبقي السودان موحدا؟}. وهو سؤال محوري ، ليس فقط عندما نتناول موضوع الإنفصال، بل هو في صميم مشاكل السودان الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية، و أعني ماذا فعل المثقفون (او الإنتلجنسيا) خاصة طوال عمر السودان المستقل؟ د) غير أن هنالك العديد من النقاط التي أوردها تحتاج لإعادة نظر. فبالرغم مما جاء في مقالات الدكتور سلمان عن دور كل مكونات المجتمع الساسي بكل أطيافه في تعقيد مشكلة الجنوب، نجد السيد عسكوري يصر و يلح على أن (الأخوان المسلمين) هم من يتحملون المسئولية الأولى و الاخيرة في الإنفصال، و كأنما مشكلة الجنوب بدأت و إنتهت بعد قيام إنقلاب 1989. ثم هو يستخدم وصف الأخوان المسلمين) ليدمغ به جميع الأحزاب و التنظيمات الإسلامية. و هو من منظور(؟) تعميم مخل. فحركة الإخوان المسلمين كانت و مازالت تحتفظ لنفسها باسمها و مواقفها، و هس لم تنضم تنظيمياً لا إلى جبهة الميثاق و لا لأي من المؤتمرين الوطني او الشعبي. فهو يورد ما نصه (تقع المسؤولية الأساسية في تحقيق عملية إنفصال جنوب السودان بصوره رسمية علي تنظيم الاخوان المسلمين وتفرعاته المختلفة } ( جبهة الميثاق، الجبهة القومية، المؤتمر الوطني الخ... )، يشاركهم في ذلك غلاة العروبيون والمستعربة دعاة النسب العباسي القرشي المتوهم هو الاخر{. و لي تعليق في ما يلي على ما تحته خط و مثيلاته. كما أضاف في موقع آخر أن الاخوان المسلمين (تشترك في هذا معهم الجماعات السلفية الاخري)، و لم يورد دليلاً أو مثالاً على هذا القول المرسل الذي يجافي الواقع. و تناسى السيد عسكورى ما أجمع عليه الكاتب و المعلقين بما فيهم هو نفسه من أن المسئولية في الإنفصال يتشارك فيها الجميع، و إن كان بدرجات متفاوتة، حين يكتب {(وهكذا وافق على حق تقرير المصير كلُّ الساسة الشماليين: حكومةً ومعارضةً، إسلاميين وعلمانيين، يمينيين ويساريين، ديمقراطيين وشموليين، مدنيين وعسكريين، شيوخاً وشباباً. نعم نفس الساسة الذين رفضوا بغطرسةٍ وعناد حتى مناقشة النظام الفيدرالي للجنوب عادوا ووافقوا على مبدأ تقرير المصير لشعب الجنوب بما في ذلك حق الانفصال.) }. ه) تزدحم مقالات السيد عسكوري باسقاكات كثيرة مثل الجملة أعلاه، نورد منها: (المسلمين الذين يدعون العروبة وثقافتها)، (غير أن الثابت من التاريخ أن المجموعات التي تدعي العروبة...)، و غيرها. و لا أود التعليق عليها بل أتمنى على السيد عسكوري أن يراجع ما كتبه من منظور المواطنة التي يتحدث عنها. كذلك أجد السيد عسكوري قد وقع في العديد من التناقضات في مواقفه. فمثلاً، هو يورد لنا في معرض حديثه عن الإنفصال الأقوال التالية، نصاً {ولد القطر السوداني في عام 1956م منفصلا موضوعيا ، شمال، جنوب}. ثم يكتب{في حقيقة الامر إنفصل جنوب السودان في 9 يناير 2005م، ولأن المؤتمر الوطني كان علي علم تام بذلك، قام بإطلاق منبر الطيب مصطفي ورهطه}، ثم يعود ليقول إن { الحركه الشعبية حركة تحرر وطني}!! ثم ينفي ذلك { لم تكن الحركه الشعبية في اي يوم حركة انفصالية} فهل انفصل الجنوب موضوعيا عام 1956؟ أم في حقيقة الامر إنفصل جنوب السودان في 9 يناير 2005م؟ أم إن الجنوب إنفصل لأن الحركه الشعبية قامت بالعمل لذلك لأنها حركة تحرر وطني؟ ظني أنها المقولة الأخيرة. و) تناقض آخر يقول فيه السيد عسكوري أن {الكل كان يسعي لاستخدامه ( اي الجيش) لفرض مفاهيمه الثقافية و الاسلام}، و لكنه يعود ليفرد جزءأً كبيراً من مقاله الثاني ليحاول الإقناع بأن الإخوان المسلمين هم فقط من أدخل أو سعى للإنقلابات العسكرية حيث يقول { من الناحية الاخري أدخل الاخوان المسلمين العنف في الحياة السياسية و ظل هدف الوصول للسلطة بكل الطرق بما في ذلك الانقلاب عن طريق الجيش لفرض فكرتهم العقيمة علي سكان السودان هو الهدف الأساسي لتنظيمهم}. فهل كانوا هم من قام بإنقلاب 1958 أو 1969 أم أن المحاولة اتي إتهم فيها المرحوم الرشيد الطاهر بكر تجُب ما قبلها و ما بعدها؟ أعتقد أن السيد عسكوري قد أقحم كثيرا من التوجهات الذاتية و الإنحياز العقائدي في ما يستوجب التحليل الموضوعي. و ليعذرني هو و من قرأ هذا الماقل لم لصراحة الماشرة من منظور شخصي يقرأ بما بين السطور. و لتكتمل الصورة هنالك الكثير مما يمكن أن يضاف لهذه المقالات لتخرج في سفر قيم تستفيد من الأجيال، خاصة القادم منها و الذي ليس لديه الكثير مما يمكن أن يعرفه بتاريخ بلاده. و يكفي أن معظم شباب اليوم من مواليد العقد السابع من القرن الماضي سيجدون في هذه المقالات و التعقيب عليها ما يسد حاجة ماسة في التعرف على تاريحنا الحديث. و أخيراً أود أن أقترح على الدكتور سلمان أن يحاول إضافة بعض الجوانب لتكتمل الصورة لمن أراد أن يلم بالخلفية الكاملة لما جرى و يجري في السودان. أولاً: اضافة خلفية تاريخية عن تاريخ السودان قبل أن يضم الجنوب للشمال و كيف تم إتخاذ هذا القرار، و أن يتحصل على أي وثائق تصل اليه في هذا الشأن. فالسودان لم يكن بدعاً في إلحق جزء لا يمت إليه بالكثير (الجنوب لم يكم جزءاً تاريخيا من السودان مثله مثل اقليم آتشيه في أندوتيسيا و اريتريا و دول البلقان التي ألحقت باإتحاد السوفييتي قسراً). وقد أشار لذلك السيد علي عسكوري في قوله {لا توجد دولة قومية بالمعني المفهوم - في إفريقيا، فكل الدول الافريقية ما عدا أثيوبيا دول صنعها الاستعمار الاروبي} ثانياً: المواقف المختلفة لقادة الانقاذ من حق تقرير المصير إن تمكن من رصدها، لما لذلك من تفسير لما هو حزبي و ما هو شخصي. ثالثاً: التطرق للتكوين المتباين جغرافياً و إجتماعياً و إقتضادياً للسودان و أثر ذلك في عدو؟ نشؤ دولة المواطنة. و أحيل إلى مقال الدكتور الطيب زين العابدين الأخير (الديمقراطية التوافقية طريقنا للاستقرار السياسي( و الذي ذكر فيه {طبيعة تكوين السودان باتساعه الجغرافي (مليون ميل مربع قبل انفصال الجنوب) مع ضعف وسائل الاتصال والمواصلات ووعورة الطرق بين أقاليمه المترامية، وحدوده المصطنعة المتداخلة سكانياً مع الجيران، وحداثة جمع كيانه الوطني في بلد واحد على يد الاستعمار التركي (1821م) أولاً ثم البريطاني (1898م) ثانياً بعد أن كان ممالك متفرقة لقرون عديدة، وتنوعه العرقي والديني والثقافي في أقاليم متباعدة ذات مستويات اجتماعية وثقافية متباينة} و كذلك مفهوم الديموقراطية التي سادت خلال فترات متقطعة من التاريخ الحديث و نظريات (التصويت بالإشارة)، ودور الأحزاب التي تحوز على تأييد النخب المتعلمة، و هي أحزاب عقائدية في المقام الأول (إسلامية أو يسارية) تؤمن بأيدلوجيتها الفكرية وتتعصب لها أكثر مما تؤمن بالنظام الديمقراطي و صناعة الوطن الواحد. رابعاً:لم يتطرق الكاتب الى الدور (السلبي) للانتلجنسيا السودانية في مشكلة الجنوب. و هذه من معاور المثقف السوداني كما اشار سابقاً الدكتور منصور خالد و غيره. خامساً: مناقشة مفهوم الدولة القومية و مفهوم المواطنة من منظور التأثير القبلي و العشائري و الطائفي في تكوين السودان الحديث و كيف أثر ذلك على إضعاف مفهوم المواطنة مما قاد لما نحن فيه اليوم. وقد أحسن السيد عسكوري في إثارة هذا الموضوع الهام. و ختاماً: أرجو أن يتقبل الجميع ما كتبتُ بصدر رحب. فكما كان الإمام أبو حنيفة يفعل يقول: "أنا مع من يختلف معي ، كمثل رجل ضاعت ناقته في الصّحراء ، هو يُريد النّاقة فلا فرق عنده هل هو الذي سيجدها أم أحدٌ آخر. وأنا أبحث عن الحق ، لا يَفرق معي أعن لساني جاء أم عن لسان غيري" أكرر شكري و تقديري للدكتور سلمان لتحمسه لطرق هذا الجانب الهام من تاريخنا و لجهده و جرأته في التناول. MOHAMMED MAHGOUB [[email protected]]