سيف الحق حسن [email protected] صدق الله العظيم، [القلم: 36]. إذا تمعنا جيدا الآيات النورانية الكريمة فإننا نجد فيها الحكم والعبر والدلالات العميقة التي يمكن ان نستفيد منها أيما إستفادة في واقعنا. إستوقفتني الآية أعلاه وأنا أري ما يسمون أنفسهم بالإسلاميين يتلاعبون بالشعب والوطن. بعدما حكموا ثلاثة وعشرون عاما، ما يزالون يجتمعون ويصرون على المؤتمرات والمراجعات والمذكرات التي لن في تقديري ما هي إلا كيد جديد ولن تجدي لأن ما بني على باطل فهو باطل، وإذا كانوا مسلمين حقا فلا يجب أن يكونوا كالمجرمين. قد يقول سائل: هذا كلام رب العالمين فكيف يحق لك تأويله لتحققه في الواقع. ردي علي هذا: بأنه يجب أن نحقق ذلك بأفعالنا وأعمالنا وليس بأقوالنا وشعاراتنا. فمثلا يقول الله تعالى: ((ومن دخله كان آمنا)) [البقرة: 97]، أي البيت الحرام. فهل كل من يدخل البيت الحرام يكون في مأمن؟، لا، وإنما يقول الله عز وجل أن أمنوا أنفسكم وبعضكم بعضا فيصبح كل من يدخل بيت الله الحرام مؤمنا. فالمسلمين لا يمكن أن يكونوا كالمجرمين. وإذا أراد من يسموا أنفسهم إسلاميين أن يكونوا كذلك فهذا شأنهم. ولذلك لا تقل أنا إسلامى أبدا بل قل أنا مسلم. هذا ورد على لسان نبينا إبراهيم عليه الصلاة والتسليم وعلى آله إذ يقول الله سبحانه وتعالى لنا: ((هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس.)) [الحج: 78]. لم يقول الله تعالى هو سمَّاكم الإسلاميين. وقال أيضا ((واشهد بأنا مسلمون)) [آل عمران: 52]، ولم يقل واشهد بأنا إسلاميون. ولاحظ معي شهادتنا علي الناس. مصطلح الإسلاميين أساسا لم يكن معروفا فى عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا فى عهود الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وحتى القرن التاسع عشر. ولكن مع نشوب الصراع السياسى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين، تصاعدت وتيرة ومحاولات تطويع الدين للسياسة. بدأ تفصيل الأيات حسب مقاس الحكام، وتطريز الأحاديث حسب هواهم فصيغت الفتاوى لخداع الناس كتحريم الخروج على الحاكم. وما إن سقط وبدات دولته بالزوال صدرت فتاوى أخرى تجيز الخروج عليه، وأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، ومن ثم إعادة الفتاوى القديمة لطاعة الحاكم الجديد، وهكذا الساقية تدور إلي الخلف إلي يومنا هذا. و تاريخ المسلمين ملىء بنماذج كثيرة من الحكم العضوض لبنى أمية إلى التمكيني الإخوانى أو الكيزاني إلي يومنا هذا. الشيخ على عبد الرازق (1888-1966) ينفى أساسا مبدأ وجود الخلافة فى تاريخ المسلمين في كتابه المهم “الإسلام وأصول الحكم” حيث يقول: (وتلك جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين فأضلوهم عن الهدى وعموا عليهم وجوه الحق وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين أيضًا استبدوا بهم وأذلوهم وحرَّموا عليهم النظر فى علوم السياسة.. وباسم الدين أيضا خدعوهم وضيقوا عقولهم. فصاروا لا يرون لهم وراء ذلك الدين مرجعا.). عودي كل إجتهاد بشري يحاول حل جدلية الدين والسياسة. ولم تكن تجربة عصور الظلام وحكم الكنيسة رادعة ليلتفت هؤلاء النفر إلي شئ جديد آخر. ولم تعد العلمانية والاشتراكية والليبرالية أفكارًا أو اجتهادات بشرية ترد عليها بأفكار، وإنما يرد عليها رجما بالباطل ويصفون من يحاول الإقتراب أو التصوير منها بأنه كافر أو مرتد، بينما معناهما العلمى المدون فى الكتب والمراجع بعيد تماما عن الكفر. بل صارت تلك المصطلحات تعني مؤامرات، أو خروج عن العقيدة أو كفر وإلحاد، وفي النهاية لترويج لكسب سياسي مضاد وسريع. واعطيك مثالا باللبرالية. اللبرالية نشأت مع ازدياد التجارة عقب الاكتشافات الجغرافية حينما بدأت فكرة حرية التبادل التجارى، وحرية التملك الفردى، فهذا لا يمكن أن يمارس بفعالية لولا وجود السماحة الدينية. إذا تأملت الآن التجارة العالمية بين شتى البلدان، فهذه الصين الشيوعية تعقد صفقات مع البلدان العلمانية وكليهما يعقدان صفقات مع البلدان الإسلامية، أى التي أغلب سكانها مسلمين. فكرة اللبرالية لخصها فولتير بتصويره لبورصة لندن حينما قال: ستجدوا هناك ممثلين من كل الأمم، فيها يهود ومحمديون (مسلمون)، ومسيحيون، جميعهم يتعامل مع بعضهم البعض كأنهم من نفس الديانة، ولا يطلقون كلمة كافر إلا على من يفلس.!. أي المسألة في النهاية مادية ومصلحة. مصطلح الإسلاميين هذا ليس له أساس من الصحة كما ذكرت في إحدى المقالات من قبل بأن كلمة “إسلامى” يأتي في قاموس المعاني مع كلمة نفق وبالتحديد شرح كلمة نِّفاقُ. والنِّفاقُ: الدخول في الإسلام من وَجْه والخروُج عنه من آخر. وكلمة إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى الذي يفهم الآن، مسلمين يميزون أنفسهم بهذه الكلمة، بل عرفته علي الذي يَسْترُ كُفْره ويظهر إيمانَه. لاحظ الأأمة الأربعة. فهذا حنفى وذاك مالكى، وذلك شافعى وآخر حنبلي وهكذا. لم يجرؤ أحدهم على أن ينسب الإسلام لنفسه أو يقول أنا صاحب المذهب المالكي الإسلامى، أو الشافعي الإسلامي. وحتى تعبير “المذاهب الإسلامية” تعبير حديث لم يطلقه أصحابها عليها. وكذلك مصطلح “الفقه الإسلامى” فهو “فقه المسلمين”، و “الحضارة الإسلامية” هى “حضارة المسلمين” لا الإسلام، وكذلك التاريخ، فهو ليس التاريخ الإسلامي أو تاريخ الإسلام إنما هو تاريخ المسلمين. يمكن ان نقول ان تاريخ الإسلام لم يكن إلا فى عهد الرسالة وبعدها يمكن ان نسميه تاريخ أجيال من المسلمين. لا ينبغى أن يختلط الإسلام فى الأذهان بشخوص بعينهم، لأن الإسلام مرجع ثابت ومنهل لكل من يجتهد، أما الأشخاص فهم بشر متغيرون. فمن الخطأ أن يسمى الشيخ ابن تيمية بشيخ الإسلام، فليس للإسلام شيخ، بل لهم نبى أكمل واتم لهم دينهم. أو أن نسمي الشيخ أبى حامد الغزالى حجة الإسلام، فهو ليس حجة الإسلام، فالحجة هى الدليل، وحجة الإسلام هى القرآن، هى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا توجد مرتبة في الإسلام اسمها حجة الإسلام. و يجب أن ننتبه أيضا أن الإسم ليس معناه بالضرورة مطابقة الفعل كما نعرف من أفعال الإسلاميين. فلايمكن أن ننسب كل شئ للدين، أفكارنا و أوهامنا، أعمالنا وإتكالنا، إنجازاتنا وجرائمنا، طيبتنا و سفالتنا. فهل يمكن أن نسمع يوما أن رجل إطفاء مسلم أنقذ أطفالا، أو زوج مسلم يقتل عشيقته، أو شرطي مسلم يضبط مجرما مسلما، أو القبض علي لص مسلم يسطو على بنك أو القبض علي بائعة هوى (.......)!! فهل يجوز هذا؟. لا يجوز.. فلماذا نعلي صوت الدين في السياسة ونروج له في الإعلام والفضائيات والإنترنت!. ما علاقة ديانة الشخص بكونه بروفيسورا أو طبيبا أو مهندسا أو لصا محترفا أو قوّادا أو تاجر مخدرات. فالدين هو حجة على المؤمنين به، وهم ليسوا حجة على دينهم. فأتقى المسلمين ليس حجة على الإسلام، وأشر المسلمين أيضا ليس حجة عليه، وإنما الإسلام هو الحجة على كل من يؤمن به. إنه مفهوم الإزدراء والإستعلاء و عقلية الإقصاء والعنصرية. إنها جريمة تنفذ بإسم الدين. حاول أن تحذف كلمة إسلامي والشعارات الدينية عن حركتهم وحزبهم وخطاباتهم وتصريحاتهم. ماذا وجدت؟. أظنك وجدت تعريف بن لادن الذي أطلقه عليهم: إنهم الجريمة بخلطة الدين. وانا أقول: إنهم المجرمون يستهينون بالدين.