عبدالغني بريش اليمى الولاياتالمتحدةالأمريكية [email protected] قتل السفير الاميركي في ليبيا كريس ستفينز وثلاثة اميركيين عندما هاجمت مجموعة من المحتجين الغاضبين القنصلية الاميركية في بنغازي واضرمت فيه النيران احتجاجا على فيلم يسيء للاسلام حسب الأخبار الواردة . وقالت هيلاري كلينتون وزير الخارجية الأمريكية ان مقتل السفير الاميركي في ليبيا تم على ايدي ” مجموعة متوحشة ولكن صغيرة ” في هجوم يجب ان يهز ضمائر الناس من جميع المعتقدات . ان هذا الهجوم الجبان يجب ان يهز ليس فقط ضمائر الناس من جميع المعتقدات في جميع انحاء العالم ، بل حتى من لا معتقد له ، لأن الجريمة وحشية وبربرية ومقززة بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى . السفير كريس ستفينز الذي اغتالته البربرية الإسلامية عمل جنبا بجنب أيام الثورة الليبية مع الثوار الليبين للاطاحة بنظام الزعيم الليبي معمر القذافي ، وبعد ذلك قدم حياته وهو يحاول بناء ليبيا افضل حتى اغتالته الرجعية والبهائمية يوم الثلاثاء 11/9/2012 . والسؤال الذي يطرح نفسه كما تساءلت كلينتون : كيف يمكن ان يحدث هذا ؟ كيف يمكن ان يحدث هذا في بلد ساعدنا على تحريره ، وفي مدينة ساعدنا على انقاذها من التدمير؟. الإجابة على تساؤلات هيلاري كلينتون لا تأتي إلآ في اطار ثقافة العنف والقوة والهمجية التي تميز العرب المسلمين عن غيرهم من أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى .. فلنفترض ان أشخاصٍ ما قاموا بإهانة سيدنا محمد ( ص ) من خلال الرسوم الكاريكاترية أو الأفلام السينمائية أو غيرها من الطرق – فهل هذا يبرر ما يقوم به هؤلاء الغوغائية من اعمال ارهابية من قتل وحرق لسفارات وقنصليات دول غربية كرد فعل ؟ . قتل السفير الأمريكي عمل ارهابي جبان لا مبرر له على الإطلاق حتى لو كان احتجاجا على الفيلم الأمريكي المسيئ للرسول محمد ( ص ) ، لأن السفير ليس هو صاحب مقطع اليوتيوبي – فالآية الكريمة واضحة في هذا الخصوص : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَنْ تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) . الاهانات والاستفزازات لمشاعر المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم من أصحاب كريم المعتقدات مرفوضة جملةً وتفصيلا ، وكذلك اعمال العنف الناتجة عنها ، لأن العمل العنيف إنما دليل على الإفلاس العقلي ، وعدم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة ، والمنطق بالمنطق ، فإحراق سفارة هنا وقنصلية هناك مثلا كرد للاهانات والاستفزازات لا يعالج جذور وأصل المشكلة ، إنما يثبت وجهة نظر الطرف الذي يتهم الإسلام بالعنيف . الذين قتلوا السفير الأمريكي في ليبيا وحرقوا منبى القنصلية الأمريكية ، وكذا الغوغائية التي خرجت في التظاهرات الاحتجاجية على المقطع اليوتيوبي المسيئ إلى الرسول ( ص ) في كل من مصر والعراق وقطاع غزة وصنعاء وتونس وغيرها من مدن الإسلاميين الإرهابيين ، نسوا أو تناسوا أن أجدادهم وأسلافهم القريشيين والعباسيين أذاقوا النبي صلى الله عليه وسلم صورا من الأذى والعذاب ، ولنا في ذلك أمثلة نلقي الضوء عليها في الأسطر التالية : 1/ أوذي بالكلام فقالوا عنه : كاهن ، ساحر ، كاذب ، مجنون ، شاعر . 2/ أبو جهل وعد قريشاً لئن رأى محمداً يصلي ليطأن رقبته . 3/ وضع كفار قريش سلى الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4/ لَوَي عُقْبَةِ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ صلى الله عليه وسلم وخنقه بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا . 5/ كان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس عداوة له . هذا بعضا ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذية المشركين العرب ، كما واجه من الفتن والأذى والمحن ما لا يخطر على بال في مواقف متعددة ، لكنه تحمل كل هذه المعاناة والشقاء ، لأنه كان على قدر الرسالة التي حملها ، ولذلك استحق المقام المحمود ، والمنزلة الرفيعة عند ربه تعالى . نعم صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على ما أصابته من مصاعب ، ولم يأمر أصحابه بملاحقة الذين عذبوه وأهانوه ، واحراق بيوتهم ومنازلهم ، بل طلب منهم ان يمارسوا ضبط النفس ، ويظهروا الصبر تجاه المشركين والكفار وغيرهم رحمةً بالرسالة الإسلامية . لم يطالب الرسول صلى الله عليه وسلم من انصاره ومحبيه بقتل من يسيئون إليه وإلى الإسلام ، بل طالبهم بالجدال والحوار واستخدام العقل ، عسى وعل ان يتلمس المسيئ من هذا الحوار الجوانب الإيجابية للإسلام .. وإلآ فإن الرد العنيف والفوضوى التخريبي على المسيئين إلى ” ص ” سيعزز وجهة نظر هؤلاء ، ويضع الإسلام كله في قفص الإتهام . الذين قتلوا السفير الأمريكي الذي خاطر بحياته لتحرير ليبيا من العقيد الليبي الراحل معمر القدافي ، وتعهد ببناء ليبيا جديدة ، إنما يسيئون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفس القدر الذي أساء به صاحب الفيلم الأمريكي إليه – لا فرق . هذه الأعمال الغوغائية الفوضوية إنما تقدم دليلا عمليا جديدا لغير المسلمين على عدم قدرة المسلمين على الجدال والصبر عند المصاعب ، وايضا دليل فشل واخفاق قادتهم ودعاتهم في توصيل الرسالة الإسلامية للغير أسوة وقدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم . التشهير بالمخطئ قد يقوده إلى حالة من العناد الشديد ، والسير في طريق الخطأ . وقد غضب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على خالد بن الوليد حين سب الغامدية ، وهو يقيم عليها حد الرجم لزناها . ومسلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما هو انعكاس عملي لفضيلة نفسية عرفت عنه ، وهي عفة اللسان ، وصونه من الهجر والفحش والبذاء ، حتى في حق الأعداء والمسيئون . يروى أنه حينما شجه الكفار يوم أحد ، وسال دمه ، وكُسرت رباعيته ، قال له أصحابه : لو دعوت عليهم قال : إني لم أبعث لعانا ، ولكني بعثت داعيا ورحمة . اللهم اهد قومي ، فإنهم لا يعلمون . وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المفلس : قال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فَنِيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أُخذ من خطاياهم ، فطُرحت عليه ، ثم طرح في النار . إذن الذين اساءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحالة التي نحن بصددها ابتداءاً، هم الغوغائية العربية الإسلامية والسلفية الإرهابية التي هاجمت القنصلية الأمريكية وقتلت السفير وثلاثة آخرين ، دون تطبيق اقوال النبي وافعاله في هذا الصدد ، وليس صاحب مقطع اليوتيوبي الذي يجهل تماما الإسلام وتعاليمه السمحاء . هذه الغوغائية العربية الإسلامية اساءت اساءة بالغة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، برد فعلها العنيف والفوضوي ، دون استخدام الجدال والصبر ، والهدوء لإبراز الوجه الحقيقي للإسلام الذي يدعو إلى المحبة والسلام وعدم الحقد والكراهية .. والرسول ” ص ” وسلم نفسه ربما تقلب في قبره يمينا ويسارا ، فوق وتحت ، احتجاجا على التظاهرات الحيواناتية ضد المقطع اليوتيوبي . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ثم ماذا بعد مقتل السفير الأمريكي وآخرين ، واتساع رقعة الفوضوى والخراب إلى معظم الدول العربية ، ووقوع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح ؟. من المسئول عن مقتل هؤلاء المتظاهرون ؟