بعد الثورات العربية التي اطاحت بالكثير من الانظمة الاستبدادية والدكتاتورية ،تفأل الاكثر تشاما من ابناء القارة الافريقية بخير تلك الثورات ،لاسيما وان معظم حكومات العالم الثالث تتشابه في دكتاتوريتها وحكمها التسلطي والاستبدادي وفسادها،املهم علي اقل تقدير ان تتغير نظرة القادة الافارقة لاساليب الحكم وتهميش شعوبها، وتتجه الي الديمقراطية وحكم القانون والتبادل السلمي للسلطة ،ولكن وفي غمرة تلك الاحلام يطل عليهم شبح الانقلابات العسكرية الذي لم يفارقهم اصلا، وعندما كانت مصر وليبيا تخطوان خطواتهما الاولي نحو ولادت ديمقراطياتها، كان عسكر مالي قد استولوا علي السلطة بالطريقة المعتادة لمعظم حكومات القارة الافريقية ،مما اعاد للاذهان واقعها، ونضوب الامل في كثير من حكومات افريقيا لتتحامل علي نفسها وترضي ولو بديمقراطية (بل الريق وحرية التعبير) . لاسيما وظهور لاعب جديد قديم علي المسرح السياسي الافريقي وهو الصراع الدولي في المنطقة، وبحث الدول المتصارعة عن نموذج لدولة وحكومات تحقق لها مصالحها ،بعيدا عن ديمقراطيتها او نظام حكمها ،مقابل ان تضمن لها تسلحا جيد لاستمرار اسلوب حكمها وحق النقض(vito )للدفاع عنها في حالة اذا ما اصتدمت بقضايا دولية،وسن مبدا القوة تصنع الشرعية ،وهذا يفتح الباب امام مخيلت الباحثين والمحللين السياسيين مفتوحا للافتراضات والتوقعات، والتي لن تكون اخرها بان الدول العظمي قد امتلكها الياس من قيام حكومات ديمقراطية في القارة الافريقية، ولكي لاتضيع زمنها اثرت علي نفسها التعامل مع هذه الانظمة التي تضمن لها استمرارية مصالحها –طويلة وقصيرة المدي-منها ضمان امنها الغذائي ،الوقود الحيوي،وفوق اكثر من 800مليون هكتار من الاراضي الزراعية بالاضافة الي عنصر بشري شاب ورخيص الثمن والتكاليف. لذلك اصبح العديد من قادة القارة الافريقية وفي ظل الحكومات الانقلابية والعسكرية ،مروجي للحروب وتجار للسلاح،واصبحت الاسلحة تتبادل في الشارع الافريقي كالروايات الرومانسية في فترة المراهقة ،مما ادي الي استسهال السلطة والحصول عليها ،وبذلك اصبحت الانقلابات العسكرية (كالموضة الباريسية)، تقوم بلا هدف واضح، ولا لفترة زمنية محددة ،كما يعمل العسكر في ظروف معينة الاستيلاء علي السلطة لفترة انتقالية محدودة يتم بعدها تسليم السلطة لحكومة منتخبة او توافقية حسب الحالة. للقارة الافريقية تاريخ سيئ السمعة مع الانقلابات العسكرية ،ومنذ قيام الدولة الافريقية الحديثة بعد الاستعمار الاوربي ،بالرغم من قيام ممالك وحكومات سابقة للعهد الاستعماري، الا ان الغالب الاعم من الدول الافريقية الحديثة قامت بعد الاستعمار . ومنذ نهاية العهد الاستعماري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ،دخلت افريقيا عهد جديد وهو عهد الحكومات الوطنية، والتي تعتبر غير ناضجة بكل المعايير ،وذهب الكثيرين بتسمية الحكومات الافريقية في العهد الوطني ب(الاستعمار الاسود )،السبب الذي جعل الكثيرين من مثقفي القارة يتباكون علي خروج المستعمر الاوربي، بل جعل البعض يدعونه للرجوع مرة اخري لتخليصهم من استعمار بني جلدتهم من الحكام العسكر والفاسدين ، ويرجع الكثير من الباحثين سبب تاخر وعثرات القارة الافريقية في كل شئ، للسياسات و الحكومات التي قامت علي ارث استعماري ثقيل، يقوم علي حكم استبدادي وحكم عسكري شمولي، بالاضافة الي تطبيق نظرية المستعمر بكل ما تملك من قيام الحكم علي اساس قبلي ،بقيادات من قبائل اوأسر كانت ذات صلات و صداقات مع المستعمر الاوربي ،وبذلك كرس لحكم عنصري وقبلي ،لايتاتي ذلك الا عن طريق القبضة الحديدية للحكم، ويتم ذلك غالبا عن طريق السيطرة علي الاجهزة العسكرية والامنية وفتح خزائن الدولة لهم للتسليح والتدريب، وحالة مزاجية مستعدة للحروب متي واين، حتي لو كان ذلك مع ابناء الدولة والعصبيات المختلفة ،مما ادي الي قيام اجهزة و مؤسسات الدولة القومية علي الاساس العرقي والجهوي والولاءات العمياء.والتي لخصها الرئيس النيجيري اوبسانجو بان افضل الحكومات العسكرية لايمكن ان تكون افضل من اسواء حكومة مدنية. وقد شهدت القارة الافريقية منذ الاستقلال اكثر من مائة وستة وثمانون(186) انقلابا ،وبالرغم من المصطلحات والالوان الرومانسية التي تطلق علي شكل الانقلاب من ابيض واحمر وغيره الا ان افريقيا جربت كل انواع الانقلابات العسكرية، وبكل الوانها وكل دولها واختلاف عرقياتها ودياناتها حتي تاريخها الاستعماري. وبنظرة سريعة وباحصاءت لبعض تجارب القارة السمراء في الحكم الانقلابي العسكري والتارجح مابين الانقلاب والانقلاب المضاد، وقدر الدول ان تغشاه هذه الانقلابات ك(مطر خريف قاري) ،فمثلا في نيجيريا ومنذ العام(1966)تمانية انقلابات ،مورتانيا ستة انقلابات،اوغندا ستة انقلابات،جزر القمر وغانا لكل خمسة انقلابات ،السودان له من الغلة اربعة انقلابات وانفصال ،ومن الملاحظ ان كثير من الدول التي حصلت فيها انقلابات، عسكرية وحكم عسكري مهددة بمخاطر الحروب او مناداة بعض الاقاليم بالانفصال عن الدولة الام وما دونكم ماحصل اخيرا في مالي، وصراع اقاليم الدولة في التعصب للقبائيلية والكيانات العرقية والدينية ،وخير مثال لذلك اقليم (ازواد)الذي طالب بقيام دولة قائمة بزاتها ،وادعاء قيادات الانقلاب الاخير مبررين لانقلابهم بعدم مقدرة الحكومة السابقةعلي حسم قضية (الازواد) واضافوا بعد ان تمكنوا من الانقلاب في مارس الماضي بانهم قادرين علي السيطرة علي الاقليم وانصياعة لحكم باماكو ،ولكن قبل ان يجف حبر البيان الذي صاغتة المجموعة الانقلابية كان الطوارق قد دخلوا مدينة تمبكتوا واعلونوا سيطرتهم عليها واعلان اقليهم كدولة مستقلة عن الدولة الام،ومن هنا بدا عهد جديد في الدولة المالية وفي افريقيا تحديدا بعد تصعيد للكثير من مشاكل الحكم في الدول والمناداة بالانفصال وبشتي الطرق اذا كان عن طريق اتفقات كما حصل في جنوب السودان او كما حدث في اقليم ازواد الان. وبكل المقاييس ان القارة الافريقية عان الامرين من تلك الانقلابات وصعوبة التوصل الي حكومة مدنية بطرق سلمة كم ا تحدث الدكتور منصور خالد بان جيوش لايمكن ابقائها بالسكنات بمحض النصيحة وحدها.وهنا يفتح الباب علي مصرعية للقوة والقوة المضادة و الثورات والتمردات العسكرية وتذوب الدول في صراعات جديدة طائفية وجهوية يصعب السيطرة عليها علي مر التاريخ. خليل جمعة جابر –صحفي