سألتني صديقة عزيزة عن لماذا تطمس الدكتاتوريات ذكري اكتوبر وتمسحها من قائمة الأعياد الوطنية ، فأجبتها لأنها تؤكد بأن إرادة الشعب فوق كل قهر وأن الليل مهما طال فسوف ينجلي . وليل الديكتاتورية دوماً حالك ، فقد حظر انقلاب عبود الصحف وقتل الشرفاء ممن ثاروا عليه ونفي وسجن الآلاف من المعارضين لكنه هوي في بضعة أيام عندما أدي تراكم المقاومة والنضال إلي الإضراب السياسي والعصيان المدني فكانت ثورة اكتوبر حدثاً فريداً في تاريخ الثورات العالمية ، وما حدث في اكتوبر 1964 تكرر في ابريل 1985 فرمي الشعب مايو وزعيمها وفلولها في مزبلة التاريخ . ولكي لا ننسي فقد كان الكيزان – ولا زالوا – من فلول مايو ، سندوا النظام المايوي بلا كلل طيلة ثماني سنوات عجاف ونصبوا نميري إماماً للمسلمين بعد أن وضعوا قوانين سبتمبر فقتلوا وعذبوا وسجنوا وجلدوا وصلبوا ومارسوا كل أنواع الإرهاب . وطفق أئمتهم في المساجد يهرطقون ويكفرون المعارضين ، ولكن شعبنا كان له رأي آخر ، فخلعهم وإمامهم في عشرة أيام تزلزلت فيها الأرض تحت أقدام المتظاهرين . وللمرة الثانية كان الإضراب السياسي والعصيان المدني هو السلاح الفتاك الذي يهزم الرصاص والبمبان والعصي الكهربائية . أما كيف ينتصر الشعب الأعزل علي جند الديكتاتورية في كل زمان ومكان ، فالأمر لا يقتصر علي من بيده آلة القتل ومن بيده غصن النيم بل علي القلب الشجاع حينما لا يخشي الموت في سبيل الحرية ، والقلب الجبان الخائر حتي وإن حمل الكلاشنكوف . هي إذن المعادلة بين من يخرج مدافعاً عن وطنه ، وبين من يريد الدفاع عن أعداء الوطن . وفي سياق هذه المعادلة تحطم السلطة الغاشمة النقابات الشرعية ، وتبني تنظيماتها الكرتونية فتخرج من بين العمال والمهنيين لجان ونقابات حرة لا تنصاع لأوامر الديكتاتورية ، وتسقط إتحادات السلطة في الجامعات بإرادة الطلاب ، ويثور المزارعون علي الاتحاد الحكومي ويؤسسون تحالفهم المجيد ، وتتوالي الإضرابات والمظاهرات والإعتصامات رفضاً لسياسات السلطة ، وتنجح في انتزاع المطالب المشروعة . أما الإعلام المشروخ والمواكب المصنوعة والتصريحات الجوفاء فهي لا ( توزن ) المعادلة لصالح الشمولية ، بقدر ما تلهب الحماس للخلاص منها . التحية لذكري اكتوبر ، العائد حتماً عما قريب ، ولذكري المناضل الفذ محمد ابراهيم نقد ، أو عبد الرحمن أو الخير حيث يصادف تأبينه أيام اكتوبر الخالدات . أما الفاسدون والفاسدات فموعدنا معهم في ( اللفات ) ولا نقصد لفة الكلاكلة أو منحني سنكات بل أماكن في طرفها حاجات و ( صاجات )