(ترجمة الإسلام اليوم) بعد وقت قصير من منتصف ليل الخميس الماضي, تحرَّك ببطء طابور من الدبابات في أحد الشوارع الرئيسية بالخرطوم, وبرغم أن سكان العاصمة السودانية الخرطوم استيقظوا اليوم التالي على يوم آخر عادي هادئ, ولا يدرون أن حدثًا كبيرًا جرى بالساعات الأولى. ووسط موجة من الشائعات والتقارير المتضاربة, أعلن وزير الإعلام أحمد بلال عثمان عن القبض على 13 مشتبهًا به, من بينهم شخصيات بارزة من كبار المسئولين في البلاد, بتهمة التآمر ضد الدولة, مضيفًا أن الحكومة قررت إجهاض هذه المؤامرة قبل ساعة الصفر كإجراء وقائي لتجنيب دخول البلاد في حالة من الفوضى. بالنسبة لأعداد المراقبين الغفيرة في السودان, لم تكن الأنباء عن محاولة انقلاب ضد نظام البشير مفاجئة, حيث شاهدوا منذ فترة تجمع غيوم عاصفة حول نظام الحكم في السودان, والذي يواجه تمردًا مسلحًا من مجموعات عرقية في جميع أنحاء البلاد, بالإضافة إلى الاضطرابات التي تشهدها شوارع الخرطوم من جانب المواطنين الذي يستاءون كثيرًا من اتجاهات الدولة القمعية, مما يكشف عن فقدان السيطرة على البلاد من قبل النظام. يبدو أن مشاكل النظام في السودان بدأت في التفاقم بعد تأخر تدفق النفط من جنوب السودان, مما أدى إلى انخفاض سعر الجنيه السوداني إلى أدنى المستويات, وحسب ما قاله العديد من المراقبين فإن عُمر البشير, الذي يواجه لائحة اتهام بجرائم الحرب بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي, يبدو أنه في ظل تفاقم المشاكل الاقتصادية بالسودان سيُواجه أيضًا صراعًا داخليًّا على السلطة قد يضع نهاية لنظامه في البلاد. وبرغم أن الاستياء يشتعل داخل النظام في بعض الأوقات, فإن المحفز لمؤامرة الانقلاب الأخيرة تبدو بسبب عدم الاتفاق خلال مؤتمر عُقد مؤخرًا للحركة الإسلامية, وهي المنظمة التي أُنشئت لتوجيه الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني”, حيث كان يتمنى بعض الوزراء والقادة الدينيين أن يكون هذا المؤتمر ورقة ضغط لإحراز مزيد من الإصلاحات في حزب “المؤتمر الوطني”, إلا أن هذا أُحبط بواسطة حلفاء البشير, حتى غادر العديد من المندوبين عن الأحزاب والحركات مبكرًا قبل انتهاء المؤتمر. من جانبه يقول المحلل السوداني الدكتور/ الحاج حمد: “من الواضح أن هناك شيئًا ما يختمر, فهؤلاء يريدون من حزب المؤتمر أن يقوم بإصلاح الحكومة, إلا أن الحركة الإسلامية تقع تحت سيطرة البشير, وقد خرج بعضهم من الاجتماع لاستيائهم من عدم الإصلاح, بالإضافة إلى اعتقال كثير من الشخصيات البارزة السياسية والإسلامية في الوقت الراهن”. بينما قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: “لا أعتقد أنه كان انقلابًا سياسيًّا, لكن كان هناك شبه تحالف يتم تشكيله وهذا ما أفزع الحكومة”. أما صلال جوش, مدير المخابرات السابق, والذي يوجد رهن الاعتقال في الوقت الراهن, بعدما أعرب عن رغبته في حكم البلاد, فقام البشير بإقالته من منصبه في أبريل 2011م, ومنذ ذلك الحين سرت شائعات أنه يُخطِّط للقيام بشيء ما حيال ذلك. بين عشية وضحاها, لم يعد هؤلاء المعتقلون أعداء البشير فحسْب, ومن بين هؤلاء محمد إبراهيم, أحد أبرز المسئولين العسكريين, الذي كان يعتبر بطلًا من قِبَل الشباب الإسلاميين للعمليات العسكرية ضد العديد من المجموعات المتمردة العرقية في جنوب السودان, كما ذكرت مصادر في الخرطوم أن الدولة اعتقلت أكثر من 40 عضوًا من شباب الجماعات الإسلامية التي أُنشئت في وقت سابق من هذا العام للمطالبة بالإصلاحات. برغم هذه المطالبات الأولية التي قد تحرض جماعات المعارضة على الانقلاب, فمن الواضح أن هناك صراعًا على السلطة حاليًّا داخل النظام, وبينما أُطلق سراح العديد من المعتقلين, فإنه ما زال هناك آخرون رهن الاعتقال لفترة من الوقت. من جانبه يقول د أمجد فريد الطيب, المتحدث باسم “حركة التغيير الآن”: “على الرغم من أن معظم السودانيين لا يبالون بهؤلاء الأشرار الذين يقتتلون على السلطة والثروة في البلاد”, مضيفًا: “يبدو أنه لا أحد من المتنازعين على السلطة يهتم بشئون الشعب السوداني، ولا باتفاقية النفط التي على وشك الانهيار، ولا بالتوتر المتصاعد على الحدود بسبب الغارات الجوية التي شنتها الخرطوم, ومع تنامي الصراعات الداخلية, سوف تتعرض قوة النظام على البقاء إلى الاختبار”. “إن الدولة غير ممهدة والنظام في أيامه الأخيرة, خاصة أن الصراع الداخلي يحتدم، وإن أي نظام يقترب من السقوط يبدي هذه الميول والتوجهات المتمثلة في عملية التدمير الذاتي”. حسب قول المحلل السوداني الحاج حمد.