البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    خيبة حمدوك في باريس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    ماذا جرى في مؤتمر باريس بشأن السودان؟    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    ياسر العطا: أمن و استقرار انسان الجزيرة خط احمر    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    خبراء: الهجوم الإيراني نتاج ل«تفاهمات أمريكية».. وجاء مغايرًا لاستراتيجية «طهران»    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    محمد وداعة يكتب: الاخ حسبو ..!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    تجاوز مع أحد السياح.. إنهاء خدمة أمين شرطة لارتكابه تجاوزات في عمله    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    «العازفون الأربعة» في «سيمفونية ليفركوزن»    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    "طفرة مواليد".. نساء يبلغن عن "حمل غير متوقع" بعد تناول دواء شهير لإنقاص الوزن    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع السلفية الجهادية فى السودان من قاعة المحاضرات الى أحراش الدندر
نشر في حريات يوم 08 - 12 - 2012


الهادي محمد الأمين
( 1 )
لا يمكن تفسير ما يدور من أحداث طرأت علي المشهد الديني مؤخرا بمعزل عن مجريات الواقع السياسي بالبلاد بدءا من قضية اقتحام الغاضبين والمحتجين من الفصائل الاسلامية بمدارسها الفكرية المتعددة لمبني سفارتي الولايات المتحدة والمانيا بالخرطوم في أعقاب حادثة الفيلم المسئ للرسول ( صلي الله عليه وسلم ) في تظاهرات شهيرة منتصف شهر سبتمبر الماضي ثم ما تلي ذلك من إقدام تشكيلات حربية أعلنت وعبّرت عن نفسها بمسمي السلفية الجهادية بساحة النشاط في جامعة الخرطوم وافصحت عن نيتها الانتقام من الحكومة والدول الغربية علي حد سواء وتأكيدات رموزها خلال المخاطبة الجماهيرية بقدرتهم علي تفويج الشباب المجاهدين للقتال جنبا إلي جنب مع تنظيم القاعدة بلاد المغرب ( الاسلامي ) وتحديدا في دولة مالي ثم ما تردد بعدها من معلومات تشير لوصول العشرات من المجاهدين السودانيين لمالي لينضموا لكتائب جماعة أنصار الدين وجماعة الجهاد والتوحيد فالقبض علي مجموعات شبابية تسللت من الخرطوم ليلا للسفر لغرب لإفريقيا ولم تقف الساحة الدعوية في تفاعلاتها عند هذا الحد فقد نفذت الاجهزة الامنية عملية مداهمة لمنزلي الشيخين ( مساعد بشير السديرة وسعيد نصر ) واستولت علي أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهما واقتيد الرجلان للمعتقل منذ أواخر شهر أكتوبر ولا يزالا رهن الحبس حتي اليوم حيث اشارت أصابع الإتهام لتورطهما في تشجيع وتحميس الشباب للتوجه لمالي باعتبارها أرض الهجرة الجديدة لتحتل الدرجة الاولي في اهتمامات الجهاديين وتنظيم القاعدة بدلا من الصومال التي كانت تسمي أفغانستان إفريقيا وكانت المفاجأة الأخيرة كشف السلطات بولاية سنار لمعسكر تدريب في محمية الدندر يتبع لخلايا وأنوية عسكرية تنتمي للسلفية الجهادية حيث وجدت بعد نجاح الغارة علي الوكر متفجرات وعبوات ناسفة واسلحة أوتوماتيكية رشاشة وأخري ثقيلة بجانب قنابل واجهزة كمبيوتر ولاب توب تستخدم لغرض التواصل مع خلايا عسكرية جهادية خارج البلاد وكانت المجموعة المتطرفة تنوي تنفيذ أعمال إرهابية تستهدف قادة سياسيين ومقار البعثات الدبلوماسية ومواقع حيوية تتبع للمنظمات الاجنبية وقائدها هو الدكتور اسامة أحمد عبد السلام ذات الرجل الذي كان يخطط لعملية تفجيرات واسعة النطاق قبل أن ينكشف المخطط بعد انفجار ( اسطوانة حديدية كانت معبأة بالبارود وجاهزة للإنفجار ) إلا أن قوات الشرطة استطاعت الوصول للمخبأ بمنطقة السلمة وطوقت الموقع ومن ثم قامت بتوقيف واعتقال المجموعة ..ليتجدد الآن ذات السيناريو الذي وقع في العام 2007م بحي السلمة بتفاصيل وصورة أوسع وأحدث وأكثر تطويرا من الناحية العسكرية والتقنية والمادية والبشرية وحدوث قفزة نوعية وكمية فعدد أفراد خلية السلمة يتراوح ما بين ( 25 – 35 ) عنصرا بينما الموجود في معسكر حظيرة الدندر من كوادر بشرية يفوق السبعين شخصا بجانب الانتقال من مركز الانطلاق من منزل صغير بحي سكني ( السلمة ) إلي معسكر كامل معد للتدريب وتخزين الأسلحة وتوفير مأوي آمن بعيدا عن الأعين وبالتالي الافلات عن المراقبة لتستريح المجموعة علي مساحة واسعة وشاسعة من الاراضي تكمن أهميتها في وضعها الاستراتيجي كموقع للإعداد يقع علي شريط كبير يجمع ولايتي سنار والقضارف من جهة وفي محمية طبيعية تتداخل مع الحدود الإثيوبية وبالتالي ضمان وجود مخارج عن طريق الهروب لدولة مجاورة في حال تضييق الخناق عليها من قبل السلطات السودانية من جهة ثانية وهذا يرجح بالقطع احتمالات وجود عنصر أجنبي وخارجي داخل المجموعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة خاصة وأن خيارات غالبية المقاتلين إما التوجه للصومال أو السفر إلي مالي وهذا لا يتم إلا عبر ساتر خارجي أو وسيط ومنسق بين الطرفين كما يبرز احتمال آخر أن هذه الخلايا ( محل التفكيك ) تعتزم تنفيذ أعمالها الارهابية والتخريبية في مطلع العام الميلادي الجديد بالتزامن مع احتفالات أعياد الميلاد مثلما سبق تنفيذ هذه السيناريو حينما نجح بقايا ( مطاريد ) خلية السلمة في الخروج من المعتقل والتخطيط لاغتيال موظف وكالة المعونة الأمريكية الدبلوماسي جون غرانفيل في مطلع العام 2008م بحي الرياض عند تقاطع شارع الشهيد عبيد ختم مع شارع البروفسير عبد الله الطيب ..
كما أن وجود مجموعة في الدندر يحمل مؤشرات أخري بوجود حلقات عسكرية أخري في مناطق طرفية بالسودان إذ لا يمكن لهذه الخلايا أن تجازف أو تغامر بوجودها في موقع واحد وإنما تكتيكهم يعتمد علي خارطة انتشار تتوزع علي عدد من المخابئ والاوكار والمغارات لأن السلفية الجهادية لا تتعامل مع الواقع بشكل ساذج وكذلك لمعرفتها بقدرة السلطات الحكومية في الوصول إلي مراكز نشاطها وتحركها ..
( 2 )
بدا واضحا أن الجهاديين ومنذ خروجهم من المعتقلات ان تطورا كبيرا قد حدث لهم في البنية الفكرية والتنظيمية سواء من ناحية تزايد أعدادهم أو تطوير قدراتهم العسكرية أو في الحفاظ علي عقيدتهم وإرادتهم القتالية – رغم ظروف الحبس والإعتقال – أو من ناحية تصميمهم وإصرارهم علي توسيع مشروعهم الجهادي وبالتالي توسيع مخططهم في تنفيذ أهدافهم ساعدتهم في ذلك عدة عوامل داخلية وخارجية فعلي المستوي الداخلي فان المشهد السياسي يعاني من حالة احتقان ظهرت جليا قبل وأثناء وبعد انعقاد أعمال المؤتمر العام الثامن للحركة الاسلامية وما صاحبه من صراع مراكز قوي وسط أخوان السودان تلاه ظهور المحاولة التخريبية لقلب نظام الحكم التي أتت هذه المرة من داخل الصف الإسلامي علي غير ما كان في السابق إذ أن كل المحاولات للإنقلاب علي الحكومة كان يأتي من خارجها سبق ذلك مضاعفات مذكرة الإسلاميين الشهيرة الداعية للإصلاح وتصحيح المسار هذا علي الصعيد الداخلي الخاص بالحاكمين أما علي المستوي خارج نطاق الحكم فقد شهدت البلاد وقوع القصف الجوي الاسرائيلي علي مصنع اليرموك للتصنيع الحربي ثم تأرجح العلاقة ما بين شطري السودان شماله وجنوبه وهنا لا بد من الاشارة إلي كثير من التجمعات السلفية الجهادية ويتفق معها تيار واسع من مجاهدي الحركة الإسلامية ان الانفصال والتفريط في جنوب السودان هو خطأ استراتيجي كبير وفادح وقعت فيه الحكومة بتنازلها طوعا عن ( أرض أو ديار إسلامية ) هذا بالإضافة الي تزايد أزمات البلاد سياسيا واقتصاديا وما يصاحب ذلك من معاناة وضيق في معاش الشعب وما يجري في أطراف البلاد من احتراب واضطراب في دارفور مرورا بجنوب كردفان وانتهاء بالنيل الازرق كل ذلك يشكل حافزا ودافعا للجهاديين للتحرك وترتيب البيت من الداخل وتجميع صفوفهم في ظل انشغال الحكومة بصراعاتها الداخلية ومواجهة التحدي الخارجي هذا بالإضافة الي تأثير ثورات الربيع العربي علي مجريات الواقع الرهن ونشدان الشعوب لتغيير الأنظمة ولا يمكن للمرء أن ينسي أو يغفل تأثيرات الظروف الإقليمية والعالمية وإسقاطاتها علي الواقع السوداني خاصة ما يختص ببرنامج الحرب علي الارهاب كإستراتيجية أمريكية غربية بالتعاون مع الحلفاء والشركاء والاصدقاء بالمنطقة ومقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مايو 2011م وتطورات الاوضاع في الارض المحتلة والاعتداءات الاسرائيلية علي الفلسطينيين والتدخلات الاجنبية في البلدان العربية والاسلامية في مستوياتها المدنية والعسكرية وغيرها من العوامل أما السبب الرئيس فهو وجود شبه اتفاق بين طبقات السلفيين الجهاديين بفشل النموذج السوداني وعدم تلبيته لاشواق الاسلاميين وقد مثّل وعكس من وجهة نظرهم صورة سالبة ومشوهة عن الحكم الإسلامي الرشيد ..
جاء كل ذلك في مناخ بروز الصراع الديني والعنف المذهبي الذي اطل براسه بصورة سافرة خلال المرحلة السابقة والحالية وربما يكون احتل الدرجة الأولي في تصدر الساحة متفوقا علي الصراع السياسي ففي وقت وجيز وقعت الكثير من الاحتكاكات الدينية مثل الاقدام علي حرق أضرحة العيلفون وهو ما جعل الطرق الصوفية توجه اتهامها نحو السلفيين تلي ذلك تكفير الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة للإمام الصادق المهدي ثم هجوم مسلح من قبل مريدين من الطرق الصوفية لمخيم انصار السنة بميدان المولد بساحة الخليفة بأم درمان وصل لحد الإعتداء بالسلاح الابيض تلاه هجوم آخر قامت به مجموعة ملثمة ضد مجمع الامام مالك بمنطقة أم عشوش بشمال كردفان بجانب احداث العنف التي كان طرفها شيخ الأمين عبد القادر وتلاميذه بحي ود البنا ضد سكان وأهالي الحي العريق بأم درمان ..
( 3 )
وبالعودة إلي القضية أعلاه فإنه ورغم مرور اسبوع علي كشف الخلايا العسكرية فان الحكومة لم تقدم وصفا دقيقا ومقنعا بخصوص هذه المجموعات ووصفتها بالمتطرفة وهو توصيف عام وغير محدد المعالم لكن وجود الدكتور اسامة أحمد عبد السلام علي رأس المجموعات يؤكد علي حقائق مهمة وكبيرة تجعل التعرف علي هوية هؤلاء ممكنة باعتبار أن الرجل يعد العقل المدبر والمفكر لخلية تفجيرات السلمة 2007م وأن من معه هم أتباعه من نفس المدرسة الفكرية التي تجمع ثلاثة مكونات عقائدية ( تكفيرية – سلفية جهادية – قاعدة ) ففكريا طرأ تغيير في مصطلح ( التكفير ) بالنسبة لهذه المجموعات التي كانت تستهدف الاجانب فقط وتعتبر ان الحكومة هدف مؤجل ولا يشكل أولوية في سلم اهتماماتها ليصبح ( التكفير ) هنا (سياسيا ) وليس نابعا من منطلقات عقائدية لكن اعتداء وهجوم المجموعة علي نقطة شرطة حماية الحياة البرية والاستيلاء علي المعدات العسكرية يؤكد ان الاستهداف لا يقتصر علي المنشآت والمواقع الأجنبية بل لا يستثني حتي قوات الشرطة وقتل أفرادها إن دعا الحال لذلك وهذا يتشابه مع حادثة اعتداء مجموعة عبد الرحمن الخليفي علي نقطة بسط الأمن الشامل بحديقة الثورة الحارة الأولي وجرح شرطيين بعد توثيقهما بالحبال ونهب السلاح الناري لاستخدامه في قتل المصلين بمسجد الشيخ ابوزيد في العام 1994م وبالتالي فان ( فوكس ) الجهاديين هذه المرة سيكون بالدرجة الأولي علي الحاكمين وهو أمر أكده رئيس الجمهورية المشير البشير حينما كشف ان الاجهزة الامنية أحبطتت مخططا يستهدف إغتياله والنائب الأول والفريق صلاح قوش لكن التعجيل بتفكيك الخلية حال دون المضي في تنفيذ العملية التي قتلت في مهدها وهو ذات ما امّن عليه مدير جهاز الامن الحالي الفريق اول محمد عطا حينما قال انهم كانوا يعدون العدة لاستهداف رموز الدولة كما ان وجود ( متفجرات وعبوات وأحزمة ناسفة ومفرقعات واسلحة ثقيلة وقنابل بجانب أجهزة الاتصال والحواسيب ) يؤكد أن المخطط يستهدف بالدرجة الثانية المواقع الاستراتيجية للوجود الاجنبي ومقار البعثات الدبلوماسية للدول الغربية وتنفيذ عمليات ارهابية عن طريق العمليات الفدائية والاستشهادية التي تقوم بها القاعدة ضد المحتلين الاجانب أما التطور الآخر فهو التماثل بين آليات ووسائل المجموعات الجهادية السودانية ونظيرتها المصرية في الإرتكاز والتحصن بالمناطق الأثرية والمواقع السياحية لاستهداف السياح الأجانب والتخطيط لاغتيالهم في ( الأقصر ) علي سبيل المثال وهو ما جري مؤخرا باحتماء الخلية الجهادية بحظيرة الدندر كمحمية سياحية تجذب وتستقطب السياح الأجانب من بلدان مختلفة
( 4 )
هذا من جهة ومن جهة ثانية فان استراتيجية هذه المجموعات تتشابه الي حد كبير مع خطط القاعدة خارج السودان عبر تطبيق سياسة معادلة (الهامش مع المركز) وهي ثقافة ابتدعها الزعيم الصيني (ماو تسي تونغ ) بتطويق المركز من خلال تقوية الهامش ومن ثم الانقضاض علي رئاسة الحكم وهو ذات الاسلوب الذي سار عليه زعيم الحركة الشعبية جون قرنق حينما استقطب أبناء مناطق جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور بتقوية هذه الجبهات في تمردها علي الحكومة الاتحادية للضغط عليها للإستجابة لمطالبها والاذعان لشروطها فتنظيم القاعدة اتبع ذلك في أفغانستان حيث بدأت طالبان كحركة صغيرة يقودها – طلاب العلم الشرعي – ثورتها من المناطق الطرفية وهاجمت بعض المواقع العسكرية التابعة لتحالف القوي الاسلامية المكون من جماعات ( عبد الرسول سياف – برهان الدين رباني – صبغة الله مجددي- أحمد شاه مسعود- قلب الدين حكمتيار ) حتي وصلت للعاصمة كابول والسيطرة عليها ومن ثم حكم أفغانستان وهو ما قامت به المجموعات السلفية والاسلامية الجزائرية باختيار المواقع النائية والبعيدة لتقوية بنيتها الداخلية وشوكتها العسكرية والتحالف مع الطوارق – باستهداف الوجود العسكري الرسمي وغنم أسلحته والاستفادة من مخازن السلاح التي تستولي عليها من الجيش الحكومي وتجربتي أفغانستان والجزائر تجري حاليا في مالي حيث استفادت المنظومات الجهادية المقاتلة من المحميات الطبيعية في بلادها واتخاذها مقرا للتدريب وانطلاقة عملياتها العسكرية التي كانت تستهدف أولا المناطق العسكرية الطرفية التابعة للجيش المالي والاستيلاء معداتها وآلياتها لبناء ترسانة عسكرية قوية تواجه بها الحكومة إما لشن هجمات علي الوجود الرسمي للدولة أو الأجنبي من أجل فرض وجودها وحضورها في المسرح السياسي بقوة السلاح وبالتالي إيجاد موقف تفاوضي قوي في مواجهة عدوها أو خصمها والآن تتقدم جيوش القاعدة وحركة أنصار الدين وجماعة الجهاد والتوحيد بعد تأسيس إمارة إسلامية في الشمال نحو الجنوب وما حدث في تلك البلدان تنطبق بعض فصول السيناريو فيه علي ما جري مؤخرا في الدندر بولاية سنار فكان اختيار المجموعة لمحمية الدندر وفتح معسكر للتدريب مجاور لشريط حدودي مشترك مع دولة إثيوبيا وفي امتداد جغرافي يزيد طوله عن 15 ألف كلم وفي منطقة كلها غابات وأدغال وأحراش ثم شن غارات علي مواقع الشرطة والاستيلاء علي عتادها وأخيرا الدخول في مواجهة مسلحة ضد الكتيبة والقوة المكلفة بالقبض عليهم كل ذلك يؤكد اتجاه الخلايا لتكثيف انتشارها وتعزيز قوتها والزحف نحو المدن أو التقدم نحو الخرطوم عبر الشرق باختراق بادية البطانة والدخول للخرطوم من جهة شرق النيل في عملية مقابلة تتشابه مع اختراق قوات حركة العدل والمساواة الصحراء الغربية والوصول للقصر الجمهوري عبر جسر الفتيحاب .. ومن ضمن أدبيات هذه المجموعات تأسيس القرية النموذجية في المناطق النائية وتكوين شوكة ضاربة وقواعد عسكرية والتقدم نحو المدن لتطويقها أو خلق تحركات مزعجة للمركز
( 5 )
من خلال السرد الخاص بمجموعة الدندر المتطرفة أعلاه يتضح أن هذه الخلايا اجتمعت وتلاقت فيها الفئة التكفيرية مع السلفية الجهادية فكريا واستفادت من تكتيكات تنظيم القاعدة في الخطط والأساليب والمناورة والتخفي عن الانظار والبعد عن المركز لايجاد فرص واسعة لتلقي جرعات تدريبية كافية والتشبع بالثقافة القتالية وتأهيل كادرها لكن مرت هذه العناصر الموقوفة بعدة محطات في حياتها ومسيرتها فالمرحلة الأولي بدأت بانضمام هذه المجموعات التي تناسلت بصورة أميبية من تيار يدعي بالسرورية الذي أسسه ووقف عليه الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين وانتشر بقوة في الشارع بدول الخليج العربي في أعقاب حرب الخليج الثانية ووجد حظه من الإنتشار في السودان حيث تحلقت المجموعات الشبابية والطلابية لأول عهدهم حول عدد من الشيوخ الذين مثلوا لونية ومدرسة جديدة في الدعوة والتدين والخطاب يمزج بين السلفية في المظهر الشعائري والعقائدي والاخوانية من حيث دقة التنظيم وسرعة الايقاع والقدرة علي تحريك الشارع ومهارة في استقطاب الكوادر وفي مقدمة هؤلاء الشيوخ محمد عبد الكريم – عبد الحي يوسف – علاء الدين الزاكي – مدثر أحمد إسماعيل سبقهم في خلق الجو التحضيري الشيخ سليمان عثمان أبونارو الذي انشق عن جماعة الأخوان المسلمين ( الأصل ) بعد انقلاب علي المنهج والتنظيم علي حد سواء بعد نجاحه في هزيمة المجموعة الأخري التي كان يقف علي زعامتها القيادي التاريخي للجماعة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد – الدكتور الحبر يوسف نور الدائم – علي جاويش والدكتور عصام البشير عبر المؤتمر العام للجماعة في العام 1991م وانحياز غالبية العناصر الشبابية والطلابية والقيادات الوسيطة لطرح وخط الشيخ أبونارو ثم ما لبث أن أعلن تخليه عن منهج الاخوان المسلمين مكونا جماعة الإعتصام بالكتاب والسنة التي كانت محضنا لشباب السرورية في مطلع عقد التسعينات انضم لهم لاحقا الشيخ أحمد مالك …
( 6 )
لكن استطاع التيار السروري بعد مرحلة التكوين الاولي الانطلاق بعد جذبه لشباب الاخوان المسلمين الذين شكلوا اللبنة الأولي والرصيد الجماهيري للمجموعة بعد سحب البساط من جماعتي ( شيخ صادق وابونارو ) ثم يستفيد التيار السروري من انقسامات جماعة أنصار السنة المحمدية وتوظيف تشظيها لصالح أجندته لاكتساح الشارع الاسلامي بعد فرض شرعية وجوده عبر الارض ببناء المساجد والمؤسسات الدعوية والمنظمات الخيرية والواجهات الاجتماعية والإعلامية ولم يكتف دعاة السرورية بذلك حيث مدوا حبال التواصل حتي مع الحزب الحاكم لتحييده علي الأقل في تلك المرحلة لبناء شبكات تحتية قوية تكون أرضية ومنصة انطلاق جديدة اتسعت بشكل متسارع أظهر قوة وفاعلية وتاثيرا لا تخطئه العين في زمن قياسي ووجيز مقارنة مع فترة النشأة ..
لكن ما لبث التيار السروري أن أصابته حمي الخلاف والتفرق وضربه فيروز الانقسام خاصة بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م علي المستوي الخارجي وظهور استراتيجية مكافحة الارهاب ومراقبة حركة تحويلات النقد الاجنبي من الخليج للمنظمات الخيرية في دول القارة الإفريقية علي وجه التحديد وتوقيف كثير من رموز الجهاد وتصنيف بعض الحركات الاسلامية والسلفية باعتبارها جماعات ارهابية تهدد السلم والامن العالميين وفي السودان جاءت حوادث تفجيرات السلمة 2007م وتبعها مقتل الدبلوماسي الامريكي جون غرانفيل 2008م وما تلي ذلك من اعتقال خلايا وتشكيلات وأنوية عسكرية كان غالب عناصرها هم من تلاميذ شيوخ السرورية وبعد انفتاح جهاديو السودان علي دولة الصومال وانضمام بعضهم لكتائب حركة الشباب المجاهدين وكذا الحال بالنسبة لسودانيين هاجروا للعراق فإن جيل الشيوخ حول التبرؤ من أفعال شبابه واعلان خطأ وخطل ما يديرونه ويدبرونه من مخططات بل انتديت الحكومة هؤلاء الشيوخ لفتح أبواب الحوار مع شبابهم المحبوس لف القضبان الامر الذي أدخل الريبة في الشباب ضد شيوخهم واهتزاز الثقة باعتبار ان الشيوخ دخلوا في هدنة مع الحكومة او ( باعوا القضية ) بثمن بخس أو أنهم ينفذون الأجندة الخاصة بالحزب الحاكم وبالتالي حدوث انقطاعة بين جيل الشيوخ والشباب وقاد ذلك لتفلت البعض وهجروا شيوخهم القدامي للاتجاه صوب تقليعة جديدة ..
( 7 )
كان في طليعة الشيوخ الجدد الذين شكّلوا مرجعية ورمزية اكتسحت الساحة الدعوية واستقطبت شباب السلفية الجهادية أربعة من الدعاة في مقدمتهم ( أبو أسامة ) الشيخ مساعد بشير السديرة – ( أبو البخاري ) سعيد نصر – ( ابو عبد الله) صادق عبد الله عبد الرحمن ولثلاثهم معاهد شرعية – يلتحق بها شبابهم وطلابهم باعتبارأن تيار هؤلاء الشيوخ مبدئيا خال من الانتهازية السياسية ولا يعرف الصفقات والمناروات التي يجيدها آخرون وله القدرة علي مواجهة السلطة ومصادمتها والصمود ضد سياستها وبطشها واحتمال السجن والاعتقال وهذه الصفات وجدت هوي لدي الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ( 20 – 30 ) عاما واكتسب الشيخ مساعد السديرة شهرة وجاذبية خاصة بعد وقوعه في قبضة المخابرات المصرية بعد توقيف سلطات مطار القاهرة الدولي له بعد اختتام رحلة علاجية لمصر في العام 2009م استمرت قرابة الشهر وفي طريق عودته تم اقتياده من المطار للسجن المركزي الذي لبث فيه قرابة الشهرين بعد تعرضه لعمليات تعذيب وحشية من قبل المخابرات المصرية ليخرج الرجل بعدها بطلا في نظر محبيه ومريديه الذين اصبحوا يقدرون بالالوف داخل وخارج العاصمة الخرطوم بل وحتي خارج السودان لكون الرجل يعتبر من المحدثين النادرين في التخصص في مجال الحديث وعلم الرواية والاسناد والاثبات وله إجازات معتمدة ومعتبرة ثم بزر بعده الشيخ أبو عبد الله الصادق عبد الله عبد الرحمن وهو من الشباب الذين ولدوا وتربوا في السعودية وتتلمذ علي يد عدد من شيوخ السلفية بالمنطقة الشرقية للسعودية سليمان ناصر العلوان وأيضا اكتسب هذا الرجل إعجاب تلاميذه من خلال السجن الذي يسمي في ثقافتهم ب( مدرسة يوسف ) فقد اعتقل بالسعودية لمدة تزيد من العامين ليتم ترحيله للسودان فيتعرض للإعتقال مرة اخري لتكون ثقافة السجون هي الشرعية لاكتساب النجومية واللمعان لدي الشباب والشيوخ في آن واحد ليكونوا هم النموذج والقدوة للجهاديين وأبوعبد الله هو تلميذ الداعية السعودي سلمان العلوان المفرج عنه مؤخرا ..
وفتحت أحداث اقتحام سفارتي أمريكا وألمانيا وحرق أعلامهما بابا جديدا للظهور بشكل علني سافر برفع أعلام ولافتات وشعارات تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية أعقب ذلك التعبير عن المفاهيم الجهادية ونية هذه المنظومات للتحرك لتحقيق أهدافها بالجهاد والقتال وتفويج شبابها لمالي وبالفعل تدافع وتدفق العشرات من السلفيين الجهاديين نحو مالي ليتزامن ذلك مع انكشاف خلية الدندر التي كان منسوبوها يعتزمون تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف أغتيال شخصيات سياسية ودستورية حاكمة وضرب الوجود الاجنبي وتفجير بعض مقار البعثات الدبلوماسية ثم تدريب كوادرها للهجرة للصومال ومالي سبق ذلك مداهمة السلطات لمنزلي الشيخين ( مساعد السديرة وسعيد نصر ) واعتقالهما منذ نهاية شهر أكتوبر الماضي بتهمة تحريض الشباب للجهاد في تلك البلدان ولتبني خيار العمل المسلح في التغيير داخل البلاد والاعداد لتنفيذ أعمال ارهابية وتفجيرات وحتي الآن فان ما ظهر ورشح من معلومات لا يزال شحيحا مقارنة مع حجم الخطب وحتي الشخصيات والابطال المعتقلين والذين يزيدون عن الأربعين لم تظهر أسماؤهم عدا قلة قليلة برز منها العقل المدبر للخلية الدكتور أسامة أحمد عبد السلام ويسكن حي الرياض شرقي الخرطوم وأحد ضحايا المواجهة المسلحة بين القوات الحكومية والمجموعة المتطرفة ويسمي محمد الحسن مبارك ( ود راوة ) من أبناء الثورة وآخر يسمي عمر عبد الله من أبناء شندي ويسكن الحاج يوسف وهو معتقل الآن بالحواتة وعمرو السوداني وهو صهر الشيخ أبو عبد الله الصادق عبد الله عبد الرحمن وقيل أن ( عمرو ) هرب من المعسكر وجاء للخرطوم وتردد أنه التقي بالشيخ محمد عبد الكريم – إمام وخطيب المجمع الإسلامي بالجريف غرب – وشرح له ما يجري من تدابير داخل حظيرة الدندر فنصحه الشيخ محمد عبد الكريم بالتبليغ الفوري وتسليم نفسه للسلطات وهو مافعله الرجل الذي تم أيضا إعتقاله لكن هل اعتقل لأنه من ضمن أفراد الخلية أم لحمايته من عمليات الانتقام باعتبار ان المجموعة تتهمه بالخيانة والعمالة وكشف أسرارهم لدولة كافرة ..؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.