البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    السودان.."الولايات المتحدة" تسبق"الهجوم الوشيك" بدعوة عاجلة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروتوكول جنوب كردفان والنِّيل الأزرق.. عثراته ومآلاته (9 من 11)
نشر في حريات يوم 14 - 12 - 2012


د. عمر مصطفى شركيان
[email protected]
العودة إلى العدائيات وتجاوزات حقوق الإنسان
لقد تردَّدنا كثيراً، أو أصابنا التردُّد في أكثر من مرة، فيما إذا كان الحين مناسباً لكتابة هذا الجزء من الأجزاء التي ظللنا نسردها، أم نؤجلها إلى بعد حين. وكان مصدر ترددنا هو أنَّ الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تزال مستعرة، حيث تزداد تداعياتها بين عشيَّة وضحاها، وليست هناك أيَّة بارقة أمل للفرج في الاتفاق السياسي عن قريب. فمثل هذا النمط من الكتابة لا يمثل التأريخ في شيء، بل تدويناً أو تقريراً لما يجري من أحداث على الأرض، ثمَّ إنَّ مثل هذا التدوين أو التقرير ليتعثر وضع خاتمته لأنَّ الأحداث ما تزال جارية، علاوة على أنَّها متغيرة بين الفينة وأخرى. هذا، فقد خرجت من رحم هذه الحروب الأهليَّة في السُّودان طبقة من الصفوة، والتي أخذت تتعاطف مع الحكام القتلة وتجد لهم المعاذير ليست في إرجاع الحال النفسية التي يعاني منها أولئك وهؤلاء إلى طفولتهم البائسة أو البيئة التي فيها نشأوا والمجتمع الذي فيه ترعرعوا وسبر أغوار حيواتهم، بل في “عفرتة” الضحايا وتخويفهم وتجريمهم. وهكذا شرع هؤلاء الذين ارتأوا أن يلبسوا الحق بالباطل، ويفسِّروا – بأسلوب موارب – ما يقوم به الحكام الطواغيت من نتائج قتلهم للبشر بأنَّه خارج إرادتهم. وإنَّ أكثر ما يصيبنا بالحزن الشديد والألم الأليم أن يقف بعض أبناء النُّوبة – قلَّ أو كثر – مع هذا النظام الظلوم الغاشم، ويتماهون معه لأهدافهم الأنانيَّة الخاصة، “فعجبي ممن يؤثر العوراء على العيناء!” وإنَّ شر البلية لفي أولئك النُّوبة الذين تخندقوا في حفرة واحدة مع النظام يقتلون ذويهم ويهلَّلون تكبيراً لاغتصاب أمهاتهم وإخواتهم وبناتهم، ويرقصون طرباً لحرق قراهم. إنَّ منحاهم هذا ليشي بشيء غليظ في “معركة الضمير”، التي تتطلَّب نصرة ضحايا البشير، والذين هم ليسوا بضحايا مناخ الحياة وتقلباته من إعصار وأمطار في المدن والأمصار، بل ضحايا مكائد وفتن ودسائس وحروب يفجِّرها زعيم قاتل، وكأنَّ لسان حالهم يقول كما أنشد الشاعر خلدون جاويد:
أنا بالحكومة والسياسة جاهل
عما يدور من المكائد غافل
لكنني هيهات أفْقَه كوننا
شعب يتامى جُلَّه وأرامل
في كل يوم فتنة ودسيسة
حرب يفجِّرها زعيم قاتل
على أيَّة حال، فالجدير بالذكرأنَّه قبيل الشروع في العدائيات وإعادة إنتاج الأزمة في ولاية جنوب كردفان – أو بالأحرى قبل إجراء الانتخابات التكميليَّة في الولاية إياها – تقدَّم الوالي أحمد محمد هارون بمقترح إلى القيادة السياسيَّة للمؤتمر الوطني بالخرطوم لحل الأزمة السياسيَّة في الولاية. فماذا جاء به المقترح “الهاروني”؟ وماذا كانت نتيجته في نهاية الأمر؟ اقترح مولانا هارون للحكومة وحزبها الحاكم المتحكِّم – المؤتمر الوطني – بأن تتم إعادة تقسيم ولاية جنوب كردفان كما كانت الحال قبيل اتفاقيَّة السلام الشامل العام 2005م، بحيث يصبح هو والياً لولاية غرب كردفان، بينما يصبح اللواء عبد العزيز آدم الحلو والياً لولاية جنوب كردفان، ثم يُعاد النظر في مسألة تمثيل أبناء النُّوبة في الوظائف الدستوريَّة والتنفيذيَّة والتشريعيَّة في المركز، وكذلك التمثيل البرلماني في الولايتين. إلا أنَّ قادة المؤتمر الوطني استأسدوا بخيلائهم وتجبرهم ورفضوا هذا المقترح. فمن يدري ربما قبلت الحركة الشعبيّة بهذا المشروع، حتى وإن استدعى الأمر الجلوس معاً مع المؤتمر الوطني وتعديل البروتوكول بما يتماشى مع المستجدات وضروريات المرحلة. وما أن استعرت الحرب لاحقاً حتى نسبت الصحف “الخرطوميَّة” هذا الاقتراح إلى الحكومة الأمريكيَّة، مما اضطرت سفارتها في الخرطوم إلى نفيها نفياً باتاً.
مهما يكن من شيء، فلكل حرب طابعها وتداعياتها، ولكن قبل كل شيء دعنا نخوض فيما وراء أعمال العنف التي صاحبت الحرب في جنوب كردفان. فماذا جرى إذن؟ تجدر الإشارة هنا إلى أنَّه في يوم 24 أيار (مايو) 2011م قرَّرت الحكومة السُّودانيَّة تجريد قوات الجيش الشعبي في ولاية جنوب كردفان والسيطرة على منطقة أبيي المتنازعة عليها بينها وبين الحركة الشعبيَّة، وذلك بدعم من الميليشيات الجنوبيَّة التي سلَّحتها وموَّلتها تحت زعامة بيتر قاديت. ومن ثم تكتمل عملية زعزعة الجنوب، حتى لا يعترف المجتمع الدولي باستقلال جنوب السُّودان الذي بات وشيكاً تحت دعاوي عدم الاستقرار وصعوبة إعلان الاستقلال، وكذلك لكي يتم الضغط على الجنوب للمساومة في حصص البترول، والسيطرة على منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وفي الفاتح من حزيران (يونيو) 2011م اجتمع سفراء الدول الغربيَّة – أي سفراء الدول التي رعت اتفاقية السلام الشامل العام 2005م، وهي هولندا وبريطانيا والنرويج والولايات المتحدة – مع مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع، وعملوا بتؤدة لإقناع قادة المؤتمر الوطني بالاحتكام إلى العقل، وحذَّروا الحكومة السُّودانيَّة بأنَّ أيّة محاولة لتجريد قوات الجيش الشعبي في جنوب كردفان بالقوة العسكريَّة يعتبر خطأً إسترتيجياً فادحاً، وينبغي استخدام الوسائل السياسيَّة في هذا الصدد. وفي هذه الأثناء كانت الحكومة تخطط لاغتيال قيادات الحركة الشعبية في الولاية، وقد أدركت الأخيرة هذا المخطط الإجرامي غير القانوني، وانسحبت هذه القيادات إلى الجبال. وفي الآن نفسه أرسلت حكومة السُّودان قوات الشرطة وحرس الصيد لتجريد الجيش الشعبي من السلاح في مدينة كادقلي، والتي أمست القصبة التي قصمت ظهر البعير. فقد رأت الحركة ذلك مخالفة للاتفاق المبرم بينها وبين الحكومة السُّودانيَّة، والذي ينص على بقاء قوات الحركة في جنوب كردفان 90 يوماً بعد انقضاء الفترة الانتقاليَّة، وقد رفضت الفرقة 14 التابعة للقوات المشتركة أوامر التسريح ونزع السلاح بالقوة. كذلك كان ينبغي معالجة هذا الأمر الحساس بواسطة اللجنة العسكريَّة المشتركة حسب اللوائح والاتفاقات الأمنيَّة الموقعة بين الطرفين.
والمؤسف في الأمر أنَّ للسُّودان تأريخ تعيس وسجل دموي في مسألة تجريد القوات المسلحة من السلاح بالقوة العسكريَّة. ففي 18 آب (أغسطس) 1955م حاولت قيادة القوات المسلحة إجبار حامية توريت على إعادة الانتشار في شمال السًّودان، وكانت النتيجة – في ظل الاحتقان السياسي السائد يومئذٍ – انفجار الوضع الأمني والعسكري والسياسي في الجنوب لمدة 17 عاماً حسوماً حتى عاد الأمن إلى تلك الربوع من السًّودان بعد التوقيع على اتفاقيَّة أديس أبابا للسلام بين حكومة نميري من جهة، وحركة تحرير جنوب السّودان بقيادة جوزيف لاقو من جهة أخرى في آذار (مارس) 1972م. ثم جاءت محاولة تجريد كتيبتي بور وبيبور بقوة السلاح في أيار (مايو) 1983م. فهناك التاجر الخيِّر من أهل الشمال الذي كان يستجدي اللواء أبوقرون قائد القوات الحكومية في جوبا أنَّه على استعداد سداد متأخرات الجنود من الرواتب لئن كان الأمر كله متعلقاً بالرواتب، لأنَّ ما تنوون القيام به من عملايات عسكريَّة لسوف يكلف السُّودان ردحاً من الزمان. وها هو قائد التمرد السابق اللواء جوزيف لاقو يتوسل إلى الرئيس نميري بأنّ أيَّة محاولة لاستخدام القوة لإعادة الأمور إلى بداياتها أو تجريد الجنود في بور وبيبور من السلاح لسوف تأتي بنتائج عكسيَّة ولسوف لا تُحمد عقباها.(53) حيال هذا المأزق، اشتعل التمرد منذئذٍ حتى لحظة التوقيع على اتفاقيَّة السلام الشامل بين حكومة السُّودان من ناحية، والحركة الشعبيَّة من ناحية أخرى في كانون الثاني (يناير) 2005م. إذ لم ينته الأمر بالإجراءات الانتقالية التي تضمَّنتها الاتفاقيَّة، بل تجاوزتها إلى انفصال جنوب السُّودان. ومع ذلك، لم يتعلَّم أهل الحكم في الخرطوم الدروس، ولم يعوا العبر.
فلا شك في أنَّ حرب العصابات وفي جبال وعرة تعد من أعقد العدائيات التي يمكن أن تواجه أي جيش نظامي. ففي تجربة مماثلة في العثرات التي واجهها السوفيت في أفغانستان (1979-1989م) والحلفاء في حلف “الناتو” الآن من 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2001م، دعونا نحكي لكم حكوة، وذلك لأنَّ الأخطاء متكررة. فما هي الدروس الموجودة هناك لنعيها عن التجربة السوفيتية في أفغانستان؟ ولماذا أخفقت الحلفاء العام 2001م في أخذ الحيطة والحذر من الغزو السوفيتي – أو بالأحرى لنقل التدخل السوفيتي – الفاشل في هذه الدولة؟ ولِمَ أخفق السوفيت في تعلُّم الدروس والعبر من المغامرة الفاشلة التي قامت بها الملكة فيكتوريا (ملكة بريطانيا العظمى) هي الأخرى ضد هذه الدولة – والتي ينعتها البعض ب”مقبرة الإمبراطوريات” – في القرن التاسع عشر من الميلاد؟ أيَّاً كان الأمر، ففي أوائل الثمانينيَّات من القرن المنصرم، وحين أشار مساعد وزير الخارجية السوفيتي لرئيسه، أندريه غروميكو، إلى الثلاث غزوات التي قامت بها الإمبراطوريَّة البريطانيَّة، وكانت كلها خسيرة، طفق غروميكو متسائلاً: “أأنت تقارن قواتنا العالمويَّة بتلك الإمبرياليَّة البريطانيَّة؟” فردّ مساعده: “كلا ياسيدي، بالطبع لا، ولكن الجبال ظلت كما هي!”(54) هذه هي الحال الأفغانية، فما بال حالنا في السُّودان! فلعلّ قد فات على القادة العسكريين السُّودانيين، الذين درسوا العلوم العسكريَّة في الكلية الحربيَّة بوادي سيدنا، وبُعثوا لدورات تدريبيَّة وكورسات عسكريَّة في دول أجنبيَّة، وعكفوا على تعلُّم المقررات العسكرية وتجارب حروب العصابات الطويلة في السُّودان منذ العام 1955م وفي مناطق أخرى من العالم، وخاضوا حرباً أهلية ضد الثوار من أبناء النُّوبة (1983-2005م)، فات عليهم أنَّ جبال النُّوبة ظلَّت كما هي ولن تبارح مكانها شبراً.
على أيَّة حال، فما أن تمترس كل فريق على قمة إحدى السلاسل الجبليَّة المحيطة بمدينة كادقلي بعث عبد العزيز الحلو برئيس اللجنة الأمنية بالولاية – العقيد تاو كانجلا – إلى مولانا هارون طالباً منه محاولة البحث عن مخرج سياسي للأزمة التي على وشك الانفجار. وقد قدَّم العقيد تاو لهارون الهاتف النقال وكان على الاتجاه الآخر من الخط الفريق الحلو، فما كان من أفراد الأمن الذين كانوا حوله إلا أن نزعوا الهاتف منه حتى لا يتحادث مع الحلو لإيجاد مخرج سلمي للأزمة.
مهما يكن من أمر، ففي يوم 5 حزيران (يونيو) 2011م نشب شجار بين أفراد في الجيش الشعبي لتحرير السُّودان وبين منسوبي القوات المسلحة السُّودانية في منطقة برام في جبال النُّوبة إثر نزاع حول أحد جنود الحكومة الذي فر إلى معسكر الجيش الشعبي وطلبت منهم القوات الحكومية تسليمهم الجندي الهارب المستغيث، وحينما رفض الأخير ذلك، أدى الأمر إلى تبادل النيران وتجريد أفراد القوات المسلحة من أسلحتهم. وانطلاقاً من أحداث أم دورين، وفي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر السياسي والأمني انجرفت الأمور في مدينة كادقلي في يوم 5 حزيران (يونيو) 2011م إلى هاوية سحيقة. ففي نهار ذلك اليوم جاء وفد من الحركة الشعبيَّة بقيادة رئيس جمهوريَّة جنوب إفريقيا السابق (ثابو أمبيكي) وممثل الآمم المتحدة بالسُّودان والقائدان مالك عقار وياسر عرمان لمقابلة القائد عبد العزيز الحلو والحكومة في كادقلي، حيث أمنوا على تسوية النِّزاع سلمياً وإعداد ترتيبات أمنيَّة جديدة، ومن ثم أقلعت طائرة الوفد وعاد المودِّعون من قادة الجيش الشعبي ووزراء الحركة راجعين بما فيهم القائد رمضان حسن نمر. وفي هذه الأثناء جاء الوالي أحمد محمد هارون من الخرطوم، وطلب اجتماعاً مع نائبه عبد العزيز آدم الحلو في مقر قيادة الجيش في كادقلي. إذ أرسل الأخير وفد المقدمة ممثلاً في العميد مهنا بشير (قائد بالقوات المشتركة عن الجيش الشعبي وأحد القادة العاملين في بعثة الأمم المتحدة في ترتيبات وقف إطلاق النار) ويعقوب كالوكا، حيث تم اعتقالهما. ومن هنا يمكن في وسع المرء أن يدهش أول الأمر عم جاء به أحمد هارون من مجرمي الخرطوم من ثنايا تعليمات وخفاياها وألعابها؟ وإذا كان الأمر كذلك بالقائدين أيَّاهما، فماذا كان يمكن أن يكون الأمر مع القائد الحلو؟
على أيٍّ، ففي هذا الحين فتحت القوات الحكوميَّة نيرانها على منازل قادة الحركة الشعبيَّة ووزرائها، بما فيهم منزل نائب الوالي – عبد العزيز آدم الحلو – وتدميرها تدميراً كاملاً، واقتياد أعضاء الحركة خصوصاً والنُّوبة عموماً إلى المعتقلات، وقتل بعضهم أمام ذويهم، ونهب ممتلكاتهم بعد أن انفرط عقد الأمن والاستقرار. تلك هي الحرب، التي استعدت لها الحكومة استعدادها وأخرجت من آلاتها العسكريَّة أثقالها، حتى أشعلتها حرباً شعواءاً لا هوادة فيها، وبات العسكريُّون يطلقون عليها اسم “حرب عمر حسن (أحمد البشير)”؛ فلم يكن هناك مبرر أصلاً لإشعال هذه الحرب، فالجيش الشعبي لم يستخدم سلاحه حتى عندما زوّر المؤتمر الوطني انتخابات الولاية التكميليَّة، ومع ذلك، كان على استعداد للتفاوض من أجل ترتيبات أمنيَّة جديدة، ولكن وزير الدفاع اللواء ركن عبد الرحيم محمد حسين والرئيس عمر البشير ضغطا لأجل تجريد الجيش الشعبي من السلاح دون حساب ميزان القوى والعواقب المترتبة، كما قال العسكريُّون، وكل ذلك لأنَّ عبد الرحيم حسين أقنع عمر البشير بأنَّ الأمر لم يستغرق أكثر من أسبوعين، كما قال من قبل تجاه كارثة دارفور.(55)
ومن بعد، جاء إعلام الحكومة قائلاً للناس بأنَّ الحركة الشعبيَّة هي التي بدأت بالحرب. ما لهم كيف يكذبون! ولكن قد أبنا لكم بالأدلة الدامغة والأفعال الثابتة التي أقدمت عليها حكومة المؤتمر الوطني، وذلك بعد أن استشارت وزارة الدفاع في عمليَّة نزع السلاح من مقاتلي الجيش الشعبي في جنوب كردفان، ووصت الوزارة بأنَّ العملية لسوف لا تستغرق برمتها أكثر من أسبوعين. فماذا يوضِّح كل هذا؟ لا جدال في أنَّ حكومة الإنقاذ دوماً تسعى لاختلاق النزاعات والمشكلات الأمنيَّة، وبعدئذٍ تحاول التعامل معها بطريقتها المألوفة من تشريد للآلاف من المواطنين الأبرياء من ديارهم، وافتعال المجاعات، وقتل المواطنين العزل من النساء والأطفال والكهول دون ذنب ارتكبوه، وتجييش الشباب، بل المجتمع السُّوداني كله، وحضهم على الجهاد، وتبشيرهم بما أعد الله لهم ولأهليهم من جزيل الثواب عنده، وجميل المآب لديه، وما ادخر للمرابطين والشهداء منهم، وما وعدهم به من جنات الفردوس خالديدن فيها أبداً، حيث الحور الحسان. وكان لهذا التفسير الروحاني مثابة للناس للموت الدنيوي أثراً فعولاً في نفوس الفتيان، الذين انساقوا إلى محرقة الموت أسراباً وهم لا يعون، مما أطال الحرب الأهلية الثانية (1983-2005م) وضاعف عواقبها الوخيمة. وبعد هذا الموت الزؤام “أما يكفيكم عدد الشهداء واستصحابهم “السبعيني لذويهم” والذين تحوَّلوا “إلى فطاطيس” في نظر العراب (الدكتور حسن عبد الله الترابي) بعد المفاصلة (العام 1999م)!”(56) وتكراراً لما حدث في الماضي القريب، حشدت الحكومة مواردها البشريَّة والماديَّة للجهد الحربي في مانشيتات الصحف وشاشات التلفزيون والراديو والاستدعاءات العقابيَّة والدعوات الجهاديَّة، وكل العبارات الرسميَّة الواصفة والمواصفات الموصوفة المبثوثة هنا وهناك بلا استثناء.
فكيف ظن أهل الحكم في الخرطوم أنَّ النُّوبة ليسوا بقادرين على فعل شيء يذكر حين تُسرق منهم الانتخابات؟! وكيف حسب النظام أنَّ النُّوبة لسوف يرتضون بتزوير الانتخابات لصالح غريمهم السياسي – المؤتمر الوطني – وحرمانهم من ممارسة حقوقهم المشروعة في المشورة الشعبيَّة؛ هذا الحق الذي نالوه بالدماء والأرواح؟! وكيف فكَّر وقدَّر أهل الحل والعقد أنَّ النُّوبة لسوف لا يفعلون شيئاً حين يؤمرون بوضع السلاح خلافاً للإجراءات المتفقة عليها في اتفاقية السَّلام الشامل للعام 2005م، وقبل حلول الموعد المضروب كما نصَّت عليه الاتفاقيَّة ب90 يوماً بعد انقضاء الفترة الانتقاليَّة؟! فحين نتأمل في قرار الحرب التي أشعلتها حكومة المؤتمر الوطني، ونديم النظر في هذا القرار، ندرك انَّ ثمة شيئاً نتناً يكمن في عقليَّة أهل المؤتمر الوطني. فماذا يمكن أن يضيرهم لو فازت الحركة الشعبيَّة بمنصب والي الولاية وأغلبيَّة مقاعد البرلمان الولائي في جنوب كردفان؟ لم يكن يضير ذلك الفوز المحتمل بشيء بالقياس إلى مصلحة البلد ككل، لأنَّ المؤتمر الوطني كان قد حاز على أغلبيَّة “بالتزوير” ساحقة في المجلس الوطني القومي (أي السلطة التشريعيَّة)، وامتلك هؤلاء القوم ناصية السلطة التنفيذيَّة والقضائيَّة والجيش والشرطة والأمن والإعلام والاقتصاد وهلمجراً. إذن، فإنَّ فوز الحركة الشعبيَّة لم يكن باستطاعته الانتقاص من نفوذهم السياسي والاقتصادي والأمني قيد أنملة على مستوى الدولة ككل، لكنهم – ومع ذلك – أفسحوا المجال للجشع ليتخذ سبيله إليهم، وأشبعوا رغباتهم الدمويَّة في جعل أبناء السُّودان يقتلون بعضهم بعضاً. أما إذا ارتأوا أنَّ فوز الحركة الشعبيَّة بمنصب الوالي وأغلبيَّة مقاعد المجلس الولائي قد يؤدي إلى اختلال ميزان المشورة الشعبيَّة، التي لسوف تحدِّد مستقبل الولاية الإداري والسياسي، إلا أنَّه كان محدوداً في إطار السُّودان الموحَّد، كما أنَّه لم يكن للولاية حكم ذاتي ذو صلاحيات اقتصاديَّة وسياسيَّة عالية حتى تنفرد بدخول البترول وبعض الموارد الاقتصاديَّة الأخرى. إذن قرار الحكومة “الإنقاذيَّة” باتخاذ الحرب وسيلة لحل النِّزاع كان بحثاً عن المشكلات. فإذا كان بعض من الدول قد بلغ قدراً من الحظ، واستطاع أن يمتلك المقدرة على المضي إلى الأمام، حتى أمست الحروب جزءاً من تأريخها، وباتت العدائيات تنحو وراءاً إلى الماضي، إلا السُّودان.
برغم مما هو باين للعيان والسمعان ذهب بعض الناس قولاً بأنَّ الحركة الشعبيَّة في جبال النُّوبة لم تنحاز إلى جانب التفاوض السلمي لتجاوز القضايا موضوع الخلاف، واختار الخيار العسكري لحسم الموقف. هذا قول مردود لأنّه ابتُني على جرف هاو؛ فالحركة فاوضت المؤتمر الوطني حتى فاضت جهودها في المفاوضات، وصابرت حتى أعياها الاصطبار، ولم تترك حجراً حتى قلبته بحثاً عن مخرج سياسي للقضايا مثار الخلاف. أفلم يصرح رئيس الجمهوريَّة عمر البشير في زيارته إلى مدينة المجلد ونيران الانتخابات مستعرة بأنَّ المؤتمر الوطني إذا أخفق في الفوز في الانتخابات التكميليَّة في ولاية جنوب كردفان عن طرق صناديق الاقتراع سوف يأخذها بواسطة صناديق الذخيرة، وإنّه لسوف يحارب النُّوبة “جبل جبل” و”زقاق زقاق”! هذه هي لغة السلاطين العاجزة عن مواجهة حقائق الواقع بالسياسة والمحاورة. فالحرب “جبل جبل” يعني إعلان الحرب عليهم في جبال النُّوبة؛ أما “زقاق زقاق” فهذا يعني ضمنياً مطاردتهم في أزقة المدن وحاراتها سواء في الخرطوم أم كادقلي أم أيَّة مدينة أخرى. فما حملات الاعتقالات والمطاردات في الخرطوم، وأعمال القمع البادية للعيان، لأبناء الهامش إلا تنفيذاً لهذه السياسة الرئاسيَّة العنصريَّة البغيضة، والتي هي سمة كل الحكومات “الخرطوميَّة” منذ إعلان قوانين إيلول (سبتمبر) 1983م بواسطة الرئيس الراحل جعفر محمد نميري (1969-1985م).
وما أن اشتعلت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق واشتد أوارها وعلا أزيمها، حتى خرج علينا بعض الصائحين بأقوال في صحيفة موالية لأهل الحكم في الخرطوم ملخصها بأنَّ “سلفاكير يقود الحرب في هذه المناطق من جوبا.” والغريب المدهش في الأمر أنَّ أصحاب هذه التصريحات الملتاعة بعض أبناء النُّوبة الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم، وانساقوا وراء أهداف أنانيَّة آنيَّة. لو كان يتقن أولئك وهؤلاء العمل السياسي جيَّداً لما انزلقوا في لعبة الانتهازيَّة الرخيصة، حفاظاً على مواقعهم وهيبتهم وكرامتهم إن بقي لهم من هذه الصفات من شيء.
وفي غمرة تزاحم أخبار الانتهاكات الإنسانيَّة، وتصاعد وتيرتها، وانتشار مشاهد القتل والعنف بحق مدنيين عزل، غدت – وللأسف الشديد – المآسي الإنسانيَّة من الأنباء اليوميَّة في كل بيت. وفي حين أنَّ قبضة الطاغية في الخرطوم لم ترتخ بعد، أصبح الشعب السُّوداني على وجه العموم والنُّوبوي على وجه الخصوص لا يستطيب السرديات المضحكة المبكية عن المؤامرة والخونة ودور الصهيونيَّة، وغير ذلك من مصطلحات التخوين التي تعكس المستوى السحيق، الذي انحدر إليه من يطلقها والحال الجنونيَّة التي هو فيها. فالتخوين والتحقير لمجرد الرأي، والعقلية الإرهابيَّة التي تمارس على كل رأي مخالف لم تجد من الأمر شيئاً. وكما الحال في مشاهد النزوح في شمال السُّودان واللجوء إلى دولة جنوب السُّودان – باعتبار ما يكون بعد شهر من الحدث المأساة – بدأ المشهد السياسي والأمني قاسياً إلى أبعد مدى، برغم من طبيعة المنطقة الخلابة في موسم الخريف: أطفال ونساء وشيوخ هائمون على وجوههم فروا من وطنهم إلى المجهول. وهل ثمة ما هو أقسى بالمعنى الموجودي من تلك المفردة اللغوية، ولا سيما وقد تركوا وراءهم ذكرياتهم بحلوها ومرها، وحملوا معهم ذكرياتهم الطازجة عن أساليب القتل والتعذيب التي مُورست في حقهم. فقد شرعت القوات المسلحة السُّودانيَّة في قصف القرى وحصارها والاعتقال والتنكيل بالمواطنين الموالين للحركة الشعبية وممارسة أعنف صنوف الملاحقة والتوقيف الاعتباطي، وغيرها من أعمال انتقامية لا أخلاقيَّة وغير قانونيَّة حيال الطرف الآخر، حتى تقيَّأت الحكومة العنصريَّة البغيضة في استيلاد الذعر والتوجس ضد الأغيار (ملحق رقم (11)). علاوة على ذلك، فقد استخدم النظام أسلحة كيميائيَّة، مما أصيب 42 من أفراد قواته وضابطين ب”إصابات بالغة بعد الخلل الذي حدث في تعاملهم مع (هذا السلاح) بمعسكرهم بمدينة الدلنج، ونقل المصابين على أثرها إلى مستشفى الأبيض، وبعد تأخر حالتهم حُولوا إلى مستشفى السلاح الطبي بأم درمان (ملحق رقم (12)).” وفي تلك الأثناء نزح حوالي مئتي ألف مواطن نوبوي إلى مخيمات منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وفر آخرون إلى الولايات المجاورة، وتحولَّت مدينة كادقلي إلى مدينة أشباح بعد فرار مواطنيها واستمرار عمليات السَّلب والنَّهب ونشاط قناصة، وتدهور الأوضاع الإنسانيَّة، حيث بات النازحون يعيشون في ظروف سيئة في مخيم في شمال المدينة. وكذلك امتدّت المواجهات إلى مناطق أخرى في الدلنج وسلارا وأبو جبيهة ودلامي وهيبان.(57)
وعند بداية الأحدث المأسويَّة هذه تأثَّر حوالي 1,4 مليون شخص بأعمال العنف في جنوب كردفان، في الحين الذي رفضت الحكومة السُّودانيَّة السماح للمنظمات الإنسانيَّة بالدخول إلى المنطقة لإنقاذ حياة المواطنين الذين باتوا يعانون من الجوع والعطش والعلاج من الجروح التي سببتها القذائف الحكوميَّة وحملات القصف الجوي، ونزوح أكثر من 400000 من ديارهم، وقتل واختفاء حوالي 3000 شخص، حيث شهد أحد العاملين في بعثة الأمم المتحدة في جنوب كردفان بأنَّه شاهد حوالي 150 جثة لأبناء النُّوبة في برك من الدماء في أحد حاميات الجيش السُّوداني في كادقلي. وكذلك أوردت صحيفة “الأوبزيرفر” البيريطانيَّة الأسبوعيَّة أنَّها علمت من مصدر موثوق به، وليس له صلة بالحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، أنَّه تم اعتقال 410 من المتعاطفين مع الحركة الشعبيَّة، وأُعدموا في يوم 10 حزيران (يونيو) 2011م تنفيذاً لأوامر أحد كبار الضباط العسكريين الأربعة الذين أُرسلوا من الخرطوم إلى جنوب كردفان عند بداية الحرب في الولاية.(58)
فقد ذكرت منظمة “كفاية”، التي ترصد أعمال العنف في السُّودان، أنَّ عدداً من شهود العيان الموثوق بهم، أبلغوا المنظمة بأنَّ أفراداً من قوات الاحتياط بالشرطة المركزيَّة السُّودانيَّة شاركوا في خطف وقتل مدنيين بلا مأوى، بالقرب من مقر لقوات حفظ السلام الدوليَّة في بلدة كادقلي. واعتبر جوناثان هيوستن مدير الإعلام في المنظمة ذلك فشلاً من قوات الأمم المتحدة التي كان يجب أن تقوم بمهمتها في وقف هذه الأعمال وحماية المدنيين. وقالت المنظمة إنَّ لديها أدلة مدعَّمة بصور من الأقمار الاصطناعية تثبت بأنَّ عمليات القتل وقعت بجوار مناطق تنتشر فيها جنود قوات حفظ السلام.
ففي المذكرة التي رفعتها نساء وأطفال جنوب كردفان إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والإفريقي ورؤساء حكومات غربيَّة وإفريقيَّة، والإيقاد ولجنتي الوساطة الإفريقيَّة وحكماء إفريقيا اتضح أنَّ “سياسة المؤتمر الوطني القاضية بإبادة شعب النُّوبة وجدت المساندة والتأييد والتنفيذ المشترك من قبل البعثة المصرية (التابعة لقوات الأمم المتحدة في السُّودان)، حيث أنَّ المؤتمر الوطني استطاع أن يستقطب البعثة المصرية بدعاوي العروبة والإسلام فأصبحت كإحدى القوات التي تأتمر بأمر المطلوب للعدالة الدولية عمر البشير ضاربة بعرض الحائط المهمة الإنسانية الموكلة إليها من قبل الأمم المتحدة (ملحق رقم (13)).” وقد أجبرت السلطات في ولاية جنوب كردفان المواطنين الذين احتموا بمعسكر بعثة الأمم المتحدة بشمال كادقلي طلباً للحماية، أُجبروا على العودة إلى منازلهم. وفي طريق عودتهم كانت قوات الحكومة تهاجمهم من جهة، وأفراد جهاز الأمن والاستخبارات العسكريَّة تضايقهم من جهة أخرى، وقوات الاحتياط المركزي والدفاع الشعبي تتحرَّش بهم من جهة ثالثة، وتعتقل بعضاً منهم وتقتادهم إلى السجون أو أماكن التصفيات والإعدامات خارج نطاق القضاء (ملحق رقم 14)). وبالطبع كان هناك عدد من العملاء القدامى والجدد، الذين شاركوا في إدلال قوات الأمن إلى بيوتهم لنهبها ومن ثمَّ تمديرها (ملحق رقم (15)).
وفي حزيران (يونيو) 2011م نشرت بعثة الأمم المتحدة في السُّودان تقريرها عن أوضاع حقوق الإنسان خلال فترة العنف في جنوب كردفان. وأشار التقرير – فيما أشار – إلى أنَّ سلوك القوات المسلحة السُّودانيَّة كان منافياً للطبيعة. فبدلاً من التفريق بين المدنيين والمحاربين ومن ثمَّ توجيه عملياتها العسكريَّة ضد الأهداف العسكريَّة، إلا أنَّ القوات المسلحة السُّودانيَّة والميليشيات المدعومة من قبل الدولة استهدفت أعضاء وأنصار الحركة الشعبيَّة، الذين كان جلهم من النُّوبة أو أي شخص ذي بشرة سوداء. وكذلك تحدَّث التقرير عن تجاوزات حقوق الإنسان، والقصف الجوي، وتدمير الممتلكات، والنزوح القسري، وفقدان عدد كبير من أرواح المواطنين، أغلبهم من النساء والأطفال والكهول، وشيوع عمليات الاختطاف، والبحث من منزل إلى آخر عن أعضاء الحركة الشعبيَّة، والاعتقالات العشوائيَّة، والإعدامات المستهدفة، والقتل خارج نطاق القضاء، ووجود مقابر جماعيَّة، وتدمير منظم للمساكن، وهجمات على الكنائس. ومضى التقرير معدداً الانتهاكات بواسطة القوات المسلحة وميليشياتها وقوات جهاز الأمن وارتكابها أعمال عنف غير قانونيَّة ضد بعثة الأمم المتحدة في السُّودان، وذلك في نقض بواح للمعاهدات الدوليَّة، وإعدام عامل سوداني يعمل في بعثة الأمم المتحدة خارج نطاق القضاء، وهجمات على أعضاء الأمم المتحدة، واعتقال عاملين بالبعثة، وتعذيبهم والتحرُّش بهم وتخويفهم، وتقييد حريَّة الحركة. وخلص التقرير إلى القول بأنَّ على المجتمع الدولي أن يحمِّل الحكومة السُّودانيَّة المسؤوليَّة، وأكَّد على أنَّه ينبغي القبض على الأشخاص المسؤولين عن هذه التجاوزات في حقوق الإنسان، وتقديمهم للعدالة. وكذلك دعا التقرير إلى القيام بأعمال تصحيحيَّة لتقليل الأذى، وإزالة محنة الضحايا، والبحث عن تسوية سياسيَّة بين حكومة السُّودان وأهل جبال النُّوبة، والتحقيق المستقل الشامل في انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الإنسانيَّة الدوليَّة في جنوب كردفان بهدف تقديم الذين يتحمَّلون المسؤوليَّة الكبرى للعدالة، بما في ذلك – وكما يتناسب مع الأمر – اللجوء إلى المدعي العام لمحكمة الجزاء الدوليَّة.(59)
وحسبما ورد في الصور التي التقطها مشروع (خفير أو حارس) للقمر الصناعي للممثل الأمريكي جورج كلوني وتقارير أربعة شهود عيان أصبحت مدينة كادقلي مسرحاً لمقابر جماعية. وكانت القوات الحكومية والميليشيات المدعومة بواسطة الجيش يدخلون المنازل بحثاً عن أعضاء الحركة الشعبية لقتلهم. إذ يحكي شاهد عيان أنّه رأى عسكر الحكومة يبطحون أحد المدنيين أرضاً بينما قام أحد أفراده بقطه حنجرته ذبحاً كالخراف. وأضاف ذلكم الشاهد بأنَّه رأى وسمع جند الحكومة يغلقون أبواب المنازل في تلو بكادقلي ويشعلون عليها النيران، بما فيها من المواطنين المدنيين العزل. وكذلك يقول شهود عيان أنَّهم رأوا مركبات كبيرة خضراء تابعة للجيش، وهي تنقل الجثث في ذهابها وإيابها من منطقة السوق في كادقلي والقردود وقرى تلو قي كادقلي في ذلك الحين من الزمان. وكانت عسكرتارية الحكومة تمنع الناس من الاقتراب نحو المواقع التي فيها ألقوا الجثث، التي قُدِّر عددها بحوالي 100 جثة أو أكثر في يوم 8 حزيران (يونيو) 2011م. وقد استمرت هذه الحملات ضد أنصار الحركة الشعبيَّة من أبناء النُّوبة منذ يوم 5-6 حزيران (يونيو) حتى 10 حزيران (يونيو). ويقول شاهد عيان آخر بأنَّ القوات المسلحة السودانيَّة والشرطة أخذت بعض المواطنين وقتلتهم أمام منازلهم بالقرب من مباني الكنيسة الأسقفيَّة السُّودانيَّة في يومي 6-7 حزيران (يونيو)، وفي يومي 7-8 حزيران (يونيو) رأى ذلك الشاهد ناقلات ميتسوبيتشي تلتقط جثثاً جنوبي بيت الضيافة بالكنيسة الأسقفيَّة بكادقلي.(60) بالتعاون مع جون بريندرغاست، كان الهدف الأساس من مشروع القمر الصناعي الخفير (Satellite Sentinel Project – SSP) في باديء الأمر هو جمع الأدلة التي يمكن استخدامها في المستقبل لمحاكمة القادة السُّودانيين في ارتكاب جرائم حرب. ولكن باتت الصور دقيقة بحيث يمكن استخدامها أيضاً لتقصي الحقائق حول مزاعم المجازر البشريَّة، ووجود المقابر الجماعيَّة. لذلك استطاع هذا القمر الصناعي من الجو تحديد مكان المقابر الجماعيَّة في مدينة كادقلي، والتقطت صوراً حيَّة لجثث مدفونة في مقابر محتفرة حديثاً في مكان آخر من المدينة إيَّاها، ونجح في تصوير الجنود وهم يحاصرون المدن والقرى، ثمَّ إنَّه صوَّر طائرة الأنتونوف في الجو، والتي يستخدمها سلاح الطيران السُّوداني، وهي تسقط القنابل على الأهداف المدنيَّة. وفي أيلول (ديسمبر) 2011م، ومن خلال تحليل صورهم استطاع القائمون بأمر هذا المشروع كشف ما بدا بأنَّه هجوم وشيك على مدينة الكرمك في ولاية النيل الأزرق بواسطة قوة مسلحة من الجيش الحكومي، وكان قوامها 3000 جنديَّاً، ومعدة بالدبابات والمدفعيَّة وطائرات الهليوكوبتر. وحذَّر أصحاب المشروع المواطنين من هذا الهجوم الوشيك، مما أعطى المدنيين فرصة للهروب.(61)
وكجماعة إنسانيَّة تعمل على بعد آلاف الأميال من موقع الأزمة، يعتبر هذا المشروع أرضيَّة جديدة. إذ نجد أنَّه قد غيَّر فكرة ماذا تعني التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان. وقد أضحى الأمر لا يعني كثيراً مجرَّد الوقوف عند حافة المقابر والتقاط الصُّور، بل ينبغي عمل شيء ما، وهذا العمل يتطلَّب اتخاذ موقف فعلي.
ومع ذلك، فإنَّ التجاوزات التي وقعت في كادقلي كانت ذات ملامح عدة. ففي جانب منها، حدثت في مدينة يقطنها مواطنون مدنيُّون لا حول ولا قوة لهم بالنزاع الذي نشب بين القوات الحكوميَّة من جهة، والجيش الشعبي من جهة أخرى. وفي جانب آخر، نحن نعلم أنَّ كادقلي كعاصمة للولاية ومركز حاكم الولاية ومهد السلطات العسكريَّة والأمنيَّة والقضائيَّة والتنفيذيَّة التي في يده يعني أنَّه هو المسؤول المباشر عن هذه التجاوزات الإنسانيَّة المرعبة. ومن جانب ثالث، أظهرت هذه الأحداث الوجه العنصري الكالح للنظام، حيث اتضح ذلك جليَّاً في الاستهداف العرقي لأثنية النُّوبة. كما أنَّ تدمير منازل النُّوبة وحرق ممتلكاتهم هو سياسة قُصد منها محاربة النُّوبة اقتصاديَّاً، حتى ينزحوا من ديارهم هائمين يقتاتون الثمار البري وأوراق الشجر في الأحراش، أو يمسوا فقراء نزلاء أطراف وضواحي المدائن التي لسوف ينزحون إليها. وفيما يلي نجد القائمة الأوليَّة بأسماء الضحايا من أبناء النُّوبة وجنوب كردفان الذين تمَّت تصفيتهم من قبل نظام المؤتمر الوطني في كادقلي في الأيام الأولى من الأحداث:
(1) كوكو تركاش (سائق)، حي كليمو، وُجِد مقتولاً بالقرب من منزله.
(2) رزق الله (صاحب متجر)، حي كليمو، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(3) فضل جمعة أسو (سائق)، حي كليمو، تمَّ قتله بواسطة قوات الجيش السوداني.
(4) حامد الغزالي (أعمال حرة)، حي كليمو، تمَّت تصفيته بواسطة الاستخبارات العسكريَّة.
(5) بروجي محمد الحبيب (أعمال حرة)، حي كليمو، تمَّ قتله ثم حرقه داخل منزله بواسطة ميليشيات المؤتمر الوطني.
(6) النسيم (مرشحة الحركة الشعبية للمجلس التشريعي)، حي أم بطاح، تمَّ اعتقالها بواسطة الاستخبارات العسكريَّة.
(7) محمد عريس (أعمال حرة)، حي السمة، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(8) الفاتح كارلوس، حي حجر المك.
(9) عبد الرحمن فلتي (موظف في وزارة الحكم المحلي)، حي البان جديد، تمَّت تصفيته بواسطة الاستخبارات العسكريَّة.
(10) شريف عبد التام (مساعد طبي بمستشفى كادقلي)، حي أم بطاح، تمَّت تصفيته بواسطة الاستخبارات العسكريَّة.
(11) جمعة تية (موظف سابق بمنظمة إيفاد)، حي كليمو، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(12) نميرى فليب (موظف ببعثة الأمم المتحدة)، تمَّ قتله بواسطة ميليشيات قوات الدفاع الشعبي.
(13) جمعة بحر (لجنة مراقبة وقف إطلاق النار ببعثة الأمم المتحدة)، تمَّ قتله بواسطة ميليشيات قوات الدفاع الشعبي.
(14) عبد الرحمن الباطل (أعمال حرة)، حى كليمو، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(15) عمر عبد الله (سائق) حي كليمو، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(16) سيف الدولة (من أبناء كواليب)، تمَّت تصفيته بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
(17) الطيب السر (إذاعة كادقلي)، حي مرتا، تمَّ قتله بواسطة قوات الاحتياط المركزي.
مهما يكن من شأن، فالنظام الذي يتزيَّد ويستكثر في فقدان مصداقيته بين عشيَّة وضحاها، وبخاصة حين يروي في أجهزة إعلامه عكس ما يرونه الناس بأعينهم، ويكشف عن سفور وجهه مع التصاعد الوحشي للقمع الذي وصل إلى حد القتل الجماعي، والدم النُّوبوي والأزرقي (نسبة إلى النيل الأزرق) والدارفوري المراق. ومنذ يوم اندلاع الأحداث في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أخذ النظام يؤكد على الدوام بأنَّها “مؤامرة أجنبيَّة ضد السُّودان” وسينتهي، أو سيتمكن من إنهائها! هذه هي الأساليب التقليديَّة التي عرفناها عن النظام في إدارة أزماته. والأسلوب ذاته يمعن في “إنكار الأزمة”، أو “تبخيس الأزمة”. وهذه الطريقة التقليديَّة للسيطرة على الأزمات تتبنَّاها الأنظمة الديكتاتوريَّة في العالم، أي الاعتراف بوجودها، ولكن تقليلها واعتبارها غير مهمة كماً وكيفاً. هكذا أمست الحكومة وليدة أفكار وممارسات لا أخلاقيَّة، طافحة بالشر الذي يتصوره البعض مقدساً، والقهر الذي يراه القليلون شرعاً، والخوف الذي يحسبونه إصلاحاً وتهذيباً. فالنظام تجاوز معالجة الأسباب السياسيَّة للمشكل واختار الحرب، وكانت وهذه المشاهد الفظيعة والقساوات الوحشيَّة التي “تجمدك حتى العظم” – بحسب قول المسرحي مارك – والتي تشي بتصوير مآلات التمييز العنصري، وترمز لاضطهاد النوع البشري ضمن النوع ذاته لمن يبدو غير منتم إليه، لا سيما حينما استبدت بقيادته نزعة شريرة وأخذوا يتوقون إلى مشاهدة جثث الضحايا، وسماع أصوات المكلومين، وذلك شيء غريب الغرابة كلها.
ثم من بعد، فهل نجا أبناء المهمَّشين في “قوات الشَّعب” المسلحة من التصفيات العرقيَّة؟ كلا! ففي يوم 15 حزيران (يونيو) 2011م قام جيش النظام بتصفية 92 من عناصره برتب مختلفة، وكلهم ينتمون للهامش السُّوداني، وبخاصة جبال النُّوبة وكردفان ودارفور وشرق السُّودان بتهمة الطابور الخامس والتجسس. وجاء الحادث نتيجة لحال الفشل الميداني والهزائم العسكريَّة التي مُني بها النظام في مسرح العمليات، وانشقاق الجيش وانضمام العديد منهم للثوار في الجيش الشعبي. هذا وكانت المجموعة التي اغتيلت بقيادة النقيب في القوات المسلحة الإمام النيل الإمام، وهو من أبناء كادقلي حي أم بطاح وينتمي لقبيلة الشوابنة، ولم تتمكن المصادر من التأكد إن كان في أعداد المقتولين أو تمكن من الهروب.
وفي يوم 4 كانون الأول (ديسمبر) 2011م – وفي تمام الساعة التاسعة مساءاً – أطلقت القوات الحكوميَّة صواريخ شهاب السامة الإيرانيَّة من قواعدها في مدينة كادقلي مستهدفة كاودا، مما أدت إلى جرح خمسة مواطنين. وفي اليوم التالي – وفي منتصف النهار – أطلقت هذه القوات الحكوميَّة صاروخين على قرية كريندي، حيث تسبب القصف في مقتل شخصين وجرح اثنين آخرين. وفي نفس اليوم – أي حوالي الساعة الرابعة مساءاً – أُطلِق صاروخان على مدينة برام، حيث لم تُسجَّل وفيات أو جرحى. وفى يوم 3 كانون الثاني (يناير) 2012م أطلقت القوات الحكوميَّة أربعة صواريخ على منطقة انقولو بمحليَّة البرام، وأدت إلى قتل امرأتين هما: سفريَّة كوكو تيار البالغة من العمر 30 عاماً وفلاتية كوكو جدول البالغة من العمر 18 عاماً، وجُرِحت امرأة واحدة بجروح خطيرة، وهى نجوى كوتي الفاتل البالغة من العمر 18 عاماً. ومواصلة لتنفيذ سياسة الاغتيالات والاعتقالات ضد قيادات وأعضاء الحركة الشعبيَّة من أبناء المسيريَّة، قامت أجهزة المؤتمر الوطني الأمنيَّة بولاية جنوب كردفان، وتحت الإشراف الشخصي من أحمد محمد هارون، باغتيال خير الله إسماعيل (رئيس الحركة الشعبيَّة بالدبب)، وذلك في يوم 15 أذار (مارس) 2012م وسط سوق المجلد، كما اعتقلت هذه الأجهزة كل من إسماعيل نياما، إبراهيم حامد موسى (من المجلد)، إبراهيم ماريق، وموسى وادي (من الميرم)، وتمَّ ترحيلهم إلى الخرطوم عبر بليلة. هذه الجرائم المنظمة من المؤتمر الوطني تأتي نتيجة لرفض أبناء المسيريَّة للدعوة التي أطلقها الرئيس عمر البشير للدفاع الشعبي لرفع التمام له بغرض المواصلة وبطريقة اعنف وأبشع في إبادة شعب النوبة من خلال دعوته للجهاد انطلاقاً من فتوى علماء المسلمين بالأبيض فى التسعينيَّات من القرن الماضي، والتي لم تلغ بعد. والجدير بالذكر فإنَّ أبناء المسيريَّة لهم واعون بمصالحهم وحقوقهم، ولا يمكن استغلالهم واستنزافهم للمرة الثانيَّة في حرب المستفيد الأول والأخير منها هو المركز الذي ظلمهم وظلم النُّوبة، بل كل الهامش السوداني قد ذاق مرارة هذا الظلم والاستبداد. وفي يوم 18 أذار (مارس) 2012م قامت طائرة تابعة لسلاح الجو السُّوداني من طراز الانتنوف الروسية الصنع بغارة جوية على قرية كلكدة بمحلية هيبان في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، وذلك بإسقاط 6 قنابل، مما أدت إلى مقتل المواطنة عائشة الشيخ الزنادي تاركة طفليها، بالإضافة إلى الخسائر في ممتلكات المواطنين والرعب الذي سببته للأطفال والنساء.
وفي يوم 23 نيسان (أبريل) 2012م، وفي تمام الساعة الواحدة والربع بتوقيت السُّودان المحلي، قام نظام المؤتمر الوطني عبر أجهزته الأمنيَّة بشن هجوم على سوق الاثنين في منطقة الدبكر، فاتحاً النيران بصورة عشوائيَّة على المتسوقين المدنيين، مما أدى إلى مقتل خمسة من المواطنين، وإصابة العديد منهم، واعتقال أربعة من أبناء منطقة الكاشا من داخل السوق دون أيَّة أسباب تذكر، وترحيلهم قسراً بعد عصب أعينهم إلى مقر جهاز الأمن بالدلنج، والمواطنين الذين تم اعتقالهم هم: علي عبد الله، جمعة حسن جماع، آدم محمد زكريا، وعوض سعد الله. وبغض النظر عن المشاعر والأعراف التقليديَّة والقيم الإنسانية، تمَّ اعتقال عدد من أبناء منطقة والي بمدينة الدلنج من قبل جهاز الأمن فى حفل زواج بمن فيهم العريس وعدد من النساء، وقد تعرَّضوا للتعذيب، مما أدى إلى شلل عدد منهم وهم: نمر علي دلدوم، يوسف حسن الكيد، حامد سليمان كوكو، أبكر منقاش، وصدام حسين كرتكيلا. وفي يوم 27 نيسان (أبريل) 2012م نفذ سلاح الجو السُّوداني غارة جوية أخرى بطائرة روسية من طراز أنتونوف على قرية كنجار بمحلية أم دورين بولاية جنوب كردفان، وأدَّت الغارة إلى مقتل ثلاثة وجرح اثنين آخرين، وكلهم كانوا من أسرة واحدة أغلبهم من الأطفال، بالإضافة إلى تدمير منزل هذه الأسرة. والقتلى هم: الطفل فارون أنتوني (18 شهراً)، الطفلة كاكي أنتوني (4 سنوات)، المواطنة ملاطم مصطفى (37 عاماً)، وجرح كل من الطفل عصام بوليس (7 سنوات)، والمواطنة سوزان مالي كولي (28 عاماً). وقد ظهرت في الصحيفة التي أوردت الخبر صورة الطفل يوسف إدريس، الذي أصيب بقصف شنه الطيران السُّوداني على المنطقة، وكانت الحروق بادية على وجهه وذراعيه وساقيه بصورة تقشعر منها الأبدان.(62)
وها هو الجيش الحكومي ينتقل من منطقة إلى أخرى، قصفاً وضرباً. ففي يوم الاثنين 6 حزيران (يونيو) 2011م هاجمت قوات من شرطة الإحتياط المركزي مدعومة بالقوات المسلحة منطقة “أم دورين”، وأدت الحادثة إلى مقتل أثنين من المواطنين ودمرت مصادر المياه بالمنطقة. وفي يوم الثلاثاء 7 حزيران (يونيو) 2011م جرى ما يلي:
(1) قامت القوات المسلحة بقصف مدينة كادقلي بواسطة المدفعيَّة الثقيلة وتركز القصف على أحياء كليمو، الرديف، أم بطاح، البان جديد، وقعر الحجر، وهذه المناطق تقطنها قبائل النُّوبة.
(2) وفي نفس اليوم وبتوجيه من أحمد محمد هارون أطلقت القوات المسلحة النار – وبصورة كثيفة – على منزل القائد عبد العزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبيَّة بالإقليم، ومنزل وزير المالية رمضان حسن نمر، ومنزل وزير الموارد المائية تاو كانجلا، ومنزل وزير التربية التجاني تما، ومنزل معتمد كادقلي أحمد بلقا، ومنزل مستشارة الوالي كوجا أنقلو.
(3) قامت ميليشيا الدفاع الشعبي بنهب وإحراق مكاتب الحركة الشعبيَّة في كادقلي.
وفي يوم الأربعاء 8 حزيران (يونيو) 2011م جرى ما يلي:
(1) استمر إطلاق النار بمدينة كادقلي، وبكثافة على أحياء “كليمو” و”زندية”.
(2) قامت ميليشيا تنتمي للقبائل العربيَّة باغتيال كل من:
1) المواطن جمعة باري (معاق) بالقرب من مقر الأمم المتحدة.
2) نميرى سلك (موظف في الأمم المتحدة)، وقد تمَّ اغتياله أمام بوابة الأمم المتحدة.
3) الدكتور داود كودي طبيب بمستشفى كادقلي.
4) شريف عبد التمام – مساعد طبي.
5) فرح فليب كارلو.
6) لويس عوجاي.
(3) في مساء ذات اليوم قام سلاح الجو السُّوداني بثلاثة طلعات جويَّة، وألقت طائرات الأنتنوف قذائف على منطقة “جاو” (مقر الجيش الشعبي) عند حدود 1956م جنوباً.
(4) قامت ميليشيا الدفاع الشعبي بنهب وإحراق ثلاثة كنائس بمدينة كادقلي وهي أبرشية كادقلي والمسيح السُّودانيَّة، واغتيال القس موسى عربيات.
(5) قام القيادي بالمؤتمر الوطني ومعتمد محلية الكويك أحمد البدوي وعدد من أفراد القوات المسلحة بالاعتداء بالضرب والتنكيل على طاقم قناة الجزيرة الفضائية وهو في طريقه إلى مقر بعثة الأمم المتحدة لتغطية أوضاع المواطنين.
(6) اعتقال المواطن مختار حسن البدوي وزوجته بمدينة أم روابة، وهم في طريقهم إلى الخرطوم.
(7) نهب وحرق منزل معتمد أبوجبيهة موسي كجو.
وفي يوم الخميس 9 حزيران (يونيو) 2011م جرى ما يأتي:
(1) أطلقت مقاتلات الأنتنوف التابعة للجيش السُّوداني 6 قذائف على منطقة سلارا بالقرب من مدينة الدلنج، وتعرض بسبب الهجوم 20 مواطن بجروح بعضها خطيرة.
(2) وفي ذات اليوم غادر عدد من الجرحى مستشفى كادقلي بسبب النقص الحاد في الأدوية وغياب الكوادر الطبيَّة، التي تعرض بعضها لمضايقات واعتقالات من قبل القوات المسلحة.
(3) قام سلاح الجو السوداني ب 8 طلعات جويَّة استهدفت مناطق “برام”، “دلامي”، “شات”، “كرنقو عبد الله”، “جلد”، “كادقلي”، و”تيسي”.
وفي يوم الجمعة 10 حزيران (يونيو) 2011م أغلقت القوات المسلحة مطار كادقلي في وجه طائرات الأمم المتحدة لتستخدمه طائرات تابعة للشرطة السُّودانيَّة، وقامت بمصادرة سلاح للمواطنين في مناطق الفولة، أبوجبيهة، بابنوسة، الكيلك، ولقاوة. ثمَّ قامت القوات المسلحة باعتقال – وبصورة بشعة، ومن داخل منازلهم أمام أطفالهم ونسائهم وأمهاتهم – المواطنين الآتية أسمائهم بمنطقة الكرقل شمال مدينة كادقلي، وتعرض المواطنون للتعذيب وعقوبات جسديَّة وهم:
(1) الأستاذ/ كباشي تية كباشي – معلم.
(2) الموظف/عبد الله جمعة – ملاحظ صحة.
(3) المواطن/ بدر الدين بخيت ناتو.
(4) المواطن/ حمدان حسين حميدان – عسكري متقاعد.
(5) المواطن/ محمد كرتكيلا عطرون- عسكري متقاعد.
(6) المواطن/ محمد عبد الرحمن – عسكري سابق.
(7) المواطن/ بابو أنديا – عسكري سابق.
والحال هذه قامت ميليشيا تتبع لقبيل “المحاميد” بإحراق قرية القائد عبد العزيز آدم الحلو (الفيض أم عبد الله) للمرة الثانية، ونهب ممتلكات المواطنين والتجار بالسوق واغتيال كل من:
(1) النزير بشير الفيل.
(2) عبد الرحمن كجوكو.
(3) أبوسن آدم.
(4) محمد محمود.
(5) الشازلي يعقوب.
كذلك منعت السلطات في مدينة الأبيض طاقم قناة “العربيَّة” التلفزيونيَّة من إجراء استطلاع مع المواطنين النازحين من كادقلي. كما أوقفت السلطات الأمنيَّة في الخرطوم صدور ثلاث صحف يوميَّة بسبب تغطيتها أحداث جنوب كردفان، والصحف هي “أجراس الحريَّة”، و”الصحافة”، و”الرأي العام”. والمناطق التي تم قصفها هي كرنقو، بلنجا، تافيري، جاو، كادقلي، كاودا، كجا، تونة، دلامي، دلوكا، سلارا، كادقلي، البرام، أم دورين، أم سردبة، طروجي، وكلولو. وعدد الطلعات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة 36 طلعة. والمناطق التي تم تحريرها بواسطة قوات الجيش الشعبي هي مفلوه، كاودا، دبي، هيبان، الأزرق، مندي، الكوك، أنقارتو، طبانجا، أم دحليب، الرحمانية، دلامي، أم سردبة، الحمرة، أبوهشيم، كلولو، طروجي، البرام، تيسي، فاما، شات الصفية، كاتشا، كرنقو، الريكة، دليباية، نمر شاقو، دري، أبري، ويرني، كونجارو، جلد، أم دافو، كركراية، التمام، كيقا الخيل، وتندية. بالإضافة إلى 80% من مدينة كادقلي، و60% من مدينة الدلنج. وفي هذه الأثناء قامت قوات الجيش الشعبي بإسقاط طائرة أنتنوف في منطقة “كلولو”، وميج 23 بمنطقة “كومي” بالقرب من كاودا، وتدمير 8 عربة تاتشر محملة بالمدافع في سلارا، والاستيلاء على عدد 20 عربة لاندكروز، وانضمام عدد 3 محطات من القوات المسلحة إلى ثوار الجيش الشعبي في مناطق “كتلا”، “والي” و”كجورية”، والاستيلاء على عدد كبير من السلاح والذخائر.
ومثلما أبان وحذَّر المنظِّر العسكري الألماني كارل فون كلاوسوتيتش فإنَّ وحشيَّة الحرب غالباً ما تتصاعد وتيرتها وتبلغ مداها المطلق في اللحظات الحرجة. وفي ذلك الحين تعود في جزء منها إلى المخاطر التي تواجهها القوات المسلحة في أرض المعركة. إذ أنَّ هذه المخاطر تقلل فرص ضبط النفس والكف عن تجاوزات حقوق الإنسان ضد المدنيين، أو تلك هي الحال التي يصفها القول المأثور ب”ركلة الحصان الذي أوشك على الموت” (The kicking of the dying horse). عليه، نجد أنَّه قد نتج عن هذه الأحداث السالف الذكر ما يلي:
(1) نزوح أكثر من 75 ألف مواطن من أحياء “كليمو”، “قعر الحجر”، “الرديف”، “أم بطاح”، “البان جديد”، “حجر المك” بكادقلي ومعظم أحياء مدينة الدلنج.
(2) نقص حاد في الأدوية، وغياب كامل للكوادر الطبية في كافة مستشفيات مدينة كادقلي والدلنج.
(3) ظهور حالات سوء تغذية وبكميات كبيرة وسط الأطفال بمعسكر الأمم المتحدة بكادقلي والصالحين بالأبيض.
(4) فقدان عشرات المواطنين لأسرهم بسبب القصف الجوي على المناطق.
(5) عودة الرقابة الأمنيَّة على الصحف بالخرطوم ومضايقات على الحريات الصحافيَّة والسياسيَّة.
(6) غياب تام للمنظمات الانسانيَّة المحليَّة والاقليميَّة والدوليَّة.
وعلى صعيد آخر قامت قوة حكوميَّة بحث مواطني جبال ميري المتمركزين فوق الجبال للحماية من الهجمات الحكوميَّة على النزول منها بحجة أن قوات الحركة الشعبيَّة ستقوم بمهاجمتهم. وبالفعل تم نزول الأهالي من الجبال ومن ثم تم ترحيلهم إلى قرية دميك، حيث تمَّت استضافتهم بمباني المدرسة التي لا تسع لأعدادهم الكبيرة. وقد أفادت الأنباء الواردة من المنطقة بأنَّ المواطنين كانوا في حال إنسانيَّة سيئة تتطلب تقديم المساعدة العاجلة لهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ خطة الحكومة كانت تهدف إلى إخلاء جبال ميري لتقوم بضربها وقصفها بالطائرات والمدافع الثقيلة. وبالفعل تم في ليلة الأحد 12 حزيران (يونيو) 2011م قصف مكثف على جبال كيقا الخيل. إضافة إلى هذه العمليات العسكريَّة قامت قوات الحكومة والأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات واسعة وتحقيقات ميدانيَّة وسط الناشطين من أبناء النُّوبة، وبخاصة المدنيين منهم للأدوار الفاعلة التي لعبوها في الانتخابات التكميليَّة التي أجريت في شهر أيار (مايو) 2011م. ومن ناحية أخرى، أفادت المصادر بالمنطقة عن اختفاء عدد كثر من المواطنين من بينهم الأستاذة حفصة إدريس المارن، التي تم انتخابها ضمن قائمة المرأة عن الحركة الشعبية في الانتخابات التكميليَّة بولاية جنوب كردفان.(63)
كما أنَّ اعتقال الأستاذة جليلة خميس كوكو من وسط أطفالها وبملابس النوم بالخرطوم، وقتل عوضيَّة عجبنا في يوم الأثنين 5 أذار (مارس) 2012م بواسطة قوات النظام العام في الخرطوم أيضاً، واستمرار اعتقال الدكتور بشرى قمر أكثر من عشرة أشهر في الخرطوم كذلك ودون تقديمة لأيَّة محاكمة، يُعد رسالة واضحة من المؤتمر الوطني في استهداف شعب النُّوبة رجالاً ونساءاً أينما وُجدوا، وهذا انتهاك صريح لحقوقهم الإنسانيَّة، والعيش في ظل الحرية والحياة الكريمة، وعدم اعتبار لآدميَّتهم وإنسانيتَّهم.
ومما لا ينبغي أن يغيب عن البال وجود فئات جتماعيَّة حاضنة وداعمة لهذا العنف الحكومي المفرط، وهم من قساة القلوب وجفاة البشر. ففي مقال سطره قلم عثمان نواي في الشبكة العنكبوتيَّة ذكر أنَّه فى 15 آذار (مارس) 2012م خرج 7 من أبناء منطقة كيقا الخيل في اتجاه سوق دميك في محلية الريف الشرقي لكادقلي بجبال النوبة، وحينها اعترض طريقهم عشرة من قوات الدفاع الشعبي المسلحين، والذين تمَّ تجنيدهم من القبائل الرعويَّة القاطنة في تلك المنطقة، وطلب منهم المسلحون الصعود معهم فى سيارتهم، وعندما رفضوا، قام أفراد الدفاع الشعبى بإطلاق النار عليهم، وقتل 2 منهم في الحال، وعندها صعد الخمسة الآخرين معهم. فقد أخذتهم عناصر الدفاع الشعبي إلى أحد الفرقان المجاورة لدميك، وقاموا بتعذيبهم بصورة وحشيَّة، حتى توفى 4 منهم، ونجا الرجل الخامس بأعجوبة برغم من أنَّه بات يعاني من إصابات بالغة تهدد حياته. والذين قتلوا على أيدي الدفاع الشعبي رمياً بالرصاص هم: موسي سليمان توتو، وخليفة علي محمد. أما الأربعة الذين قتلوا بالتعذيب فهم: إدريس حسن تية، خميس توتو عدلان، محمد عبد الرحيم، وخميس الحاج تيه. والناجي الذى استطاع الوصول إلى قرية كيقا وإبلاغ ذوي الضحايا بما حدث هو عثمان إدريس الياس، والذي أخذ يعاني من جروح خطيرة.
وكذلك شنت ميليشيات المؤتمر الوطني المنتمية إلى قبيل البقارة (أولاد سرير وأولاد كُدو وأولاد عنينات)، وبالتعاون مع العملاء النُّوبة في المنطقة، هجوماً كبيراً على منطقة “الكاركو” غرب مدينة الدلنج يوم السبت الموافق 6 أيار (مايو) 2012م، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً. وقد نجم عن هذا الهجوم الغادر الذي قام به أكثر من 500 ميليشي موت أربعة من أبناء قبيل الكاركو وهم:
(1) مكي زكريا حمودة.
(2) حسين جمعة سعيد.
(3) صادق عبد الله قادم.
(4) آدم الأحيمر.
أما الجرحى فهم:
(1) نورين التوم.
(2) نصر ماتوك.
(3) النور حسن.
(4) فضل حسب الله حماد.
(5) صادق عبد المنعم عمر.
(6) إبراهيم دلدوم أزرق.
ومن جانب القوة المعتدية، قُتل سبع وجرح العشرات منهم معظمهم باتوا في حالات خطيرة.
وكذلك قامت السلطات الحكوميَّة في كانون الأول (ديسمبر) 2012م باعتقال أكثر من 60 شخصاً مدنياً – أغلبهم من النساء – في مدينتي الدلنج وكادقلي وقرى حجر جواد وأنقاركو والكرقل تحت اتهامات واهية بدعم حركة التمرد في الجبال، ووُضعوا في معسكرات الجيش في المدينتين، ومنعت السلطات الأمنيَّة بالمنطقة ذويهم من زياراتهم أو السماح لهم بمقابلة محاميهم. كما تعرَّضت المديرة الطبيَّة لمستشفى العباسيَّة الدكتورة إشراقة عبد الباقي رشاش للاعتداء من قبل أفراد قوات نظاميَّة والاعتقال بعد أن تقدَّمت باستقالتها، وذلك بعد الاعتداءات المتكرِّرة عليها من أفراد القوات النظاميَّة المصابين بالمستشفى، وبخاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة العباسية تقلي بين الجيش الشعبي والقوات الحكوميَّة.(64) علاوة على ذلك، هناك قصف يومي بواسطة القاذفات المقاتلة وطائرات الأنتونوف وطائرات بدون طيَّارين على القرويين المدنيين في قرى سلارا وتيمين وهيبان وكاودا وكلكدا، وحرق قرى ضعين بالقرب من أبوكرشولا والحوتة بالقرب من رشاد والموريب وقردود البدري بمحلية العباسيَّة والقائمة طويلة يستعصي حصرها.
وللحديث بقية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.