د.عبدالله محمد سليمان هاشم السعيد المدني احد المناضلين الذين خاضوا غمار الحركة الوطنية منذ بواكيرها ،ومن الذين قامت علي اكتافهم الحركة العمالية في بلادنا وتكونت بجهودهم نقابة عمال السكة الحديد واتحاد عمال السودان.فقد اسهم منذ أربعينات القرن الماضي مع زملائه في قيادة النقابة وشارك في تأسيسها وإرساء دعائمها.وكما هو معلوم فان عمال ومستخدمي السكة حديد وعلي رأسهم نقابتهم العتيدة ، كانوا ومازالوا هم الركيزة الاساسية للحركة العمالية في السودان. فهم الذين خاضوا ، الي جانب مؤتمر الخريجين والاحزاب السياسية، معارك التحرير الوطني وتصدوا للمستعمر الباغي حتي تحقق الاستقلال. كما تصدوا للدكتاتوريات العسكرية التي أغتصبت الحكم وصادرت الحريات والديمقراطية في مختلف العهود. وكانت تربط هاشم السعيد صلة حميمة بزعيم الحركة العمالية في بلادنا المرحوم المناضل الشفيع احمد الشيخ رحمه الله ، مبعثها تقديره العميق لدوره في بناء الحركة العمالية السودانية ومساهماته في المحافل العمالية الدولية. ولهذا كان حزنه عليه عظيما حينما إغتالته يد الغدر المايوي. وكان في ذات الوقت قريبا وصديقا لابطال الحركة العمالية الآخرين من مختلف الاتجاهات.وتعرض للاعتقال عدة مرات قبل الاستقلال وبعده ،وقاوم الحكم العسكري النوفمبري مع زملائه في الحركة العمالية وقضي فترات من عمره معتقلا في الزنازين البحرية بسجن كوبر. وعندما تفجرت ثورة اكتوبر المجيدة كان احد حداتها وقادتها في أوساط العمال. وقد ظل يواصل عطاءه الوطني بعد ذلك إبان الدكتاتورية المايوية ، فتعرض للحبس والمساءلة مرات عديدة حتي أشعل الشعب السوداني الثورة على نظام مايو بانتفاضة ابريل 1985م وعودة الديموقراطية وكان له إسهامه فيها ثم تقاعد بالمعاش بعد ذلك . ويبذل هاشم السعيد الآن جهده لجمع ومراجعة اشعاره وقصائده وكتابة خواطره عن الحركة الادبية والنقابية في بلادنا.وهوشاعر يزخر شعره بالقصائد الوطنية التي شارك بها في احتفالات العمال ومهرجاناتهم وغير ذلك من الاحداث والمناسبات الوطنية. وقد كتب الشعر عربيا رصينا وباللهجة الدارجة فاجاد . وله ديوان شعر مخطوط يُبذل الآن الجهد اللازم من أسرته وأصدقائه لإعداده للنشر ونأمل أن يتم هذا قريبا. ومن اشهر قصائده الوطنية “صوت الشقي” قال فيها وهو يخاطب الاستعمار:انكرت حق الشعب في استقلاله فأثرت في كل النفوس ضراما/وظننت ان بقاءكم في ارضنا يلد الرخاء ويقتل الاجراما/ خمسون عاما في البلاد مكثتمو كالسل في الصدر الضعيف اقاما/كبلتموا الأحرار نكلتم بنا قيدتموا الأفكار والأقلاما/وغدرتموا منا القوى وسمتموا منا الضعيف وخنتموا الإسلاما /والناس تشهد انكم من امة حكمت فصيرت الحلال حراما! ولم ينس المستعمر الذي كان يسرق ثروات البلاد ولم ينس الأشقاء في الجنوب: وهناك في أقصى الجنوب أحبة/ لبسوا العرى واستوطنوا الآجاما/ عاشوا كآدم والجزيرة قطنها /في لانكشير فيا لها آثاما.وظل هاشم السعيد وفيا للبسطاء والكادحين من ابنائه وزملائه العمال،هتفت معظم قصائده بذكرهم ودافعت عن قضاياهم ومكاسبهم. ويتبدي هذا جليا في كل قصائده التي تستمد روحها ورؤاها منهم حتي وهو مع الطبيعة علي ضفاف ” نهر عطبرة” إذ يقول في إحدى قصائده العاطفية:كان اللقا في الملتقي والشمس تجنح للغروب/ و” الاتبراوي” العظيم يجيش مندفعا طروب/ كمواكب العمال تهدر وهي تهزأبالخطوب! وفي إطار دوره الوطني والادبي شارك هاشم السعيد بالكتابة في معظم الصحف اليومية فكتب لجريدة الامة والنيل والطليعة والميدان والراي العام والصحافة والايام وفي غيرها. وقد نشرت له هذه الصحف الكثير من القصائد والمقالات في مختلف الموضوعات. وفي بداية حياته العملية واكب الحركة السياسية والثقافية في مدينة بورتسودان في بداية الاربعينات من القرن الماضي وذلك قبل انتقاله الي مدينة عطبرة . وقد اسهم بجهده في تلك الحركة وشارك في الليالي السياسية والندوات واللقاءات الادبية بنادي الخريجين ونادي سواكن وغيرهما. وبالرغم من ضيق فرص التعليم في ذلك الزمان حرص علي قراءة الصحف والمجلات وكتب التراث لاسيما ما كان يرد من الشقيقة مصر، وسعي لزيادة معارفه الادبية والثقافية. فبالاضافة الي دراسته في خلاوي الشايقية والمدرسة الأولية بمروي “حيث مسقط رأسه البركل” ودراسته التلمذة الصناعية بعد التحاقه بالسكة حديد، درس هاشم السعيد الفقه واللغة العربية والادب في حلقات الجامع الكبير ببورتسودان التي كان يؤمها طلاب العلم ويدرس فيها أساتذة من مصر والحجاز وغيرها. كما تعرف في تلك الفترةعلي المؤرخ الفذ المرحوم محمد صالح ضرار” والد المؤرخ الكبير الاستاذ ضرار صالح ضرار” واخذ من الحلقات العلمية التي كان ينظمها لطلابه. وافاد من صداقاته بعدد من الشعراء والادباء والفنانين من بينهم الشاعر الراحل محمد بشير عتيق الذي زامله في السكن ببورتسودان وأنشأ في تقريظ شعره قصيدته (عش للقريض) ومنها:أوغلت في أعماق درب مونق وضربت في أكنافه تشتار/وردا وريحانا فجئت بباقة في الشعر تلهث دونها الأشعار/ أرضيت آلهة القريض وصغته عبقا تهش لكأسه السمار/ طلعا كما ابتسم الصباح منورا في الروض ضحّك ثغره آذار/سلمت يداك عتيق إنك صيدح رقصت على أنغامه الأوتار! وكان من بين أصدقائه الخُلَص المناضل العمالي الفذ الحاج عبدالرحمن الذي تربطه بهاشم السعيد علاقة خاصة ومتميزة وكثيرا ما كانا يلتقيان ويتبادلان الذكريات والشعر فصيحه ودارجه قبل أن ينتقل الحاج عبدالرحمن للرفيق الأعلى عليه الرحمة. وكان من أصدقائه كذلك الفنان الراحل عبيد الطيب والدكتور المرحوم علي احمد باخريبه وغيرهم. وقد اشار لعلاقته ببعض هؤلاء في قصائده وظل وفيا لهم أصدق ما يكون الوفاء في حياتهم وبعد مماتهم. ويقصد دار هاشم السعيد بالخرطوم بعض الطلاب والباحثين في الحركة العمالية السودانية عموما والحركة النقابية في السكة حديد بصفة خاصة فيجدون عنده من الحقائق والمعلومات ما يعينهم علي كتابة ابحاثهم واطروحاتهم . فقد عاصر الاحداث وشارك في بعضها وألم بتفاصيلها الدقيقة ولعله يتمكن في مقبل الايام من توثيق معارفه في هذا الجانب المهم لتكون في متناول ذوي الاهتمام والاختصاص. لقد اتخذ هاشم السعيد مبدأ ثابتا طوال حياته لا سيما في السنوات التي قضاها فاعلا في المعترك الوطني والسياسي والنقابي، وهو ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيه, فاصدقاؤه ينتمون الي اتجاهات فكرية وسياسية عديدة . ومن المدهش ان الخصومة التي احتدمت يوما بينه وبين بعض زملائه,لا سيما إبان توليه منصب السكرتير العام لنقابة عمال السكة الحديد في الستينات, لم تفلح في ان تباعد بينه وبينهم بل ان العلاقة الاسريه الي ظلت تربطه بابرز خصومه, كرمز للتسامح والخلق السوداني الاصيل, كانت وستظل مفخرة يتقلدها ذلك الجيل من الرجال.