ودع المصريون العام المنصرم بطريقة مأساوية ومؤلمة وهي مقتل أبرياء من الأقباط وهم خارجون من التعبد تقرباً لله.. وهي مأساة نتمنى أن يستفيد منها المجتمع المصري بصورة سريعة وأن يقوم بمراجعة العديد من الترتيبات المختلفة بدءاً من مراجعة وإصلاح العلاقات بين فئات المجتمع المصري الذي تأثر في سابقات الأيام بالقضايا المذهبية الضيقة وتهويلها من قبل أعداء مصر وبجهل من بعض أبناء مصر.. فالصحيح أنّ القضايا الصغيرة المرتبطة بالأقباط وهي قضايا داخلية كان من المفترض أن تترك للكنيسة القبطية المصرية لها ولكن التدخل هنا كان مضراً، على الرغم من صعوبة منع الأقباط من اللجوء إلى القضاء لنقض مسائل لاهوتية وأحوال شخصية تتعارض بين السلطة اللاهوتية الكنسية والقوانين الوضعية المدنية.. إنّها قضايا شائكة في الأصل لا تحتاج للصراخ والعويل بل تحتاج للعقل والهدوء والتدارس المشترك خاصة عندما تكون القضية في منتهى الحساسية كذلك التعصب المذهبي الموجود في صعيد مصر وبعض المدن البحرية القديمة والاحتكاكات اليومية خلّفت بعض القضايا في تقديري كان يمكن أن تحل بطريقة راقية دون أن يحس أي طرف بأنّه مستهدف وهو الشعور الذي يعتري أقباط مصر ويرجعون هذا الاستهداف مرات من المسلمين عموماً ومرات أخرى من جماعات متطرفة محددة، وأحياناً أخرى من الدولة المصرية بشكل عام على الرغم من أنّ الأقباط قوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها في السوق المصري، فالأقباط على الرغم من امتلاكهم بعض الإمبراطوريات المختلفة، واحتكارات عديدة إلا أنّ تأثيرهم السياسي بعيداً جداً عن تأثيرهم الاقتصادي.. وهذا الأمر يرد إلى طبيعة الأقباط منذ القدم فالكنيسة القبطية كانت دائماً تحاول بأن تضع مساحة معقولة بينها والسلطة وهذه المساحة تحافظ خلالها على مصالح رعاية الأقباط خاصة وأنّها أولى الكنائس التي تعرضت للبطش من الكنيسة الرومانية والبابوية وكل العهود المختلفة، وهناك أسباب أخرى أيضاً وهي الدور الذي رسمته النخب المصرية للمثقفين الأقباط وسياستهم وذلك على الرغم من حجمهم المعتبر سكانياً والحجم الاقتصادي الطاغي إلا أنه فقط يتم تمثيلهم بوزير أو وزيرين على الأكثر و وزارات محددة حتى. وهذه من المسائل التي تجعل الشباب القبطي يتبرم من الأوضاع الحالية ببلادهم وهو ما يجعلهم يحسون بنوع من الاضطهاد حتى عندما تحدث بعض الاختلافات الفردية بين مسلم وقبطي فنجد الأقباط يهولون الأمر بأنّ هذه سياسة ممنهجة ضدهم… إلى آخره، وهو شعور مبالغ فيه أحياناً. في كل الأحوال مطلوب من الحكومة المصرية والمجتمع المصري أن يدير حواراً بناءً في إزالة المخاوف والإحساس بالغبن الذي يحس به المجتمع القبطي بمصر، وألا يخطئ كما تفعل الأنظمة العربية دائماً وهو عندما تجابه مشكلة داخلية تقوم بنسبها الى الأطراف الخارجية.. نعم هناك أطراف خارجية لا يرغبون في أن يروا استقراراً بمصر ولكن لابد لمصر بأن تسد كل الأبواب التي يمكن أن يأتي منها مثل هذه الأمور وكذا لابد لمصر أن تتقبل أي انتقادات توجه للأوضاع بها إن كان ذلك سياسياً أو اجتماعياً أو غيره فالعالم أصبح فعلاً قرية صغيرة فأي اختلال أو اضطرابات سياسية أو مذهبية بمصر المؤكد بأننا سوف نتأثر بها وكما أنّ مصر الآن لها التدخلات المقبولة منها في شأننا السياسي وغيره ليس لشيء إلا فقط لكي تنعم بالاستقرار الذي سوف يعود لها على هذا الأساس يتحرك الآخرين في نصح مصر لما يمكن أن يكون في صالحها لأنّ استقرارها بكل تأكيد استقرارنا، أيضاً على هذا الأساس كان لابد أن يتفهم شيخ الأزهر الشريف تصريحات بابا الفاتيكان عن أوضاع المسيحيين بالأقباط ومطالبتهم للحكومة المصرية لحمايتهم الحماية الكافية فكنت أتوقع من شيخ الأزهر الشريف أن يكون رده بهذه الطريقة وهو استنكار ذلك والتساؤل في ذات الوقت عن الصمت الذي يحدث إزاء قتل العراقيين ولعمري إنّه أمر يدعو للعجب كيف يمكن أن يبرر شيخ الأزهر أو قل كيف يمكن له أن يدافع عن الأخطاء بأخطاء تحدث في مكان ما هل الحادثة المؤسفة التي حدثت في الاسكندرية كانت رداً للغرب المسيحي الذي يقتل المسلمين في العراق؟؟؟ لا طبعاً لا يمكن أن ننظر للأمر بهذه الطريقة وهي نظرة مُخلّة وتدعو إلى التأسف والألم، وبدلاً من أن يساعد في تهدئة الأجواء وتطييب الأنفس نجد هنا أن ّشيخ الأزهر الشريف يشارك دون أن يدري في الجريمة بأن أعطى الذين نفذوا العملية التبرير المذهبي الذي ما كان من المفترض بأن يصدر دون قصد من أعلى مرجعية إسلامية في مصر.. بل المطلوب من شيخ الأزهر أن يفنّد مثل هذه التبريرات الفطيرة التي يطلقها المتطرفون على أعمالهم الإجرامية. أخيراً نتمنى لمصر أن تتعافى سريعاً من هذه التطورات الخطيرة وتدير حواراً داخلياً مسؤولاً، وألا تنسب أي خلل للخارج!!!