تستحق الصحافة السودانية ، كما تستحق شئونها و شجونها أن نبدأ بها ( مدارات ) العام الميلادى الجديد ( 2011 ) . فهو عام إستثنائى و فريد. و قد جاء يحمل مذاقاً سودانياً صرفاً،يمكن وصفه بلغة الصحافة إختصاراً بتسميته عام ( الحلومر) . (حلو) فى جنوب السودان الذى تستعد نخبته لتدشين الدولة الجديدة و إعلان (الإستقلال ) . و لكنه ( مر ) فى الشمال الذى أدمنت نخبته (نقض العهود ) ، ليجىء هذا الحصاد المر. و هاهى الصحافة السودانية ترصد و توثّق أقسى لحظات ندب الحظوظ و شق الجيوب و إطالة الوقوف فى حائط مبكى ( الإنفصال ). و بلغة الصحافة ،و إشاراتها الذكية ، يمكننا أن نوصف هذا ( الحلومر ) بأنه يجىء تتويجاً و حصاداً ” مرّاً ” لتجربة طويلة من إستمرار دولة القمع و سياسات التعالى العرقى و اللغوى و الدينى و الجهوى ، بدلاً عن رفع و تعزيز رايات التنوير و دولة المواطنة و إحترام قيم حقوق الإنسان و بناء الوطن المتآخى الذى يسع الجميع !. و لأن الإنقاذ تكره الصحافة ” المهنة ” و الصحفيين ” المجتمع ” ، فإنها سعت و تواصل سعيها لوأد الصحافة بعد قمعها و تركيعها و تجريدها من سلاحها المكتسب بالنضال و البذل و التضحيات الجسام (الحرية ) . و للإنقاذ – دون غيرها من الحكومات السابقة – منذ الإستقلال تجربة كبيرة فى قمع الصحافة و إنتهاك حرياتها و حرماتها، متمثلة فى الرقابة الأمنية المباشرة و ” غير المباشرة ” و ” الرقابة عبر الرموت كنترول ” و فى حزمة القوانين الكثيرة التى تكبل الصحافة . هاهو المخطط الشرير يبدأ على طريقة ( سنّة ناعمة ) ” بكسر السين ” ، تلميح ، ثم تصريح . كخطوة أولى فى عملية تهيأة و تجهيز الضحية لقبول الذبح .و ستأتى اللحظة التى يتم فيها ” التدخل السريع ” . و يومها يكون ” الفأس قد وقع فى الرأس ” !. و ليراجع المجتمع الصحفى و المجتم بأكمله ، ما قاله الأمين العام لمجلس الصحافة لجريدة ( الرأى العام – العدد 47571- بتأريخ 14 ديسمبر 2010 ) . حيث يمضى العبيد مروّح فى طريق التهديد و الوعيد بإعمال قانون الصحافة و ” تفعيل ” لوائحه فى ( معاقبة الصحف المخالفة ) و ( سحب تراخيص الصحف ) . و لا ينسى أن يدس (الدسم فى السم ) ، فيحدثنا عن ” شروع ” المجلس و ” منذ عام ” فى ” خطوات ” من شأنها ” تخفيف الأعباء على صناعة الصحافة ” و يبشرنا بمصنع للورق قال أن وزارة الصناعة ” شرعت ” فى التعاقد عليه مع شركة صينية . و الأخطر فى الموضوع ، مواصلة السير فى “مخطط ” دمج الصحف ” الذى يؤيدهم فيه رئيس الجمهورية ،على حد زعم العبيد ، و لكنه لم يجد ” إستجابة “ من الناشرين . و هنا يكاد سعادة العبيد المروح أن يلقم فكرة التعدد و التنوع فى الصحف و ملكيتها ، بحجر و سيف النظرية و النظرة ” الشمولية ” التى يعبّر عنها بصريح القول “ كلما قلّ عدد الصحف ، كلما زادت فرص دعم المؤسسات الصحفية ، حتى تستطيع أن تقدم عملاً صحفياً متطوراً ” ! ترى هل هى الصدفة البحتة أم التخطيط المشترك و توزيع الأدوار ؟. ذلكم الذى ” أوحى ” لإتحاد الصحفيين أن يصدر بياناً فى ذات التأريخ (14 ديسمبر - الصحافة – العدد 6251 ) ” يمهل فيه الصحف بتوفيق أوضاع عامليها ” و يحذر أن المهلة تنتهى فى 25 ديسمبر. و هى تشمل الصحفيين المتعاقد معهم و ” البدون ” و لا يسمح بعدها للكتاب غير الحاصلين على ” الإجازة من الإتحاد ، بالكتابة بدون إذن منه ” !. و لم ينس الدكتور محى الدين تيتاوى – رئيس الإتحاد – التحذير و التهديد و الوعيد ، بأن إتحاد الصحافيين ، سيمد ( مجلس الصحافة ) بالمخالفين لإتخاذ التدابير والجزاءات اللازمة !. و لن نعلّق على التصريحات ” التطمينية ” التى أطلقها وزير الإعلام الإنقاذى عبر قناة الجزيرة و تناقلتها بعض الصحف السودانية بأنه “ يستبعد عودة للرقابة الأمنية القبلية ” على الصحف . لاحظ اللغة ” المستعملة ” ” الناعمة” و “المدغمسة ” ” يستبعد ” أى أنّه ” لا يجزم ” ! . قائلاً أنها وصلت درجة عالية من “ الرشد ” !. و نكتفى بإحالة الوزير لملف إيقاف ” خرطوم مونيتر” و ” حكايات ” ( 19 ديسمبر ) ” بأمر ” و ” إجراء “ إدارى من مجلس الصحافة و ليس من القضاء ! . و أظنه قد تابع عن كسب ما سبق من ” إجراءات “. و آخرها أزمة حملة إيقاف ” دقشة ” من الصحف الرياضية بقرارات إدارية من مجلس الصحافة . و هكذا تٌخطط الإنقاذ لضرب إستقلال الصحافة . و سيكون عاماً مرّاً على الوطن المتبقى و على الصحافة و الصحفيين . و ما على المجتمع الصحفى سوى تحمّل مسئولياته الجسام فى الدفاع عن حرية الصحافة و الصحفيين و الحق فى التفكير و التعبير و التنظيم. و تبقى ثقتنا فى مجتمعنا الصحفى و فى شعبنا، بلا حدود ! . و إستقلال الوطن فى إستقلال و حرية صحافته .