رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الاسلامية .. بواعث السحر ودعائم التنجيم
نشر في حريات يوم 17 - 01 - 2013


محمد الامين عبد النبي
.. ما فتئت الحركة الإسلامية ترمينا بكل جديد فمنذ ان بدأ عهد تكبير الشجر وتسيبح القمري وكرامات الغابات ومعجزات الصحاري بتنا نري في كل لحظة المثير والخطير في فقة الحركة الاسلامية وهي تنتقل بنا من جدلية الثورة الي مرحلة الدولة حتي فاقت كل تصورات وأساطير ود ضيف الله .
ونحن نتحدث عن الحركة الاسلامية فاننا نعني هذا المسخ الذي كتب علينا بذل كل انواع الصبر لمعايشته في السودان، ونحن قطعا لا نعني الحركة الاسلامية ذلك الحلم الذي راود المشائخ العظام جمال الدين الافغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وشيخ الاسلام ابن تيمية وغيرهم ، لان الحاصل الان ليس له علاقة بالحركة الاسلامية ومنطلقاتها فكراً ومنهجاً واهدافاً وجمهوراً.
ما إن أنهي المؤتمر الثامن للحركة الاسلامية في السودان فعالياته الأ وكشفت التيارات المتصارعة داخل قاع الاسلاميين عن قناعها السلطوي بدعاوي الإصلاح ، وطفحت علي السطح الإنقسامات والإحباطات وإتسعت رقعتها وأصبحت علي صفحات الجرائد ، وماذال المواطن العادي منتظر إجابات للأسئلة الملحة والعالقة حول ماهية العلاقة ما بين الحكومة والحركة والحزب؟ والتي فشل مؤتمرها السابع في الاجابة عليها وتقييم تجربة الحركة الاسلامية في الحكم وكيفية التعامل مع المستجدات علي مستوي الساحة المحلية والإقليمية والدولية ؟ وما هي الرؤي والمشروعات الجديدة لحل الازمة الاقتصادية والمعيشية للمواطن السوداني؟ ، جاءت نتائج المؤتمر مخئبة لأمال حتي عضويته وتسأل احدهم ماذا تتوقعون من مؤتمر بهذا العدد الضخم من العضوية والضيوف أن يفعل خلال ثلاثة أيام فقط سوى الهتاف والطبطبة والتزاحم لتقديم فروض الولاء والطاعة لقيادة الدولة ؟ ، لو كان الهدف مواجهة الحقيقة والنقد والإصلاح لكان الحضور نوعي ومحدود ولناقش القضايا الكلية للبلاد بدلاً من الإنغماس في القضايا الصغيرة والمحصورة في الهياكل والبرنامج للحركة ونفض عنها الغبار. وبذلك يعتبر المؤتمر تظاهرة اكثر من أنه مؤتمر عام لذا تفجرت الخلافات حوله بصورة واضحة . بالتاكيد لم تكن الصراعات المعلنة والمستترة وسط الاسلاميين نتيجة ما حدث من نقاشات خلال جلسات المؤتمر ولكنها مثلت نقطة فارغة في تاريخها فقد طفح الكيل وفاض عقب المؤتمر ، فالخلاف متجذر وعميق منذ أن اعلن عنه د. عبد الوهاب الافندي في كتابه ” الثورة والاصلاح السياسي في السودان 1995م ” بحديثه عن الانحراف عن القيم الإسلامية التي يؤمنون بها وفساد وإستبداد بعض القيادات وأن الاتجاه الذي تسير عليه الدولة سيكون وبالاً على الإسلام والمسلمين ، وهنا يتبادر سؤال الي الذهن ما الذي أجبر الأفندي على التزام الصمت منذ العام 1989 وحتي 1995 طيلة الخمسة السنوات الاولي من عمر الإنقاذ ؟ هل يشير هذا الصمت الي أن فساد الحركة الإسلامية سابق لفترة ما قبل الانقاذ ؟ .
للوقوف علي واقع الحركة الاسلامية السودانية لابد من إستعراض تياراتها المتصارعة والمتنافرة وأين تكمن مصلحة الاسلام والوطن من هذا الزخم من اليات الصراع علي السلطة بدعاوي الاسلام والإصلاح ، وفشل الحركة نظرياً وواقعياً في تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية ، ومفارقات الحركة في طرح قيم الخير والفضيلة والعدل والأخلاق وممارسة نموزج نقيض ما تطرح ، وكيفية الخروج من وحل الحركة الاسلامية لرحاب حركة الاسلام وفق منطلقات فكرية تستوعب التنوع وتحقق التعايش وتبني سودان ما بعد الإنقاذ .
أفلح تيار الإسلاميين الليبراليين والمصلحين الاوائل ( د. التجاني عبد القادر ، د. عبد الوهاب الافندي ، د. الطيب زين العابدين … الخ ) في إبراز النصفين المملؤ والفارغ من كوب تجربة الانقاذ علي السواء ، وقدموا مراجعات عميقة وجذرية وفق المنهج التاريخي التحليلي ” الديالكتيك” اكدوا من خلالها أخطاء البداية والتخبط في طور التنظيم الاول وطرحوا مخارج حينها ولكن لا حياة لمن تنادي ، لذلك تنبوا بنهايات كارثية وحتمية للتجربة ، وبالرجوع إلي هذه المراجعات نجد أن الحركة الإصلاحية التى أطلقها هؤلاء فتحت عقول وحررت ضمائر، وبهذا تهيأ المجتمع لتقبل أى مشروع إصلاحي ولكن للاسف طاشت كل سهام من رفع هذا الشعار في مقاربة بين السلطان والاصلاح . وتوصل المصلحين الاوائل لقناعة راسخة إن نظام الإنقاذ غير قابل للإصلاح بل أن قطار الإصلاح قد تجاوز المحطة والزمن وان التغيير الشامل قادم لا محالة ، وإنضموا لركب الإطاحة بالنظام .
لأ يفوت علي فطنة القارئ إن الإصلاح وسط الإسلاميين لأفتة واحدة لمشاريع عدة ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) وهي بعيدة كل البعد عن مفهوم الإصلاح ومقوماته ومتعلقة بشكل أساسي بالسلطة ” فتنة السلطان “ .
تمخضت مبادرة سائحون من رحم الاحباطات والفشل في تحقيق شكل الدولة التي قاتل من أجلها عدد من شباب الحركة في الجنوب بشعار الجهاد وشعروا بتهميشهم وتواجدهم خارج منظومة الحكومة ” في قارعة الطريق ” وراودهم الحنين للأيام الخوالي وإشرابت قلوبهم لمستقبل متخيل وفق مرجعية سنين التمكين الأولي من عمر الإنقاذ ، وفي مسامعهم دوي القنابل والزخيرة ، ومسيطر علي تفكيرهم حسم الاخر بالقوة فهم يمثلون داراكيولا الفكر الاسلاموي ، كثير ما تجدهم يستنجدون بهتافات ( فلترق منهم دماء او ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء ) تجاوزاً للواقع المرير بماضي تليد يعكس عمق ازمة الاسلام السياسي بشكل عام ومأزقهم بشكل خاص ، ترأهم يهربون من التجربة الانقاذية للوراء بالمناحات والبكاء كلما أجتمعوا علي مائدة إفطار أو عشاء فاخر . ليس لديهم طرح فكري أو سياسي بديل ( علي الاقل في هذه المرحلة ) وإنما فقط حديثهم عن إبتلاءات السلطة وسخطهم من قيادات الدولة والحركة ، يقدمون أنفسهم بذكرياتهم وولائهم للإنقاذ بأنهم الاولي ( أهل بدر ) لقيادة الحكومة من المفسدين والإنتهازيين . نصيبهم من موجة الاصلاح المصطنعة هو أن المصائب تجمع المصابين نتيجة تؤلد غبن لدي بعضهم بمجرد فقدان المنصب او الإمتيازات فهؤلاء لايهمهم ما يعانيه الوطن من تمزق وإحتراب وفقر بقدر حرصهم علي قبض ثمن الجهاد ( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) . أسوأ ما جاء به أصحاب المبادرة الذين يبحثون عن ذواتهم في السلطة ويعتبروا النصر هو المغنم والإستمتاع بالحياة كثمن للأيام المعدودات التي قضيت في ميدان الحرب ، هذا فهم مخالف ومغاير لفهمنا للمجاهدين الذين يقاتلون في سبيل الله وفي سبيل الوطن لا يبتغون ولا ينتظرون أي أجر مادي أو معنوي ولا يعيرون أهمية لأمور الدنيا للحصول عليها كالأرصدة في البنوك والعمارات الشاهقة والنساء مثني وثلاث ورباع وكل اشكال الرفاهية وإنما شعارهم ( ولا تجعل في قلوبنا ركوناً لشي من الدنيا يا ارحم الراحمين ) وديدنهم الاخلاص وإبتغاء مرضاتي الله والفوز بجنات الخلد في الأخرة .
لأفتة الحالمين والتي يقف بين جانبيها د. غازي صلاح الدين وأبلغ وصف يمكن أن يوصف به ب”أديب الفكر الاسلامي” لتأثره الكبير بكتابات الف ليلة وليلة واخوان الصفا وخلان الوفاء ، فالرجل يجيد تاويل افكار الأخرين وصياغتها وفق منظور مثالي طوباوي مع محاولة أقلمتها ، وهو يمثل البوروستريكا الاسلامية في تجلياتها السودانية منذ أن رفع يده عن مباحثات السلام في ناكورو وهو يصارع من أجل إعادة دوره في عجلة القيادة يستحضرني حواره في مجلة الزمن عام 2004م عندما وجه له سؤال أين د.غازي الان ؟ قال: غازي موجود ولن يتبخر . في كل كتاباته تجده إما يبرر لموقف شخصي إتخذه ( عبقرية الاخفاق وغيره ) أو يقدم مشروعاً مثالياً منبت عن الواقع ( دعوة لإحياء العمل الاسلامي الوطني وغيره ). نصيبه ومجموعة التابعين من قضية الاصلاح تلك التي ترتبط فقط بالمراجعات (الهيكلية) فهو يختصر قضية المراجعات والاصلاح في تقييم جزئي متعلق بمنفذي المشروع وأبلغ دليل مقاله الاخير ( تحرير الخلاف ) والذي أثار فيه اعتراضه علي المادة التي تناولت طريقة انتخاب الأمين العام الذي جري من مجلس الشورى بدلا من المؤتمر العام، والمادة التي نصّت على تكوين قيادة عليا للحركة من الأمين العام وعدد من القيادات التنفيذية الحكومة . ولم يتطرق للقضايا الجوهرية سوي كانت إجتماعية وثقافية وفكرية وإقتصادية والأضرار البالغة التي طالت المواطن السوداني جراء حالات التجريب والإرتجال . لم يحدثنا د.غازي عن نقده لتجربة حركته الإقتصادية وعرابها د. عبد الرحيم حمدي الذي يتباكي اليوم علي الانهيار الكبير لكل مناحي الاقتصاد ، ولم نقرأ للدكتور حرفاً حول التدري التعليمي الضخم الذي أحدثته ثورة التعليم العالي والتخريب المتعمد للتعليم الابتدائي والذي تبناه د. أبراهيم احمد عمر عبر التعريب والإهتمام بالكم وليس الكيف وأسلمة المناهج وفق فكر أحادي إقصائي ، ولم يفتح الله عليه بكلمة واحدة في مشروع التخطيط الإجتماعي لصياغة المواطن السوداني الذي طرحه علي عثمان محمد طه ونتائجه تفسخ النسيج الاجتماعي وطغيان القبلية والعنصرية البغيضة الذي مارسته حركة مهمتها توعية المجتمع وغرس قيم الفضيلة والخير وتعاليم الدين السمحة حسب المنفستو العالمي لها ، صمت عن إنتهاكات الحريات والحقوق والديمقراطية وتزوير الانتخابات وإشعال الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وغيرها من الملفات الحقيقية التي تستدعي نقدها ومراجعتها وإصلاحها ، كل ذلك وفي بالنا فجور د.غازي في الخصومة مع شيخه الترابي أبان إنقسام الحركة الاسلامية كان حينها يطلق سهامه من قوس السلطان ، كيف لنا أن نصدقه ؟؟ وهو جزء من كل سيئات التجربة فما الجديد ؟ أم هو تحدي عدم التبخر ؟؟.
هنالك تيار برغماتي وسط الاسلاميين يقوده د. امين حسن عمر واخرون، يري دعاة هذا التيار أن ليس من الامكان أبدع مما كان وأن الانقاذ قد أقامت مشروعها الحضاري والإصلاحي منذ العام 89 ، وأنها مستهدفة من قبل الدول الإستعمارية وأن الانقاذ اول ثورات الربيع العربي وأنها قامت بإنجازات عظيمة علي الرغم من المؤامرات والفتن وانها طبقت الشريعة الاسلامية لذا فهي قدوة ومثال يعتزي به . دعاة هذا التفكير يتجاهلون حركة التاريخ وشعارات واهداف الربيع العربي والياته المدنية الاعتصامات والتظاهرات وتمجيد ارادة الشعب وسيادة قراره وفق الحرية والديمقراطية وإنتخاب من يعبر عن مبادئ ومنجزات الثورة المتعلقة بالحريات والحكم الرشيد وإذ حاد عنها إستخدمت أليات التقويم والرحيل الديمقراطية ، ثورات الربيع العربي لم تنجز بإنقلابات عسكرية وتقويض سلطة ديمقراطية إختارها الشعب وسلبه حقوقه وحرياته ونهب مكتسباته . دعاة هذا التيار هم الجالسون الفعليين علي كراسي السلطة بالقصر الجمهوري أطلقوا هذه الدعوة للبقاء في السلطة ليس الإ . إصلاحهم متوهم ك(حجب ضوء الشمس بكف اليد) .
هذا واقع المجموعات والتيارات المتصارعة علي سلطة -الحركة والحكومة – والتي إتخذت من الاصلاح شعاراً لها وجعلت من مؤتمرها الاخير ميداناً للصراع والتنافس .
سمة ملاحظات عامة علي مسيرة الحركة الإسلامية تجعل من تحليلنا لصراع السلطة بدعاوي الإصلاح دليله وشواهده :
. أكثر ما نال من مصداقية الإسلاميين في السودان تلك الدغمسة التي نشأت نتيجة حالات التجريب والبحث المستمر للشرعية بعد الإدانة الواسعة للإنقلاب علي الديمقراطية . حدث خلط للأوراق بصورة غير مسبوقة ما بين الحكومة والحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني حتي صعب التمييز بين هذه الاوراق ، ففي مقابلة أجراتها شبكة المشكاة الإسلامية مع د. محمد وقيع الله عقب المؤتمر السابع للحركة الإسلامية قال ( أعتقد أن الحركة الإسلامية التي تقودها الدولة الإنقاذية في السودان هي حركة واسعة المدى وحركة تحول اجتماعي بمعناه الواسع، وهي الآن تؤسس مجتمعاً إسلامياً من كافة النواحي ثقافةً وأدباً وسلوكاً والمشروع الإنقاذي الإسلامي مشروع قوي وناجح وفاعل . إن الدولة الإنقاذية تقود الحركة الإسلامية فالأخيرة لا سلطان لها على الإنقاذ، ولا يوجد لديها خيار إلا أن تقوم بدعم الإنقاذ. هذا هو خيارها الوحيد ولذا فإن على منظري الحركة الإسلامية الصغار أن يكفوا عن لغوهم ومزاعمهم أن الحكومة والمؤتمر الوطني قد سلباها القياد، وعليهم أن يدركوا أن الحركة الإسلامية الحقيقية هي الحكومة وجيشها وقوات أمنها لا هم) إنتهي الإقتباس . وفي مؤتمر الحركة الاسلامية الأخير يطرح د.غازي صلاح الدين ذات القضية حيث يقول ( غلب على المؤتمر جدل قانوني تركز في مادتين من الدستور. كان جدلاً يمثل في حقيقته اختلافاً بين منهجين في النظر إلى دور الحركة الإسلامية. المنهج الأول كان يرى أن المؤتمر الوطني يغني عن الحركة، وأن قيام الحركة سيخلق إزدواجية مربكة، وأن المرجعيتين (الحركة والمؤتمر) ستتشاكسان وسينعكس تشاكسهما على الدولة، ويقول وقد عبر ذلك الرأي عن نفسه في وقت من الأوقات عبر مطالبته بتذويب الحركة في الحزب والحكومة تذويباً كاملاً. وأصحاب المنهج الآخر رأوا أن وجود الحركة حق أصيل ومؤسس في عقد إنشاء الجماعة، كانوا يتفقون مع أصحاب الرأي الأول في ضرورة ألا تتشاكس المرجعيات وألا يتخذ العمل من داخل الحركة وسيلة لمكاسب دنيوية تحصل من خلال التنازع مع السلطة. رأى أصحاب هذا المنهج أن الحركة ليست حزباً سياسيا وإنما هي حاضنة ومثابة يأوي إليها أبناؤها ليجددوا فكرهم وإيمانهم وليجدوا فيها القدوة الحسنة ويجدوا لديها القوة الأخلاقية التي تذكرهم بالمثل والقيم التي اجتمعوا عليها ( راجع مقال غازي الحركة الإسلامية تحرير الخلاف ) . وللدكتور إبراهيم غندور راي أخر مفداه أن الحركة الإسلامية ظلت تمارس العمل السياسي داخل المؤتمر الوطني منذ مفاصلة الإسلاميين مبيناً أن ذلك ينفي عنها صفة التغييب والتهميش، ونافياً عدم وجود أي تضارب بين صلاحيات الأمين العام للحركة وهيئة القيادة العليا. إذاً لم يحسم مؤتمر الحركة الاخير هذه الجدلية والإزدواجية وبذلك وضعها في مرتبة فوق القانون الذي يحكم تسجيل المؤسسات الدينية والثقافية والسياسية في ممارسة فاضحة لإختراق وتجاوز للدستور والقانون والذي كتبته ايدي الاسلاميين أنفسهم .
. مارست الحركة الإسلامية إقصاء ممنهج للأخر الديني والوطني طيلة فترة حكمها بل سعت لإلغاء الاخر وحكم السودان بعقلية احادية صارمة وبتنظيم عقائدي قابض مهمته التبرير لتصرفات السلطان والتعبئة الجهادية ضد الأخر مع إنغلاق كل قنوات الحوار التنظيمي الداخلي وتبادل الرأي والشوري ، هذا الكبت العقائدي بموجب ” طاعة ولي الأمر ” ولد المذكرات الألفية والإحتجاجات العلنية والأنقسامات المستترة وسخط أغلبية شباب الحركة الإسلامية والذي لا ينفصل عن حركة صراع الأجيال والتأثير بموجة ثورات الربيع العربي. فقد شربت الحركة الاسلامية تدفع من نفس الكاس الذي سعت أن تسقي به القوي السياسية السودانية .
. كثر الكلام من قبل قيادات الحركة الاسلامية السودانية عن تنسيق وتكامل أدوار مع التيار الاسلامي الصاعد للسلطة في دول ثورات الربيع العربي بل وصل بهم الامر إحياناً بالقول أن هذه الثورات تبنت مواقفها ومجتهدة لإستنساخ تجربة الإنقاذ كاملة . والمتابع للمشهد السياسي في هذه الدول يلاحظ وبوضوح أن مساعي إعادة الثورة في مصر وفي تونس لمسارها الصحيح قد قطعت شوطاً كبيراً ومتوقع ذلك في ليبيا الحرة ، لأن التيار الاسلامي فشل في إقامة نظام حكم ديمقراطي مدني وإنفاذ مطالب الشعوب في الحرية والكرامة والتنمية ، والإنجراف في براثن الغلو والإقصاء ويرجع ذلك بالاساس لإنعدام المنهج الاسلامي العصري الذي عصم التجربة التركية والأخذ بملامح التجربة الإنقاذية التي قسمت السودان وشوهت الإسلام وصدرت المشروع الاسلاموي لدول الخليج ذات الانظمة المستقرة نسبياً والتدين المعتدل فأصابتها عدوي التطرف والارهاب الديني .
. إن الحركات الإسلامية في العالم بلا إستثناء تعيش حالة فصام ما بين الفكر والواقع ، وتفتقد متوازنات التجديد والإصالة وذلك لان منطلقاتها في الغالب فقهية وليس فكرية ، وشكلت غياب تام في أواسط المد الاسلامي غير الناطقين باللغة العربية في أستراليا وأروبا وأفريقيا فهي بعيدة عن الحراك الاسلامي العالمي ومصنفة في خانة الضياع . وغفلت عن التغييرات الكبيرة التي جرت علي واقع التركيبة الدينية في عالمها العربي خاصة موازنة التصوف الاسلامي الحديث المتجاوز لفهم الاسطورة والقائم علي إشباع حاجات الفرد المسلم إشباعاً متوازناً بعيداً عن التقديس والتدنيس ، ومقاربة تيار الإعتدال والوسطية الذي يوفق ما بين حقوق الانسان والمواطنة وقبول الاخر كقيم لها مرجعيتها في الدين الحنيف والخصوصية الإسلامية من حيث المعاملات والعبادات. والحركة الاسلامية السودانية ليس إستثناء من هذا الضياع . ومن المعلوم بالضرورة أن بواعث واهداف الحركات الاسلامية صياغة وبناء المجتمع عبر التربية والتوعية والارشاد ولكنها ضلت الطريق وفقدت البوصلة فبدلاً الارتكاز علي المجتمع بهدف حكمه جاءت النتيجة هدم المجتمع وقيمه وأخلاقه وفشلت في حكمه .
. إن كل لأفتات الإصلاح المرفوعة من داخل أو خارج الحركة الإسلامية لن يكتب لها أي نجاح الا أذا خاطبت مشاكل وقضايا المواطن الاساسية المتعلقة بما أكله ومشربه وصحته وتعليمه وامنه ، والعمل علي تغيير حقيقي للنظام الإجتماعي والسياسي والإقتصادي ومحاربة الفساد ورفع المظالم وجبر الضرر وتصفية دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن اي تغيير في بنية المجتمع والدولة عبر عدالة إنتقالية تتوج بمؤتمر دستوري قومي لصناعة دستور البلاد الدائم الذي يحسم شكل الدولة ونظام حكمها وحقوق مواطنيها وسلطاتها وإقامة إنتخابات حرة ونزيهة لإختيار الشعب من يحكمه . هذا هو المخرج الذي يمكن أن يحافظ علي الوطن والدين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.