حيدر أحمد خير الله بعيداً عن شظايا الواقع السياسي المستعر، بين مذكرات من النيل الأزرق بإقالة اللواء الهادي بشرى .. إلى تشنجات الفجر الجديد ورغي وإزباد الحكومة .. وأزمات المعيشة تطحن فينا وتضرسنا .. ولا نجد ركناً يأوينا .. وباطن هذه الأرض قد أصبح أفضل من ظاهرها .. في أمسية العمر نسافر عبر مدن الترقب والإنتظار مرتحلين في مواكب الحيارى .. بعدما وهن العظم واشتعل الرأس شيباً .. وكتب على جنبات الدرب خطاوي الأشقياء .. وما يعتمل يرسل نوراً ينير الماضي والآتي، فهذا المسلك يشير إلى مسالك الأنقياء.. يتلاقى الصحب القلة والكثرة الغالبة تحتشد أمام هوانها وضيعتها كما التوابين على مرقد الحسين – علَّهم يتطهرون .. وتبقى جموع المحتشدين تنشد التحلل من بقايا الإثم وبغايا الفكر في إنتظار ما لن يأتي ولن يكون. في الإتكاءة تلك برزت كما نسمة في نهار قائظ.. تمشي الهوينا.. كما يمشي القرار المتسلط في الحواضر المقهورة حينما تعجز كل مفردات اللغة وأبجدياتها عن ان تقول كلمة من حرفين ( لا ) .. مرسل شعرها بطول عذابات امة .. تتناثر خصلاتها على الجبين العالي مثل أحلامنا المتحشرجة في موضع صنع الأحلام.. تمد أناملها.. تجمع الخصلات المبعثرة التي تحاكي حركتنا السياسية التي غابت يوم تقسيم غنائم التوحد. وكلما جمعت حفنة تناثرت حفنات فقدت القدرة على مقاومة هفيف النسيم.. فتتبعثر أكثر وتبعثرها يردد صداه تبعثر حركتنا السياسية التي لم تأت .. على عجل ولا على مهل وأكثر من ذلك ساعة تقسيم الإنجماع كانت من الغائبين .. أمرأة ممشوقة القد.. فتية.. خليط مؤنس تمتزج زنجية وعربية .. رؤيتها تزيح هموم البشر وتتساقط أوراق الشجر. ففيها كل مكامن السر وسر السر وسر الأسرار والسر المتجاوز، فكانت حلماً متواصلاً.. وتطلعاً نحو المرتجى لمآل البشرية تعرفها من سيماؤها أنها هي .. وأعرف أن الرباط المقدس يمر عبر شذى الحياة ولظاها (فبين بين) تتلاقى طرف هنا .. وآخر هناك.. وجسمُ هنا.. وقلب هناك.. وأنت يا ريحانة الآتي.. أخضر عودك .. ما يبس فينا .. يرطبه مرآك .. فالعالم المستعر والعذاب المستقر لا يسكنك .. نسيج وحدك تنسجين على مغزل الحياة ألحفة التحدي والصمود، فإن سكنت هذي الروح الحيرى عيناك لأنها البوابة المشرعة نحو السكون بلا استكانة فهي عين عرفت كيف تكون الدفء والحنو في صقيع الحياة .. ونسكنك بكل الأعاصير البائنة والمخبوءة .. وتحتوي منا كل الأعاصير.. وبراكين ظلت ترسل حمماً فينا حين تفور.. كانت ترسل ما يخرج من تنور.. نحن وإياك مسالك نور.. يا سيدتي : نهواك فقط .. فقد كان العمر بدونك محض قحط .. الوطن الكامن .. والحزن البائن والأسعار .. ومعونات الدول الكبرى .. وخلافات النخبة .. والتشاكس.. ومطامعهم ومطامحهم .. وكل سلوك يؤدي لفلوات هلاك .. حين نغشاك يحيا فينا كل موت ونبقى نخطو نتوثب .. نضحك .. نقول .. الآن أتت.. سترون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وسلام يا وطن