وسيمد منقو اليوم لسانه ساخراً “جاء من يفصلنا”، فافتش في دفاتر الأحزان، كي أجد من يقيم على جسد هذا الوطن “الممكون” سرادق عزاء بمقدار مليون خيبة، فيما أقلب في ذات الوقت صفحات أخرى، وأجد أنّ للقمر وجهين، فهناك وجه مشرق يضيئ الدرب الطويل لملايين السودانيين الجنوبيين اليوم، فهم سيذهبون في حبور ليعلنوا عن حريتهم، وفك الارتباط بمنظومة القهر والاستبداد، والتي لم تبق آليةً من آليات الموت المجاني، أو إعادة الانتاج، أو القهر لم تترك استخدامها حتى يستدام الفرح الكبير لدولة سماسرة الدين، والوطن، والوطنية. ربما حالي مثل حال المتشائل، وهي رواية ساخرة من تأليف الروائي الفلسطيني إميل حبيبي بطلها سعيد ابي النحس المتشائل، وهو من عرب فلسطين. واستخدم حبيبي كلمة مشتقة من التشاؤم والتفاؤل، وورد في تعريف الرواية في اليوكوبيديا “خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: من أنا؟ أمتشائم أنا أم متفائل؟. أقوم في الصباح من نومي فأحمده على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره منه لم يقع، فأيّهما أنا: المتشائم أم المتفائل، ووسط هذه الحالة أرفع صوتي عالياً كي أطرح السؤال المركزي لأهل الانقاذ؛ هل كنتم تتوقعون أن تصل البلاد إلى حافة التشظي، وأنتم تستولون على السلطة في الثلاثين من يونيو؟. وهل تفكرون في سؤال التاريخ وهو حين استلمتم؛ هذا الوطن بمساحة مليون ميل مربع، وحين نفقد ثلث المليون على أحسن الأحوال تفاؤلاً، أو ربما الثلث في حالة التشظي، أو ربما لا شيء؟. هل سنقول الحمد لله أن الثلثين لا يزالا تحت السيطرة، وهل إذا ما أخذت رمال دارفور المتحركة جزءً آخر، أو زمناً أخر، أو سفكت دماءً إضافية سنصرخ بطريقة المثل السوداني (المال تلتو ولا كتلتو؟). و ما هو حكم التاريخ؟. وكيف تنظر الأجيال المقبلة إلى من تشظى السودان في عهدهم؟. أم سنكتفي بالقول “أنّ الانفصال لن يُسقط الإنقاذ” !، في وقت سقطت فيه بعض ركائز أعمدة الوطن الكبير!. وأيهما اهم؟ بقاء الانقاذ؟ أم بقاء الوطن؟. ونقول؛ ما هو قولكم للتاريخ وأنتم حكمتم الناس بالحديد والنار، وضيقتم عليهم مساحة المليون ميل مربع حتى صارت أضيق من خرم إبرة؟ ونزح بسببكم في أزمنة النزوح ملايين الناس في أرض الله الواسعة بما في ذلك دولة اسرائيل التي كتب على جواز سفرنا عدا إليها؟. و للسودانيين الجنوبيين أن يفرحوا اليوم لتقرير مصيرهم، ولهم كامل الحرية في الاختيار، لكن في ذات الوقت أقول لهم ربما تأخذنا العواطف الجياشة نحو الدولة الجديدة، لكن عليكم أن تتذكروا أن الشمال ليس وحدة واحدة، ففيه الديكتاتور، وفيه المناضل، والجلاد، والضحية، والمتورم الأوداج عنصريةً، وذاك الذي يريد منا أن نكون في أزمنة العباس، وقرون سابقة، لنعيش الحداثة فوق ظهور الجمال، وهناك كذلك عاشق الحرية، ومع الشمال لكم تاريخ طويل منذ آلاف السنين، في أزمنة كوش المغيبة بين مفردات المشروع الحضاري الأكذوبة، وحتى بسالة عبد الفضيل وعبد اللطيف، وما بذروه من بذور على ضفتي النهر هنا وهناك، نعم هو تاريخ بين دماء ودموع، لكنه أيضاً حضارةً ونيل عظيم، ومصالح مشتركة. وفوق ذلك مشروع “السودان الجديد” ومؤسسه العظيم الدكتور جون قرنق، فهو لم يكن انفصاليا؛ مع تأكيده من نظرة واقعية لإمكانية تحقق هذا الخيار، حال إصرار المركز على هضم الحقوق، وتهميش الآخرين. وعليكم أن تتذكروا أيضاً أن الشمال ليس كله جحيم، وقد لا يكون الانفصال هو “النعيم، حيث ستقوم دولة جديدة لها تحدياتها، ولها مشاكلها، وحذاري وهناك من يسعى لتفتيت النسيج الاجتماعي مثلما فعلوا مع الشمال، وهناك من يسعى لإقصاء الآخرين بعد أن تفوت “السكرة وتأتي الفكرة”.. ولذلك نأمل في أن يكون اختيار اليوم التاريخي هو ترتيب جديد لعلاقة تقوم على أسس جديدة مع الشمال، ولو في المستقبل، لأنّ الانفصال سيكون في غالب الأمر ” انفصالاً سياسياً”، لما بيننا من وشائج تبقى ما بقي نهر النيل العظيم، والأهرامات، والهرم الكبير دكتور جون.