أصبح السودان بعد الانفصال دولة ذات واقع جديد ومعطيات وتعقيدات وتحديات جديدة، كما أن مستقبله الاقتصادي غير واضح المعالم وأفرز هذا الواقع وضعاً اقتصاديًا متأزمًا وغير مستقر ربما يطول أمده في حال عجز السياسات الاقتصادية التي وضعتها الحكومة عن إحداث أي تغيير مؤثر في مواجهة تحسن الأوضاع الاقتصادية في السودان، وعلى الرغم من طرح عدد من خطط وبرامج التنمية التي تهدف بشكل رئيسي إلى إحداث تغيير جذري في بنية الاقتصاد السوداني، في إعادة توظيف واستغلال موارده المتنوعة بكفاءة إلا أن تلك الخطط فشلت في تحقيق نتائج واضحة في تحقيق الاستقرار خاصة البرنامج الثلاثي مرورًا بالإجراءات الإسعافية، وأمس أعلن والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية الإسعافية لمواصلة إنفاذ مشروعات التنمية ويبقى السؤال كيف يتعافى الاقتصاد مستقبلاً ومواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية القائمة حالياً والسؤال المحوري الذي نطرحه ما هي التصورات حول مستقبله على ضوء الواقع الجديد الذي أفرزته تلك السياسات من منظور السياسة الاقتصادية.. (الإنتباهة) أجرت استطلاعًا مع عدد من الخبراء لمعرفة النتائج الموقعة في سبيل تحقيقها وما هو الجديد في تلك الخطط.. فإلى تفاصيل الاستطلاع: لعل حديث الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب غير مطمئن للوضع الاقتصادي الذي وصفه بأنه في حالة انهيار كامل وقال: لا يمكن عمل حزم أو إصلاحات التي أكد أنها إجراءات ورقية فقط، مطالبًا بوضع خطة شاملة كاملة، كما انتقد بوب لدى حديثه ل (الإنتباهة) أمس سوء الإدارة الحالية، مؤكدًا أنها غير مؤهلة في وضع الخطط وتنفيذها، مشيرًا إلى أن هنالك عددًا منها وضعت وتم الإعلان عنها إلا أنها باءت بالفشل وأضاف أن الحلول تكمن في تغيير السياسات والإدارة وأرجع بالقول إن الوقت مضى على أي برنامج إصلاحي وما تبقى اليوم فناء الاقتصاد أو الإصلاح الكامل. وفي ذات الاتجاه سخر الخبير الاقتصادي د. محمد إبراهيم كبج من خطة البرنامج الإسعافي قائلاً: لم يكن منتجه كما هو متوقع وأضاف عندما قررت ميزانية العام 2013م وجاءت الصحف بصورة وزير المالية مبتسمًا ولكنه قال يبدو أن الابتسامة لم تدُم طويلاً، لافتًا إلى أن ميزانية هذا العام التي ارتفعت إلى 23 مليار جنيه هي أقل في قدرتها الشرائية من ميزانية العام السابق التي أنفقت فيها 18 مليار جنيه، مبينًا أن ما يجري من ارتفاع في سعر الدولار إلى 6 جنيهات مقابل الدولار أدى إلى انخفاض في قيمة العملة المحلية يعني أن 23 مليار جنيه بميزانية العام 2013 تساوي أقل من 12 مليارًا في العام السابق، مؤكدًا أن العام الأول للبرنامج الإسعافي في 2012م كانت صادرات السودان ما يزيد عن 3 مليار و677 مليون دولار وعلى النحو الآخر كانت قيمة الواردات تساوي 7 مليار و700 مليون دولار مما يعني أن الميزان التجاري لغير صالحنا بمبلغ يزيد عن 4 مليار دولار ومن بين هذه الصادرات 58% منها صادرات الذهب، مبينًا أن بنك السودان يقوم بشرائها من القطاع المحلي من المنتج الأهلي بالأسعار العالمية وبالمقابل بسعر الدولار بالسوق الأسود وهذا يعني أن الدولارات جاءت من توظيف الذهب ولم تكن بالسعر الرسمي، وأضاف يجب أن يقوم بنك السوق مباشرة للشراء من السوق الأسود كما يفعل بقية المستوردون، وأشار إلى أن عائدات البترول في السابق كانت تذهب لإيرادات الحكومة في الميزانية؛ لأن البترول ملك للحكومة في حين أن الذهب ينتجه الآخرون هذا يشير إلى أن هنالك شحًا في الإيرادات من العملات الحرة مما يؤكد أن البنك المركزي يعاني كثيرًا من العملات وهذا يؤكد عدم مقدرته على منح أي دولار لاستيراد الدواء أو غيره.. وأكد مراقبون أن الإجراءات الإسعافية ليست كفيلة بمعالجة التردي الاقتصادي؛ لأنها في مجملها ستؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار مما قد يضاعف من معدل التضخم، وهذا بدوره سيؤثر سلبًا على المؤشرات الاقتصادية الرئيسة التي هي في حالة تراجع أصلاً.. ستظل معدلات التضخم في مستويات عالية، مما يعني أن عملية الإصلاح لتحريك الاقتصاد ستظل مؤجلة إلى مرحلة لاحقة ستكون أصعب وأكثر تعقيدًا من الوضع الاقتصادي الراهن، الأمر يتطلب إعلان حالة طوارئ اقتصادية في البلاد.