"روشتات " صندوق النقد الدولى " موجعة وشر لابد منه " للدول النامية " خيرات" الذهب الاسود غيبت عن المخططين كيفية تحريك الموارد الكبيرة لتطوير القاعدة الانتاجية والتصديرية اطلق صندوق النقد الدولى " روشته وصفات جديدة " للسودان ممتدحا الاجراءات التقشفية الاخيرة التى بدء فى تطبيقها على الارض مطالبا بمزيد من اجراءت " شد الاحزمة " من بينها تعزيز المظلة الضرائبية وادخال شرائح جديدة بهدف التغلب على فاقد ايرادات النفط بعد انفصال الجنوب واغلاق ابار البترول التي تمت بصورة مفاجئة عطلت الكثير من مفاصل الحياة الاقتصادية . وانتقد الصندوق بشدة دعم الدولة للوقود ومشتقاته وقال ان 60% من الدعم كان يذهب الى 40% من شريحة الاغنياء مبشرا بان الاجراءات التقشفية ستأتى اؤكلها خلال عام من التطبيق الصارم لسياسات التقشف ...ان الكثير من الدول رفضت نصائح "الصندوق " لانها تقود الى المزيد من المعاناة المعيشية للسواد الاعظم من السكان خاصة من الطبقة الوسطى وذوى الدخل المحدود . ويرى العديد من خبراء الاقتصاد أن ظروف واوضاع اقتصاد كل دولة هى التى يجب ان تحدد السياسات الاقتصادية على المدى القصير والبعيد .. فقد رفض الخليجيون نصيحة تقدم بها مدير "صندوق النقد الدولي " اقترح فيها عليهم اتباع سياسة نقدية تواكب ربط عملاتهم مع العملة الأميركية ( الدولار ) . وجاء الرفض على لسان محافظي البنكين المركزيين السعودي والعماني اللذان شددا على أن من يحدد هذه السياسات هو الوضع الاقتصادي المحلي للدولة وليس "الصندوق " . ان السودان يمر حاليا باسوأ حالات الركود الاقتصادى ونكد المعيشة بسبب التدهور الكبير فى قطاعات الانتاج الرئيسية .. الزراعة والصناعة والاعتماد على عائدات سلعه ناضبة ومتقلبة فى الاسواق العالمية محكومة بالمزاج السياسى الدولى والطلب والعرض والمصالح الاقتصادية المتارجحة .. وقد كان الخطأ الاكبر هو ربط موازنة دولة ما زالت تحبو في ميدان الذهب الاسود بسلعة ( تقدر عوائدها بين 7 الى 11 مليار دولار سنويا ) وهى متقلبة ناضبة لايمكن التحكم فى اسعارها وتقع اصلا في مناطق التماس ونزاعات ... فخروج النفط من مظلة الموازنة وكان يشكل 7% من الناتج المحلى للسودان و45% من الايرادات و32% من الميزانية واصاب الاقتصاد السودانى فى مقتل حيث تدهور سعر صرف الجنيه السودانى الذى وصل لعتبة 7 جنيهات للدولار مما ادى لضغوطات فى النقد الاجنبى وارتفاع فى التضخم لاكثر من 42% مما رفع من تكاليف المعيشة للسواد الاعظم من المواطنين حيث يعيش اكثر من 46% منهم تحت خط الفقر .. وقفز باسعار الوقود بنسبة 60% والسكر ب 40% والغاز المنزلى ب 26% ويبدو ان " خيرات" الذهب الاسود غيبت عن المخططين والخبراء في كيفية تحريك تلك الموارد الكبيرة لتطوير القاعدة الانتاجية والتصديرية للقطاعات التى يملك السودان فيها على ميزة نسبية وهما القطاع الزراعى والصناعى المرتبط بالتصنيع الزراعى والقطاع الحيواني والخدمات اضافة الى قطاع التعدين الواعد . وتشير بعض التقارير بان تدهور المناخ الاقتصادى والاستثمارى والصرف الحكومى البذخى والفساد واقتصاد الحرب والتسيب الادارى والبيروقراطية تسبب فى هروب اكثر من 13 مليار دولار من اموال السودانيين الى مصر واثيوبيا وماليزيا ودول اخرى الى جانب عرقلته للعديد من المشاريع الاستثمارية الاجنبية والخليجية والعربية التى تواجه بعقبات البيروقراطية الكبيرة فى التنفيذ على ارض الواقع . د على محمود وزير المالية السودانى حدد مرتكزات الخطة الاسعافية للموازنة المعدلة بزيادة الصادرات وإحلال الواردات وخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 25% ودعم القطاعات الإنتاجية واستمرار تنفيذ البرنامج الاسعافي وفق خطة واضحة المعالم ، والاهتمام بالشرائح الضعيفة في المجتمع وفى ظل هذه الضغوطات الاقتصادية الهائلة وهي روشتات محلية لا تجد كل الترحيب بالداخل المتململ من ضغوطات المعيشة والمكايدات السياسية .. وفي اعتقادنا انه من الضرورى الوصول الى اتفاق بين دولتي السودان خاصة فى مجالى رسوم عبور النفط وتكريره لان ذلك يوفر نحو 3 مليار دولار سنويا للحكومة السودانية الى جانب تنشيط التجارة بين البلدين حيث يستورد الجنوب اكثر من 170 سلعة من السودان ستسهم فى تنشيط التجارة وتحريك انشطة القطاع الخاص بينهما .. كما ان الجهود المبذولة حاليا لتطوير قطاع التعدين يتوقع ان يدر للحكومة بين 500 مليون الى مليار دولار سنويا تدخل لمظلة ايرادات الدولة الى جانب استكشاف المزيد من ابار النفط وزيادة الانتاج الى اكثر من 180 الف برميل العام الجارى سيعزز موارد الدولة بالعملات الصعبة اضافة الى تحسين اداء القطاع الزراعى والحيوانى خاصة وان الخريف هذا العام يبشر بوفرة فى انتاج الحبوب والمحاصيل الغذائية والاعلاف الى جانب حسن ادارة الاقتصاد والسياسة التقشفية الحالية ان احسن ضبطها يمكن ان تساهم فى تحسين اداء الاقتصاد الوطنى و المستوى المعيشى للموطنين واستقرار الاسعار والسيطرة على التضخم مما ينعكس على استقرار سعر الصرف فى فترة وجيزة وخلق توازن تنموى واجتماعى حقيقى وتقليص الفوارق الاقصادية الحالية بين المركز والولايات وبين الاغنياء والفقراء المطحونين . بعثة صندوق النقد الدولي وصفت الإجراءات التي اتخذتها حكومة السودان فيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة وتعديلها ب "الإجراءات الشجاعة " وأشار رئيس البعثة "إدوارد الجميل "إلى أن الاقتصاد السوداني يجابه تحديات كبيرة بعد انفصال الجنوب وخروج النفط من الإيرادات العامة .. ويرى العديد من الخبراء ان الاصلاحات الاقتصادية مطلوبة لفائدة تصحيح مسار الاقتصاد السوداني ، خاصة فيما يتعلق بضغط الإنفاق العام وكبح النظام الإداري والتقليل من مصروفات الدولة المترهلة . أن رفع الدعم عن السلع والخدمات بصورة عامة فى إطار سياسة السوق الحر .. أمر واقعي تنتهجه غالبية الدولة لانه يعزز من واقعية الاقتصاد ويعطي صورة حقيقية لاداء الاقتصاد الكلى بعيدا عن " الفيتامينات الحكومية " . ان "روشتات " صندوق النقد الدولى " موجعة وشر لابد منه " بالنسبة للدول النامية لان الصندوق مؤسسة مالية دولية تعتبر مرجعية هامة وشهادة الصندوق ضرورية لانها المدخل الاساسى للاسواق الدولية والمقترضين للحصول على المساعدات المالية والفنية والتواصل مع المجتمع الدولى والمؤسسات المالية الكبرى والاقليمية ... ومعروف على نطاق واسع أن العديد من الاقتصادات الصغيرة في العالم لا تمتلك الموارد اللازمة لحفز الطلب من أجل تقليص انكماش الناتج في مواجهة العواصف التي تهب عليها . ومنذ نحو ستين عاما مضت، أنشأ العالم "صندوق النقد الدولي " بهدف مساعدة الدول على التصرف في مواجهة التقلبات الدورية التي تواجه اقتصاداتها. ولكن معظم الدول لا ترغب في استخدام روشتات الصندوق " الملتهبة والحارقة " إلا كملاذ أخير.. وهو مايحدث فى السودان حاليا .. والسؤال المطروح هل تكون تلك المعالجات الاخيرة للخروج من مسلسل الازمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة فى السودان .. نأمل ان يكون ذلك اخر الحرائق التى تحاصر خاصرة ذلك البلد الملىء بالخيرات والمتوجع انسانه من ضغوطات المعيشة وهو يمشي وتحت ارجله الثروات الدفينة .. حسن ابوعرفات صحفى مقيم بقطر [email protected]