بقلم: جابر عصفور : أعتقد أن التخلف الملازم لثقافتنا السائدة هو سر كوارثنا وتراجعنا المستمر حتي عن الخطوات الحضارية التي دفعتنا إلي الأمام, في الزمن الذهبي لليبرالية المصرية, حيث حققنا من الإنجازات, علي كل المستويات وفي كل المجالات, ماجعل مصر رائدة النهضة العربية وقائدة التقدم العربي. فكانت مظاهرة هدي شعراوي ضد الاحتلال البريطاني, في مارس1919, المظاهرة النسائية العربية الأولي في القرن العشرين, وقبلها كان إنشاء الخديو إسماعيل, بتأثير من زوجه, المدرسة السنية للبنات أولي المدارس العامة للبنات في العالم العربي, وذلك بالقدر الذي كان اتحاد النساء المصريات وانضمامه إلي اتحاد النساء العالمي, سنة1923, أولي السوابق العربية في مدي التنظيمات النسائية العربية, وقس علي ذلك الجامعية الأولي والمحامية الأولي والوزيرة الأولي. إلخ ولكن للأسف اجتمعت عوامل أدت بثقافتنا المصرية العربية إلي الانحدار المستمر, فانهارت مكانة مصر الثقافية, وشاعت فيها ثقافة التخلف التي لاتزال تقتطع من مساحات ثقافة التقدم التي أصبحت غريبة مقموعة في بلادنا, فأصبحنا نري أشكالا من التمييز ضد المرأة, والعداء للفنون, ورفض الآخر, والاحتقان الطائفي, تسير في موازاة الكوارث الاقتصادية, وعوائق الحريات الفكرية والسياسية, ولذلك لم يكن غريبا أن يجمع ثلاثمائة وسبعة عشر مستشارا في مجلس الدولة علي رأي سلبي في تعيين المرأة بالمجلس نفسه الذي حكم, منذ أكثر من خمسين عاما, بتعيين المرأة إلي جانب الرجل. وكم أود أن أرسل التحية للمستشار أو المستشارين اللذين رفضا أن ينصاعا إلي رأي الجماعة. هذه الثقافة المعادية للمرأة عميقة الجذور في تراث التخلف العربي, متأصلة في الفكر السلفي الذي شاع في أزمنة الهزائم الكبري, فأنتجت ثقافة التمييز المعادية للمرأة. ويعني مصطلح التمييز في هذا السياق: أي عمل أو فكر أو موقف يؤدي إلي إيذاء المرأة علي نحو مباشر أو غير مباشر في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية…إلخ, فالتمييز هو موقف ضد المرأة ينطوي علي تفرقة أو استعباد أو تهوين من شأنها, وازدراء لها, أو استخفاف بها في أي مجال. وتشجب الدول المتحضرة هذا التمييز, وقد صاغت الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز التي أصدرتها الأممالمتحدة, ووقعتها مصر, واعتمدتها قانونا في البلاد, لكن هذا علي الورق ونظريا فحسب. فالثقافة المتخلفة السائدة في مصر أقوي من القوانين والدساتير والاتفاقيات الدولية لأنها مترسخة, ثابتة, في وعي الناس الذين عاشوا عليها, وتوارثوها إلي أن أصبحت بعض وعيهم, متحجزة في لاشعورهم. وأعتقد أن هذه الثقافة هي التي دفعت هذا العدد الضخم(317) من مستشاري مجلس الدولة إلي رفض تعيين المرأة قاضية. وكانوا في موقفهم هذا متسقين مع هذه الثقافة التي يتزايد شيوعها في مجتمعهم, وتزيدها رسوخا وسائل إعلام رسمية وغير رسمية, وجماعات دينية متطرفة في سلفيتها, وتقاليد اجتماعية معادية للمرأة, منحازة إلي الرجل, وموروثات شفاهية تدني من شأن المرأة بالقياس إلي شأن الرجل, ولذلك فإن الرجال قوامون علي النساء بحكم ذكورتهم لابحكم ماأنفقوا. والمرأة عورة, ناقصة عقل ودين, مصدر الغواية والفتنة التي لايفارقها الخوف وسوء الظن بها, وهي نصف رجل بدليل أن شهادة امرأتين توازي شهادة رجل واحد.. وطبيعي, والأمر كذلك, أن نقرأ في المعاجم القديمة أن الأفن هو النقص الملازم للنساء, وقلة العقل أو اختلاله, ولاأدل عليه من الحديث المنسوب إلي علي رضي الله عنه: إياك ومشاورة النساء, فإن رأيهن إلي أفن وهو ضعف الرأي والحمق. ويقال أفن الرجل لا المرأة, لأن المرأة بطبعها ناقصة عقد ودين. هكذا نقرأ في تلبيس إبليس لابن الجوزي, وهو من أعلام المذهب السلفي و ماينقله عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قوله: مابعث الله نبيا إلا ويأمل إبليس أن يهلكه بالنساء, وهو قول يدعمه نزوع معاد للمرأة, يؤكده ماينقله ابن الجوزي كذلك من حديث حسن بن صالح الذي قال سمعت الشيطان يقول للمرأة: أنت نصف جندي, وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطيء, وأنت موضع سري, وأنت رسولي في حاجتي. وما أكثر مانجد في كتب التراث السلفي( التي ينهل منها فكر الإخوان المسلمين المعاصرين) فصولا في ذم المرأة, وذلك مثل كتاب ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار لإسماعيل ابن نصر السلاحي المعروف بابن القطعة. وعنوان الكتاب واضح الدلالة علي مافي غيره من الأقوال المعادية للمرأة. ولايفوتني التنبيه إلي كلمة الأخيار التي يشير تذكيرها إلي الرجال عموما مقابل صفة الأشرار التي تلاصق النساء تخصيصا. ولذلك ذهب البعض إلي تحريم تعليم المرأة كما فعلت طالبان, استنادا إلي ماروي من حديث يقول: لاتعلموهن الكتابة ولاتسكنوهن الأعالي لأن تعلم المرأة الكتابة قد يدفعها إلي مراسلة ممن هو محرم عليها, وسكنها في الأعالي قد يتيح لها أن تنظر إلي مالاينبغي لها النظر إليه. ولذلك تواترت الروايات عن تحريم حرفة الكتابة علي النساء. واستحرم البعض أن تكتب الشعر, وروي عن جرير الشاعر الأموي أنه سمع شعرا فسأل عن قائله: فقيل امرأة فلان, فقال: إذا زقت الدجاجة زقاء الديك فاذبحوها. وهو قول مأثور, يتجاور مع عشرات غيره من الأقاويل التي تجزم بتحريم مهنة الكتابة بكل أنواعها علي المرأة. وذلك قال السلمي الشاعر: ما للنساء وللكتابة والعمالة والخطابة؟ هذا لنا ولهن منا أن يبتن علي جنابة والكتاب( أي الوظائف الكتابية وأعلاها الوزارة) محرمة علي النساء في التراث السلفي تحريم العمالة أي وظيفة الوالي ومافي حكمها, والخطابة معروفة, فهي نوع من القيادة التي لاتجوز لناقصة عقد ودين. وهي عورة في صميم وجودها وما أكثر الأقاويل التي تشبه ذلك في التراث الذي يضم كتب أبي حيان التوحيدي التي نقرأ فيها: إن المرأة تلقن الشر من المرأة, كما أن الأفعي تأخذ السم من الأصلة( وهي أخبث الحيات وأشدها خطرا). ووصل الأمر إلي حد الرواية عن عمر بن الخطاب أنه قال في حق النساء: استعينوا عليهن بلا, فإن نعم تضريهن في المسألة وفي رواية الأبشيهي: أكثروا لهن من قول لا, فإن نعم تضريهن علي المسألة. ويشبه ذلك القول: شاوروهن وخالفوهن ويبدو أن سياسة مجلس الدول هي: أكثروا لهن من قول لا, فإن نعم تضريهن, أو تشجعهن, علي المسألة أي تزيدهن إلحاحا في المطالبة بحقوقهن, ولذلك فقمع المسارعة بالرفض أليق بمطالب ناقصات العقل والدين. وقد نسب المؤلفون السلفيون القدامي إلي الشيطان قوله سهمي الذي إذا رميت به لم أخطيء النساء. ولماذا نذهب بعيدا, وقد قرأنا, صغارا, الأبيات التي تبدأ بها حكايات ألف ليلة. لاتأمنن إلي النساء ولاتثق بعهودهن يبدين ودا كاذبا والغدر حشو ثيابهن بحديث يوسف فاعتبر متحذرا من كيدهن أو ماتري إبليس أخرج آدما من أجلهن هذه هي الثقافة التي تغلغلت في موروثنا السلفي, والتي ورثناها من عصور الانحطاط, وتروج لها ولاتزال, أدوات وجماعات, تريد أن تعود بنا إلي عصور الانحطاط مرة أخري, فتدفعنا إلي الإيمان بأن المرأة عورة لابد من تحجيبها وتنقيبها, وليس من الغريب أن ترفض بعض لجان مجلس الدولة قرار منع الطالبة المنتقبة من دخول الامتحانات, وهو أمر لاينفصل عن ثقافة متجذرة معادية للمرأة, لاتكف عن محاصرتها برفض كل ماتريد, حتي لاينتشر شرها, فلم يخلقها الله, في ثقافة التخلف, إلا بكي تكون متاعا لنا نحن الرجال الأخيار, والعاقل من قمع النساء الأشرار بطبعهن. ونزعم مع ذلك أننا نريد أن نتقدم, ويكون لدينا مجلس قومي للمرأة, وسفيرات ووزيرات وقاضيات, فليخسأ من يقول ذلك من أصحاب البدع والضلالات التي يطلقون عليها اسم التنوير, وهم ليسوا سوي مبتدعين ضالين, مصيرهم النار وبئس المصير. وهذا مايقوله بعض خطباء المساجد الذين سمعتهم بأذني, ولعلكم استمعتم إليهم مثلي, فاتعظوا يا أولي الألباب!!!!