كلمة عماد الدين عمر الحسن كلمه في حق الراحل مصطفي سيد احمد في مثل هذا اليوم قبل عشرون عاما تنحي عن صهوة جواده فنان شامل ، كامل الانسانية ، مرهف الاحساس ، عظيم الموهبة والامكانات ، هرم شامخ في عالم الفن والمفردة المتفردة ، انه الاستاذ الراحل المقيم مصطفي سيد احمد . مصطفي للذين لايعرفونه عن قرب كان غني الدواخل وبسيطها في نفس الوقت ، وهذا في حد ذاته نوع من الابداع و تجمع الاضداد في داخله ما صنع منه فنان شامل بمعني الكلمة ، كان يكتب ، ويلحن ، ويعزف ، ويغني ، كان رساما بارعا يرسم بالفرشاة بنفس روعة رسمه بالكلمات . من بين الملايين من عشاق الاستاذ كنت من ضمن قليلين اعجبوا به منذ بداياته في مدينة بورتسودان وهو يتغني في جنينة البلدية ب ( السمحه قالوا مرحلة ) و (غدار دموعك ) ثم تعرفت عليه بعد ذلك عن قرب عندما كان يعمل بمعهد اعداد المعلمين ثم بعد التحاقه بمركز الخرطومجنوب وهي مرحلة ما قبل الانتشار والغناء الثوري عندما كان يتغني ب ( بلابل الدوح ) و ( تقول لي الفراق مكتوب ) ثم كانت بعد ذلك الايام المفتوحه بجامعه القاهرةبالخرطوم وهي ايام زادت من تعلقنا بفن الاستاذ وأعماله الراقية – يراقصني عجاج البحر ترعد داخلي الامطار ، من بعد ما عز المزار ، واقف براك وغير ذلك من الدرر . الراحل مصطفي لم يكن فنانا عاديا بكل المقاييس ، بل كان ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلا ، وموهبة يندر أن يجود بمثلها الزمان ، ومع احترامنا الكامل لكل معجبي ومحبي الفنان الراحل محمود عبدالعزيز والذي شارك مصطفي في الزخم الجماهيري والتعلق به ، وبانسانيته المشهود له بها ، ولكن مصطفي تميز بتفرد الكلمات وانتقاءها ، كما تميز بقدرته الفائقة علي تلحين و اداء الصعب من الاعمال ، وقد قالوا عن مصطفي أنه يستطيع أن يلحن حتي الونسة العادية ويغنيها ويشهد علي ذلك تغنيه بالروائع ( عم عبدالرحيم ) و ( عمنا الحاج ود عجبنا ) ، بينما تظل قصيدة مريم الاخري والمجدلية تحديا عظيما وعمل متكامل وأداءا يستعصي الا علي صاحبه . الراحل مصطفي يعتبر مدرسة قائمة بذاتها في تاريخ الغناء الرمزي السوداني ، حتي في اغاني الغزل وتشبيه المحبوبه فهو يأتي بمفردات جديده علي المستمع ، فالمحبوبه المتفرده هي ( البت الحديقه ) دون اسهاب في الوصف التشريحي للانثي كما في السابق ، وفي وصف العيون فهي ضجة الشوق والهواجس وريحة الموج وغير ذلك من التشبيهات الرائعة البليغه . مصطفي من بين فنانين قلائل لم يستطع الاخرون تقليده ، وان تشابهت طبقات صوت بعضهم مثل الاخ عاطف ونيس ، ولكن حس ولون مصطفي في الااء لايمكن تقليده فأعماله لاتؤدي باللسان بل بالمشاعر ،و لاتسمع بالاذان بل بالقلب ، ونبراته التي تخلط بين الحزن والامل والفرح في بعض الاحيان يصعب جدا مجاراتها . الراحل مصطفي كان يحترم جدا أعماله ويعيشها بصدق ، واذكر حين مشاركته في مهرجان الثقافه في بداية الثمانينات من القرن الماضي أنه جاء في المركز الرابع خلف عثمان الاطرش وعزالدين عبدالماجد والامين عبدالغفار علي التوالي ،وحينها واجهت لجنة التحكيم بالمهرجان هجوما عنيفا ونقدا متواصلا بسبب الواعد – حينها – مصطفي سيد احمد ، وأحقيته بالمركز الاول ، فدافعت عن نفسها بأنه كان يغني دون أن يتحرك أو يتفاعل مع الاغنية ، ولا أنسي رد الاستاذ علي ما جاء من اللجنة حين قال : المشاركة كانت باغنية الشجن الأليم فكيف يطالبوني بأن ارقص وأنا اغني الحزن . رحل صاحب الروائع – تعالو نطوف علي المدن البقت اشباح ، ياسر مكتوم في جوف اصداف ، مطارات الوداع ضجت ، وخلف وراءه ثروة من اعمال متفردة تغني للوطن ، وللجوعي ، وللفقراء وللحرية للقري والمدن ، وتغلغل صوته في دواخل وجدان الشعب السوداني ، رحل مصطفي ولن تستطيع كل الكلمات أن توفيه حقه ولا ان توصف قدره ، رحل وسيرته باقية وصوته بيننا كذلك ، فالعظماء فقط هم الذين يمضون وتبقي سيرتهم بين الناس ، وكما قال امير الشعراء احمد شوقي : وقد يموت كثير لاتحسهم وكأنهم من هوان الخطب ما وجدوا ..