*ويسمونها دومة ود صالح نسبة لإعرابي كان يسكن تحتها في قديم الزمان.. *وقيل إنه كان اسماً على مسمى…أي صالحاً.. *والاسم يشابه – لحد ما – دومة أديبنا الطيب صالح الشهيرة.. *ونُسجت حولها الحكايات… والروايات….. و(الرايات).. *والأخيرة هذه – بين القوسين – كان نسجها حقيقياً بقطع أقمشة مختلفة الألوان.. *بعضها دمور… وبعضها دبلان… وبعضها بوبلين.. *فما من شبر في جسد الدومة إلا وفيه طعنة منجل… أو ضربة سكين.. *والطاعنون والضاربون هؤلاء جميعهم عاشقون.. *وكانوا يفعلون ذلك بوحي من تأثير خرافة قديمة عن (ربط المحبوب).. *فببركة ود صالح يُربط قلب المعشوق بقلب العاشق.. *تماماً مثل ربط القماش ببعض الشجرة التي ليس وراءها سوى الخلاء.. *وكانت سيرة العرسان تلف حول الدومة أيضاً.. *ثم تُلف قطعتا قماش من ثوبي العروسين حول أي جزء منها.. *وذلك حتى (يرتبط) الزوجان ببعضهما… حتى الممات.. *وظلوا يفعلون ذلك حتى بعد أن حل بكري رباطه بعروسه بعد شهر من (الرباط).. *وفي يوم فُوجئ أحد زوار الدومة برباط جلدي.. *كان حزاماً جلدياً من شاكلة الذي يربط به الأساتذة – والأفندية – بنطلوناتهم.. *ولاحظ وجود اسمين عليه بخط دقيق؛ علي…. وعلية.. *وسرى الخبر في أنحاء البلدة سريعاً… بما أنه كان (رباطاً) غير مألوف.. *خاصةً وأن الاسم الثاني كان معروفاً جداً… بعكس الأول.. *فما من فتاة في البلدة كلها تحمل هذا الاسم سوى ابنة (الكبير) الصغرى.. *وفوق ذلك كانت أشهر فتاة في البلدة بجمالها الغض.. *أما اسم علي فلم يكن يحمله سوى أستاذان…… وأفندي.. *أستاذ في المرحلة الابتدائية… والثاني في الوسطى… والثالث أفندي في المجلس.. *ودارت حولهما الشبهات مثل دوران (السيرة) حول الدومة.. *ثم انتبه البعض إلى أن هنالك رابعاً يحمل الاسم ذاته حل في البلدة حديثاً.. *كان صديقاً لشقيق وكيل البوستة… وقدم لحضور زواجه.. *ولم تأخذ تحريات رجال (الكبير) معه طويل زمن حتى أقر بفعلته.. *وقال إنه شاهد علية… وأحبها… وأراد (ربطها).. *أراد ربطها على عادة أهل البلدة….. ولم يجد سوى حزام بنطلونه.. *وجيء به إلى (الكبير)… واستمع إليه… وأطلق سراحه.. *وفي المساء سمع عبدون (العربجي) أنيناً من جهة الدومة… فتملكه الرعب.. *ثم قاوم مخاوفه وأتى نحوها… وفانوسه يرتجف في يده.. *فشاهد شخصاً (مربوطاً) إلى جذعها… ودماء سياط تسيل على وجهه.. *ولم يكن سوى علي؛ بدون بنطلون… ولا حزام.. *وضحى اليوم التالي سرى خبر آخر في البلدة….. لا يقل غرابة.. *فقد عُثر على رباط (أنثوي) في الدومة… لأول مرة.. *وقيل إنه يخص واحدة من (علية القوم !!).