في توقيت عده الكثيرون بالمفاجئ أعلن زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، الاستجابة لنداء الكثيرين من عضوية حزبه بالمشاركة في الاحتجاجات التي اكتنفت السودان منذ 19 ديسمبر الماضي. خطوة الصادق المهدي وجدت الاستحسان لجهة أنها تعبر عن الموقف الطبيعي لأكبر الأحزاب التاريخية في البلاد، فيما انتقده آخرون بشدة بحكم تردد المهدي الكثير وتناقض مواقفه، الأمر الذي من شأنه التأثير على استراتيجية تجمع المهنيين الذي تنطلق الاحتجاجات تحت لوائه. رجل مثير للجدل.. سر الهجوم المراقبون اعتبروا أن الهجوم الذي وجده الصادق المهدي بعد إعلانه خطوته أمس الأول، انطلق من طرفين، الأول هو الحكومة التي بدت مراهنة مؤخراً على زعيم الأنصار لإنتاج مبادرة تنفس حالة الاحتقان السياسي في البلاد قبل أن يُفاجأ بموقف المهدي في مسجد الأنصار، لتبدأ حملة من الانتقادات التي ترتكز على تناقض مواقف الإمام مقارنة بتصريحاته السابقة حول الاحتجاجات. فيما كان الطرف الثاني هو مجموعة الناشطين والمعارضين والمحتجين الذين اعتبروا انضمام الرجل لحراكهم نوعاً من التخذيل غير المباشر المبني على سيناريوهات غير منتهية من المبادرات التي يعشق الإمام إطلاقها لصالح إنتاج حلول وسطى، وهو ما ظل مرفوضاً من قبلهم وتم التعبير عنه في شعار (تسقط بس). بيد أن متابعات (السوداني) لانتقادات الإمام لامست زاوية أُخرى تمثلت في المقارنة بين خطابه يوم وصوله الخرطوم متزامناً مع انطلاق الاحتجاجات وتوقعات عضوية حزبه وأنصاره أن يأذن لهم رسمياً بالانخراط فيها، ليتسيد الإحباط معظمهم بعد خطابه يومذاك، الأمر الذي أفضى لتقديم الكثيرين لاستقالاتهم قبل أن يعود بعد ما يقارب الشهرين إلا قليلا لتبنِّي ذات موقفهم ذاك بالمشاركة الرسمية بديباجة الأمة القومي، ويستدعي هؤلاء المعترضون توصيفات الإمام آنذاك للاحتجاجات وقوله: (دي دخان مرقة) فضلاً عن توصيفه الآخر (المظاهرات زي المرأة العندها طلعة، نحن بنتدخن من زمان وبوختنا شغالة طوالي)، وتم تفسير ذلك بأنه تقليل من التظاهرات وأنها لن تؤدي إلى إحداث تغيير بالبلاد، بالإضافة إلى أن المهدي لدى عودته قدم (وثيقة عقد اجتماعي) لحل مشكلات السودان، إلا أنها وجدت انتقادات من أعضاء حزبه لخلوها من أي دعوة لمناهضة النظام، وقال حينها: "الناس بالحماس دايرني أقول ليهم اطلعوا الشارع وديل أحبطوا"، مبرراً بأنه يريد أن يكون تغيير النظام عبر التخطيط وليس الثورة العفوية. في المقابل، كان منطق المدافعين أو المباركين لخطوة الصادق بسيطاً ومحصناً دون الخوض في تفاصيل يمكنها أن تُثير خلافاً، ويعبرون عن ذلك ب(أن تأتي متأخرا خيرٌ من ألا تأتي). تفسير الأنصار.. تفاصيل الخطوة مدير دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي محمد الأمين، أكد في حديثه ل(السوداني) أمس، أن موقف الإمام حول ما يجري بالبلاد ثابت بدليل أنه دعا في أكثر من مرة لتنحي النظام، وأضاف: الإمام الصادق المهدي يقف مع قضايا الشعب السوداني ولم يتزحزح عن هذا الموقف؛ قاطعاً بأن وحدة المعارضة والتطلُّع إلى حكومة انتقالية تستكمل عملية التحول الديمقراطي قضايا ليست بالجديدة، مؤكداً دعم الصادق للتحركات الأخيرة منذ أن كان في لندن. على الرغم من إعلان الإمام موقفه المبكر من الاحتجاجات ووصفها بأنها (علوق شدة)، إلا أن الأمين أكد أن الصادق المهدي تنبأ بنجاحها منذ البداية، مرجعاً أن صمت الإمام كان لسببين: الأول لأنه كان يدير حواراً مع جميع قوى المعارضة؛ والثاني أنه كان يعمل على مخاطبة المجتمع الدولي في ظل متابعة بصورة يومية، كاشفاً عن لقاء أعداد كبيرة من القوى السياسية والمدنية لذلك أعطى فرصة لمؤسسات نداء السودان وحزب الأمة للتحرك في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المشاركة المنظمة والمخططة في التظاهرات والاحتجاجات وتصعيد الحراك أو ما وصفه بالمد الثوري. ما هو ميثاق الخلاص؟ مخاوف عدَّة انطلقت لدى الملتفِّين حول تجمع المهنيين عقب حديث الصادق حول ما يعرف بميثاق (الخلاص والحرية والمواطنة)، وفسره البعض بمحاولة لتفكيك ميثاق (الحرية والتغيير) المؤسس لمكونات تجمع المهنيين، إلا أن مسؤول الإعلام بالأمة القومي اعتبر حديث الإمام عن ميثاق (الخلاص والحرية والمواطنة) امتداداً تفصيلياً للإعلان الذي وقعت عليه 4 مكونات رئيسية ممثلاً في (الحرية والتغيير)، مشيراً إلى أن الصادق المهدي هو رئيس نداء السودان وحزب الأمة وهذه الجهات شاركت ودعمت التظاهرات التي تمت وهي جزء من عملية التنسيق لأي دعم يتم على أرض الواقع؛ لافتاً إلى أن وجود (75) معتقلاً من عضوية الأمة القومي بالإضافة إلى (18) مصاباً، مؤكداً أن المناطق التي بها ثقل لحزب الأمة كانت من أوائل المناطق التي خرجت، قاطعاً بأن الصادق يعتبر تجمع المهنيين قوى حقيقية منظمة وذات كفاءة عالية في إدارة الحراك الجماهيري مع القوى السياسية المعارضة، لذلك ليست هناك (ثغرة) لضرب وحدة المكونات. الوطني.. انتهازية إمام عبارات المهدي وربما أفقه الثقافي والسياسي العميق كان سبباً في انتقادات خصومه حيناً و(العشمانين فيه) حيناً آخر. ولعل أبلغ تلك النماذج عبارته ذات مؤتمر صحفي (في ناس منتظرين نقول ليهم عايرة ونديها سوط لكن دي ما بعملها)، وأضاف: (أشوفها ماشة على أي اتجاه)، وهو ما تم اعتباره نوعاً من الانتهازية السياسية الواضحة. ويذهب مسؤول التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني عمار باشري في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن المراقب لمواقف الإمام الصادق المهدي يلحظ التقلب في المواقف وإجادة اللعب في القفز على الحبال، مشيراً إلى أن ذلك ليس مستغرباً أو جديداً، أن يقوم المهدي بنفض يده من أي اتفاق، وأضاف: "التاريخ يحفظ أنه تصالح مع رؤساء وحكومات منذ عهد نميري ثم نفض يده"، لافتاً إلى عدد من المواقف التي لم يلتزم بها الإمام وصولاً إلى الإنقاذ التي احترب معها ثم شارك في حكومتها عبر حزب الأمة الإصلاح والتجديد ب(50%)، فضلاً عن أنه سبق وأن بارك خطوة الحوار الوطني إلا أنه عاد وانتقده. باشري استدعى تقليلات المهدي من الاحتجاجات في بداياتها ووصفه لها بأوصاف اعتبرها (غريبة)، وأضاف: "إعلانه توقيع اتفاق مع تجمع المهنيين ليس مستغرباً لأنه انتهازي ويحاول كسب نقاط ويستغل المشكلات التي يعاني منها المواطن"، منوهاً إلى أن الصادق إذا تم سؤاله مع من وقع؟ وأين ومتى وقع؟ فإنه لا يملك إجابة وهذه الأسئلة تؤكد أن الإمام يُريد أن يكسب نقاطاً كأنه يلعب في الدوري الممتاز، واصفاً اتفاق المهدي والمهنيين بالألعوبة التي أجادها الحزب الشيوعي ووقفت معها أحزابٌ أخرى تفتقد القاعدة الجماهيرية وبعضها يعاني من خلل بنيوي وتستحي أن تخاطب الشارع حول ما تريد وما هي خطتهم. باشري لم يستبعد على ضوء ذلك أن يخرج الإمام غداً بإعلان خروجه من تجمع المهنيين، وأضاف: "وقتها لن يكون الأمر مفاجئاً للشارع السوداني فهذا عهده، فهو يخرج الصبح كمن لم يلتق أحد"، مؤكداً مراهنة المواطنين وانحيازهم للأمان وليس على شيء غائب ولافتات يسارية، وأضاف: "الاحتجاجات تخرج بشخوص محدودين". وفي مقابل ذلك، فإن الشعب يثق في حكومة الوفاق الوطني، فالسودانيون مع السلام وليسوا مع الافتراء أو المضي في المجهول، وأمامنا تجارب في الحروبات. المهدي في التجمع.. أبعاد إقليمية ودولية المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ يذهب في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن ما ذكره المهدي في خطبته الجمعة حول التنسيق والمشاركة مع تجمع المهنيين صحيح، وأن له تقديراته التي آثر بناءً عليها أن يصمت، واستدرك: "لكن عضويته موجودة في الشارع، كما أن حفيده مصابٌ بالرصاص في قدمه". زاوية جديدة اعتبرها أبو الجوخ تضيف زخماً للتجمع بخطوة الصادق، وهي أنه يعد آخر رئيس وزراء منتخب ويتمتع بثقل سياسي داخلي فضلاً عن الوزن التاريخي باعتباره من جيل سياسيِّي أكتوبر، فضلاً عن أنه شخصية لها وزنها كمثقف وسياسي ومفكر. وكشف ماهر عن بعد مختلف في دخول الصادق وانضمامه إلى الحراك الماثل، ويتجلى في المجتمعين الإقليمي والدولي، مما يسهل مخاطبتهم وعرض الواقع لهم خصوصاً في ظل تزايد مخاوف المجتمعين وتوجسهم من سقوط الأنظمة دون وجود بديل سياسي بارز بعد تجارب سوريا واليمن وليبيا، وأضاف: "لأن المجتمع الدولي في حساباته أن الأفضل وجود نظام سيئ وقمعي يكرر النموذجين، النموذج السوري أو الليبي، من أن يكون البديل نظام يخلق حالة فراغ أمني وسياسي، لذا فإن تجمع المهنيين كجسم استطاع إنتاج الحراك، إلا أنه لم يستطع تقليل المخاوف المُرتبطة بماذا بعد؟ بالتالي خطوة الصادق المهدي تسهم في ردم الفجوة السياسية بين من هم في الشارع والأطراف الإقليمية والدولية التي تراقب المشهد السياسي، أي أنه له دوراً دبلوماسياً مُهمَّاً لصالح التجمُّع". موقفان في مسار واحد.. سر البرلمان وقطع ماهر بنفي أن يكون المهدي خطاً موازياً لعمل التجمُّع، مدللاً على ذلك بأن المهدي وتجمع المهنيين هما موقفان في موقف واحد، بمعنى أن مذكرة الخلاص هي ذات مذكرة المهنيين في 25 ديسمبر، والاعتصامات ذات الفكرة، وأضاف: "لا تعارض بين الفكرتين لكن توجد تعديلات تتلخص في أن المهنيين تحدثوا عن مذكرة للرئيس والآن المذكرة للبرلمان بحكم أن به كتلاً نيابية ونواباً هم جزءٌ مما يحدث في الشارع ومتعاطفون مع الناس، لذا فإن الوصول إلى البرلمان أسهل ووارد أكثر من تسليم المذكرة للرئيس"، منوهاً إلى أن المغزى ليس استلام المذكرة، لكنها تصور للحل السياسي، في ظل بروز قيادة سياسية قادرة على التواصل مع أطراف داخلية وإقليمية ودولية وعكس وجهة نظرهم والاقتناع بها. تقرير : وجدان طلحة