عام مضى على ثورة ديسمبر المجيدة، التي شهدت سقوط أطول نظام حكم في التاريخ الحديث للبلاد، وأحلام التغيير كانت شاهقة الأسقف، بتبدل الأحوال إلى حد المثالية على أسوأ تقدير، إن لم يكن إلى حد الكمال، سيما بعد الوعود الوردية التي كانت تطلق من القائمين على أمر الثورة، ومن يقودون قيادها بكافة مستوياتهم، سواء المجلس العسكري آنذاك أو قوى الحرية والتغيير، ولكن يبدو أنه بعد الدخول في مراحل ترجمة ذلك على أرض الواقع، أصبح الفرق شاسعاً بين الأقوال و الأفعال، فلا استقرار سياسي تم ولا أوضاع اقتصادية تمت السيطرة على زمامها، بل أصبحت أكثر انفلاتاً من ذي قبل، ما جعل التصريحات تتناثر هنا وهناك، تطالب بما اسمته (تصحيح مسار الثورة)، والشاهد أن التململ لا يأتي من بعيد بل من قوى الحرية والتغيير نفسها، التي دفعت بطلب إلى رئيس الوزراء بإعفاء وزراء من الحكومة. دعوات متواترة الدعوات لتصحيح مسار الثورة ظلت تترى مؤخراً، رغم اختلاف دوافع مطلقيها، فالناطق الرسمي باسم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إبراهيم الشيخ دعا للتصحيح، بعد استيائه من سير المفاوضات بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح التي عدها لاتخدم مسار الثورة، فضلاً عن أداء الحكومة الذي وصفه بأنه لا يرتقي إلى حجم التضحيات، ولم يعبر عن روح الثورة، الشيخ لم يكتف بذلك بل بث شكواه من ما أسماه تراخٍي عام من الحكومة وقيادة قوى الحرية والتغيير في التنسيقية والمجلس المركزي، مادفع الرجل للتحريض للخروج في مواكب في 19، 25 من ديسمبر الحالي بغرض التصحيح وإعادة الوعي للحاكمين باسم الثورة، أما رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير فقد حصر عدم رضاه عن سير الأمور بعد الثورة في زاوية الأزمة الاقتصادية، متهماً الحكومة بأنها لا تملك برنامجاً اقتصادياً واضحاً، وتعتمد على الروشتات الجاهزة، مثل رفع الدعم عن السلع الذي تنوى اعتماده، مؤكداً أن ذلك سيفاقم من الأزمة الاقتصادية، ولم يفته مطالبتها بالالتزام بالشفافية مع الشعب، فيما يخص كثير من الملفات على حد تعبيره، وقال إن الشعب السوداني قام بثورة عظيمة ألهمت العالم، تمخضت عنها حكومة أقل من قامته. جرد حساب الوقائع تشير إلى أن حالة عدم الرضا العام والتململ لفتت انتباه الحكومة الانتقالية، أو يمكن القول إنها ربما ستشرع في جرد حساب عام للأداء التنفيذي وربما السياسي أيضاً، او أن شيئاً ما سيحدث في القريب العاجل، خاصة بعد الكشف عن اعتزام رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إقالة كل من وزيري الزراعة والخارجية على خلفية مطالبات رسمية له بذلك من الحزب الشيوعي، و مع أخذ حديث عضو المجلس السيادي، عضو الوفد الحكومي لمفاوضات جوبا الفريق ركن ياسر العطا، في الاعتبار حينما أعلن ذلك بقول صريح « سنعمل سويًا لأجلّ تصحيح مسار الثورة من دعاة الفتن والبطولات الزائفة من أجل وطن معافى" رغم تبشيره أن المفاوضات في جوبا تسير بشكل جيد وستفضي إلى سلام، و قلل من حجم الخلافات بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية ووصفها بأنها مناكفات سياسية وخلافات شخصية . أحكام مبكرة السؤال الأكثر إلحاحاً هل توافق كافة المكونات السياسية على فكرة تصحيح مسار الثورة؟ أم أن هناك من له راي مغاير؟ الغريب في الامر أن حزب الأمة أكبر مكون في إعلان قوى التغيير لا يرى أن الحل فيما يسمى بتصحيح المسار، وهذا ما جاء على لسان نائب رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة، الذي قال إن الحديث عن التصحيح لاقيمة له، بحسبان أن مسار الثورة واضح وهو إزالة النظام السابق بلا عودة، رافضاً بشدة الحكم المبكر على الثورة، خاصة وأنها أتت بعد أن تعمد النظام السابق تدمير كل شيء، وقال أن أي حكم على الثورة يعتبر ظلماً للقائمين على أمرها، ولكنه يرى في الوقت نفسه أن أهداف الثورة تحتاج إلى ترتيب أولويات، ووضع الأمور في مكانها الصحيح، مطالباً الحكومة والمجلس السيادي بضرورة تحديد الوسائل لتحقيق الأهداف المرجوة، مع الأخذ في الاعتبار معاناة المواطن فيما يتعلق بحياته اليومية، والعمل على إيقاف التدهور الاقتصادي. برمة ألقى باللوم على قوى الحرية والتغيير الأخرى بقوله (يجب أن لا تضع العراقيل للحكومة)، و دعا إلى دعمها وتوجيهها بدلاً عن انتقادها، ولفت إلى ضرورة مدها بالحلول للمشكلات عبر تقديم النصح وإقامة الورش والمشاركة في وضع رؤى واضحة لكافة المجالات الاقتصادية و للخدمية والعلاقات الخارجية، برمة نادى حملة السلاح والسياسيين للعمل على تحقيق السلام العادل الذي يعالج جذور المشكلة، بالإضافة إلى التوافق والانسجام لسد الباب أمام التدخلات الخارجية . حكومة حزبية المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريص يرى أن عدم تحقيق الأهداف التي من أجلها قامت الثورة كان السبب الرئيسى في أن يمل الشارع العام وليس القوى السياسية وحدها، و اعتبر أن عدم الالتزام بتولي الشأن العام للكفاءات الوطنية والميل إلى تشكيل حكومة حزبية يعكس ماتم الإتفاق عليه بين الأحزاب في قوى الحرية، والتي انشغلت بتنفذ أجندتها وتمهيد الطريق لأحزابها للانتخابات المقبلة، تمخض عنه ضعف الأداء العام والعمل التنفيذي المترجم في استمرار الأزمة الاقتصادية و زيادة الضغط على المواطن، ولفت إلى أن أي تغيير وزاري سيقوم به رئيس الوزراء ليس بالضرورة بأن يوضع في خانة الشروع في تصحيح المسار، وإنما لضعف أداء الوزير المكلف على الأغلب . وأكد المحلل أن الأحزاب المطالبة بتصحيح المسار هي الأحزاب السياسية الملتزمة بعدم المشاركة في الحكومة الانتقالية، وأكد أن الخروج من عنق الزجاجة مرهون بالخروج من الحزبية إلى اختيار كفاءات وطنية تعبر بالفترة الحالية إلى مرحلة التحول الديمقراطي، وتابع أبو خريص إن الحكومة واقعة بين خيارين أما بتنفيذ إصلاحات سريعة أو انتظار تغيير ثالث يقوم به الشارع يطيح بها كما أطاح بأبنعوف. تقرير:اسماء سليمان