في جلسة محكمة المتهمين بتدبير انقلاب 1989، الثلاثاء الماضي، والتي غاب عنها المتهم الثالث، عمر البشير الذي أعلن في وقت سابق إصابته بفيروس كورونا، قبلت المحكمة فيديوهات وحلقات تلفزيونية كبينات أولية، واستمرت الجلسة ل(5) ساعات عرضت خلالها الاعترافات التلفزيونية، مع جدل ورفض لها من قبل الدفاع، وقدم محامو الدفاع اعتراض على المستندات التي دفعت بها هيئة الإدعاء لإثبات التهم. وللمرة الأولى منذ بداية المحكمة، امتدت جلساتها لنحو خمس ساعات، تخللها جدل متواصل بين هيئات الدفاع وهيئة المحكمة اثر اعتراض المحامين على مستندات دفعت بها هيئة الدعاء لتثبيت التهم، ورفض قاضي المحكمة وفقاً لمصادر، طلبات محامي الدفاع باستبعاد المستندات وهي عبارة عن تسجيلات تلفزيونية لمقابلات مع بعض المتهمين حول دورهم في تنفيذ الانقلاب وقرر التأشير على ثلاث منها بما يعني قبولها من ناحية الشكل.
واعترض عبد الباسط سبدرات، رئيس هيئة الدفاع عن عمر البشير وآخرين على مستند الاتهام الذي قدم في جلسة سابقة وظهر فيه موكله المتهم الثالث وهو يذيع بيان الانقلاب في 30 يونيو 89 وقال إن المتحري قدمه في "سي دي" ما يعني نسخه من الشريط الأصلي خاصة أن تقنية السي دي وقتها لم تكن معروفة، وأفاد بحسب صحيفة الجريدة، أن الشكوك تساوره حول إمكانية تعرض النسخة للتدخل بالمونتاج، علاوة على مشكلات فنية صاحبت الصوت حين العرض، لكن المحكمة لم تأخذ بهذه الاعتراضات التي قالت إنها شكلية وليست موضوعية. وقدم المتحري في البلاغ مستنداً ثانيا ظهر فيه المتهم يونس محمود أثناء مقابلة تلفزيونية متحدثا عن مشاركته في الانقلاب بالاستيلاء على مقر الإذاعة، ورفض عماد جلجال، محامي يونس محمود، المستند من حيث الشكل برغم إقراره بأن موكله هو المتحدث، لافتاً إلى أن الفيديو تم نسخه من فيس بوك، نقلاً عن قناة النيل الأزرق وليس التلفزيون القومي كما أفاد المتحري، منوها إلى أن الحديث به تشويش فني وتقني وتم بثه مبتوراً ودون تحديد تاريخه.
لكن الاتهام عقب على حديث جلجال بالقول: "إن الاعتراضات التي أثارها مكانها "وزن البينة" وليس قبولها، وأشار الى أن المتهم كان أنكر في التحري أي دور له في الانقلاب، ولا بد من مواجهته بالحديث التلفزيوني، ووافقت المحكمة تبعاً لذلك على قبول الفيديو كمستند اتهام ثالث.
ولنحو ساعتين استمعت المحكمة الى مقابلة تلفزيونية مع المتهم علي الحاج محمد في برنامج "مثيرون للجدل" الذي بثته فضائية أم درمان، لكن محاميه كمال عمر قال إن المستند المقدم يصلح أن يستخدم للدفاع وليس الاتهام، وأشار إلى أن موكله قدم فيه مرافعة سياسية ولا يمكن اعتباره بينه ضد موكله ليقبع في الحبس منذ ثلاث سنوات، وأضاف: "هذا المستند اعتبره دليل براءة وليس إدانه" لكن قاضي المحكمة رفض هذه الاعتراضات وضم المقابلة لمستندات الاتهام. وتقرر رفع الجلسة بعد اعتراض الدفاع والمتهمين على تطاولها على أن تواصل الاستماع للمتحري في جلسة الثلاثاء المقبل. البينات الأولية في ميزان القانون
ويرى الخبير القانوني، نبيل أديب بأن هذه المسألة بها عدة أوجه نظر، وكذلك مراكز نظر مختلفة وليس مركزاً واحداً، ويشرح أديب ل"الجريدة" وجهات النظر حول قبول الفيديو كمستند اتهام بقوله: " الفيديو نفسه هو مستند وفقاً لقانون الاثبات، ويعتبر الفيديو مستند بما سجل فيه، وهو مستند عرفي والشخص المنسوب إليه الفيديو يمكن أن ينكره، وتبقى مسألة إثبات أن الفيديو لم يخضع لعملية فبركة أو تلاعب، وأنه هو نفسه الفيديو الذي صور، وأن الشخص المعني ذكر ما ذكر، وهذه مسألة إثبات، تبدأ بأن يقبل المستند كبينة أولية، أما ما ذكر فيه فموضوع آخر".
وحول ما يذكر في الفيديوهات، يقول أديب بأن ما ذكر فيه يمكن أن يكون إقرار، أو اعتراف أو إنكار للمسؤولية، ولكنه يشير إلى أمر مهم في مسألة الاعتراف، حيث يقول أنه في الاعتراف بالجريمة خارج مجلس القضاء، لا يعتبر الاعتراف قاطع، أو دليلا قاطعا، بمعنى أنه يجوز العودة عنه وتبريره، تبرير لماذا قال ذلك في الفيديو.
ويضيف أديب بأن المسألة تخضع لأوجه مختلفة داخل المحكمة نفسها، وأ، على الاتهام أن يثبت أولاً صحة صدور التسجيل عمن نسب إليه، ويواصل أديب: "إذا ظهر ذلك، على الدفاع إذا أراد أن ينكر محتوياته أن يبرر ذلك، بأن ما تم ذكره لم يكن هو حقيقة ما وقع، وهذا يحتاج إثبات، والدفاع عليه أن يثبت ذلك، لأن الفيديو بينة مبدئية تشير إلى أنه قال ذلك".
يرى أديب بأن الفيديو لا يختلف عن أي إعتراف لشخص آخر، مثل أن يذكر شخص ما لشخص آخر، أنه فعل ونقل، وأن هذه البينات كلها ليست بينات قاطعة، البينة القاطعة وفقاً لأديب هي الاقرار في مجلس في مجلس القضاء، بمعنى أن يذكر شخص ما، أمام القاضي معترفاً بالافعال التي قام بها، ولكن يقول أديب بأن هذا أيضاً يمكن الرجوع عنه، الاقرار القضائي نفسه يمكن التراجع عنه، إذا تم تحت الضغط أو الإكراه، ولذلك يرى بأن المسألة يصعب أن يُدلى فيها بكلام قاطع، لكنها سجال، وعلى الادعاء أن يثبت الصحة والدفاع أيضاً أن يقدم بينات تكذب ما يعرض في الفيديو. زاوية أخرى يقول القيادي في الحرية والتغيير المحامي الطيب العباسي بأن قانون الاثبات نص على البينات التي يمكن أن تكذب في الوسائط والتسجيلات، وأن قانون الاثبات يقبل مثل هذه المستندات كاتهام وبينة، ويضيف العباسي في تصريح إن قرار المحكمة عاقل وعادل لأنها قبلت الفيديوهات كمستندات وتركت للتقييم عند الحكم، ويقول بأنها تسمى في القانون " وزن البينة" عندما تأتي بينات إضافية تدعم وتعضد قبولها، وزاد العباسي: "تم قبولها مبدئيا لحين تقييمها مبدئياً وقرار المحكمة صائب".
يقول الطيب العباسي بأنه سمع الفيديو وسمع الرد من ممثل الاتهام، وأضاف أن المحامي كمال عمر ذكر بأن الفيديو يعتبر دليل على براءة لموكله علي الحاج، واعتبرها كلام سياسي، وليس فيه ما يشير للانقلاب، لكن العباسي يقول بأن هناك عبارات وردت تشير للانقلاب بأنه هو انقلاب الجبهة الاسلامية القومية، ويفند العباسي حديث محامي الدفاع ويؤكد بأنه لا يمكن أن يكون حديث سياسي، متسائلاً عن من الذي حرض على الانقلاب، ويستأنف بأن المحامي طالما ذكر أنه دليل براءة، ذلك يعني أنه اقتنع أنه بينة أولية، وكلمة دليل كما يقول العباسي هي جزء من البينات، وأنه إذا ركنت إلى الدليل، يعني ذلك أن يتم قبوله كبينة مبدئية.
في انقلاب 1989 الذي يتهم بارتكابه مدنيين وعسكريين، يرى العباسي بأنه لا يمكن أن يدان التنظيم كله، لكن من شارك يمكن أن يدان، سواء كان مدنيا أو عسكرياً، وأنه إذا كانت هناك مساهمة أياً كانت، يعني ذلك ارتكاب الجريمة، ويقول: "الجبهة الاسلامية القومية لم تنكر الاتهام".
يذكر العباسي بأن مرحلة الاتهام لم تنته بعد، ويكشف عن أن هناك تسجيلات وشهود وأقوال لم تعرض بعد، ويعتقد العباسي بأنه من الواضح أن انقلاب يونيو 1989 كان مشاركاً فيه مدنيون يرتدون زيا عسكرياً. وفيما يخص علي الحاج، يقول بأنه يمكن له أن ينفي مشاركته، ويضيف: "إذا أثبت أنه خارج البلاد ولم يشارك ولم يساهم في الانقلاب يمكن أن يكون ذلك دليل براءة" لكن العباسي يرى بأن المحكمة ما تزال في مرحلة تقديم قضية الاتهام، وأنها الآن أمام المحكمة يسمع فيها للتسجيلات، ثم بعد ذلك يقدم الدفاع بيناته، وفي هذه المرحلة وفقاً للعباسي، يتم تحديد خط الدفاع، وفي المرحلة الحالية، لا نستطيع أن نقول أنه خارج البلاد، مالم يثبت ذلك كما يورد العباسي.
يعتبر العباسي التحريض على الانقلاب جريمة، وأنه إذا ثبت أن علي الحاج لم يشارك ولم يحرض وكان خارج السودان، يمكن أن يعتبر ذلك براءة عن جريمة تقويض النظام الدستوري.
قضية أخرى في الانتظار ومثل القضية التي قبلت فيها الفيديوهات كبينات أولية، أثارت الفيديوهات التي عرضت على نطاق واسع لجريمة فض الاعتصام، أثارت جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً، وكان مسلحون يرتدون زياً عسكريا قد فضوا في الثالث من يونيو 2019 اعتصاما أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، والذي كان يطالب بتسليم السلطة للمدنيين، وأسفرت عملية الفض عن مقتل 66 شخصا، بحسب وزارة الصحة، في حين قدرت قوى إعلان الحرية والتغيير العدد ب 128.
وكان رئيس لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش نبيل أديب قد عزا تأخر صدور التقرير النهائي للجنة إلى عدم قدرة إدارة الأدلة الجنائية السودانية على التعامل مع الأدلة المادية واعتذار الاتحاد الأفريقي عن تقديم الدعم اللوجستي، إضافة إلى بعض الصعوبات المالية وفقاً لتصريح سابق ل"سكاي نيوز عربية" . وقال نبيل أديب لمصادر، إن إدارة الأدلة الجنائية السودانية لا تملك القدرات الكافية لتفحص الأدلة المادية التي تحصلت عليها لجنته، وأشار أديب إلى اعتذار الاتحاد الإفريقي عن تقديم الدعم اللوجستي المطلوب بعد عام كامل من التواصل معه، وأوضح أديب: "لم تتوفر المعينات اللوجستية حتى الآن؛ لدينا مجموعة كبيرة من البينات المادية التي تحتاج فحص واثبات وتشمل تلك البينات جثث ومقابر وتسجيلات صوتية وتسجيلات مصورة تحتاج لفحص بواسطة خبراء معمل جنائي تتوفر فيه المعدات اللازمة للفحص".
وأضاف: "هناك مقاطع فيديو موجودة على شبكة الإنترنت وتحتاج إلى فحص من الخبراء لإثبات الزمان والمكان الذي تم فيه التصوير وصلة المقطع بالوقائع وأيضاً يجب اثبات عدم العبث في المقطع بعد تصويره وعدم خضوعه لأي عملية تركيب او تغيير…من غير تلك الاثباتات لا تكون للمقطع القيمة الإثباتية المطلوبة في المحكمة".