*والوجودية تسمي لحظة الاختيار العدم.. *وبما أن المرء دوماً في لحظة مفاضلة بين خيارين… فهو دوماً في لحظة عدم.. *وربما تصير الخيارات أكثر ؛ فيصير العدم أقسى.. *وذلك إذا اعتبرنا العدم – بالتوصيف الفلسفي الوجودي – تجربة إنسانية تُحس.. *أي إنه ليس انعدام وجود… وإنما وجود انعدامي.. *وأبو الوجودية – سورين كيركيجارد – أول من عاش من الوجوديين هذه التجربة.. *أو أول من لاحظها… وشخصها… ورسم معالمها فلسفياً.. *أما بقية الناس فيتعايشون مع قدرية الاختيارات من منظور غيبي… ولا يعيشونها.. *فيسمونها الظروف… أو المقادير… أو القسمة والنصيب.. *ومنهم من يذهب إلى أكثر من ذلك – توغلاً في الغيبيات – فيسميها (العمل).. *وداعي كلمتنا هذه اليوم اختيارات أولى الشهادة السودانية.. *أو هو بالأصح اختيارٌ واحد ؛ الإعلام ولا شيء سواه… وسط دهشة الكثيرين.. *ولكنها ليست أول من أثار مثل هذه الدهشة.. *فأوباما – مثلاً – كان أول دفعته… والتحق بهارفارد… واختار القانون.. *وكان بمقدوره دراسة الطب… أو الهندسة… أو الفيزياء.. *ولكنه أصر على اختياره ؛ فصار رئيس الولايات المتحدة… واشتهر.. *ومحمد أحمد المحجوب كان أول دفعته ؛ واختار الطب.. *اختاره إرضاءً لأسرته… وأهله… وعشيرته… وثقافة العقل الجمعي للناس.. *ثم اختار الخيار الثاني إرضاءً لنفسه هذه المرة ؛ القانون.. *فصار محامياً وقاصاً وأديباً شهيراً ؛ و سياسياً ودبلوماسياً ورئيس دولة أشهر.. *والترابي كان أول دفعته….. وبفارق كبير.. *ولم يختر من بين كليات الجامعة سوى القانون… غير عابئٍ بخيارات الآخرين.. *فصار حسن الترابي المعروف ؛ اختلفنا أو – اتفقنا – إزاءه.. *وأنيس منصور كان أول الشهادة المصرية ؛ وهو طوال مراحل دراسته الأول.. *واختار الفلسفة بمحض إرادته ؛ وقال إنه حر في اختياراته.. *ثم اختار – عقب تخرجه بامتياز – الصحافة.. *وصار أنيس منصور الذي لا يحتاج إلى تعريف ؛ عربياً… وإقليمياً… وعالمياً.. *وملهمة كلمتنا هذه – ست البنات – اختارت الصحافة أيضاً.. *ولكنها – حسب ظني – تعيش حالة العدم الوجودي… في أسوأ تجلياته.. *فجميع الاختيارات – من حولها – تتعارض مع اختيارها.. *ونصيحتي أنا شخصياً – رغم إيماني المطلق بحرية الاختيار- أن تبعد عن الإعلام.. *أو على الأقل ؛ ليس في زماننا الحالي هذا.. *وربما لحين تخرجها في الجامعة يضحى الزمان… غير الزمان.. *وختاماً ؛ كل الذين ذكرناهم هنا – كنماذج – نجحوا في اختياراتهم… مع الشهرة.. *صاروا – جميعهم – ملء السمع والبصر.. *وكاتب هذه السطور – في اتجاه معاكس – اختار الفلسفة… ثم الصحافة.. *فصار ملء الدمع والسهر !!!.