*فما من قصيدة له تخلو من مفردة غمام… أو غمامة… أو سحابة.. *وأجمل استخدام لكلمة غمام في قصيدته (حان الزفاف).. *وذلك حين يصف حال محبوبته ليلة زواجها (والشوق غمام في عيونها طاف).. *فقد كانت تلكم الأنثى ملهمته الأولى… ومصدر إبداعه.. *وكانت من حسن حظه – وحظنا – سحابة صيف في حياته… وعدَّت… *فلو إنها أمطرت عليه لأنبتت بنين… وبنات….. ومنغصات.. *ولما لمع في سماوات الإبداع الشعري ببلادنا نجمٌ اسمه عزمي أحمد خليل.. *ولكن لماذا يذكر الغمام في شعره كثيراً… ويعشقه ؟!.. *للسبب ذاته الذي جعل كاتب هذه الأسطر يعشقه… ويذكره في كتاباته كثيرا.. *إنها سماء حلفا التي لا تخلو من الغمام… والسحاب… والركام.. *وقد أشرت مرةً إلى غمامة جميلة أظلتني فجأة… فسميتها (الغمامة ذات الحجاب).. *فأنا أعشق السحب لذاتها… في سياق عشقي لجمال الطبيعة.. *لا كعشق عزمي الذي يقترن بعشق جمال المرأة.. *الطبيعة بشهبها… وغسقها… ونجمها… وسحرها… وشجرها… وسحبها.. *ومن أقوال الناس : فلان رأى النور بمنطقة كذا.. *أما أنا فلا أذكر أنني رأيت النور إلا يوم أن رأيت ظلال غمام على النيل بنوري.. *كنت طفلاً… وكانت تلك أول ذكرى تُسطَّر في صفحة ذاكرتي.. *فقد تفتح وعيي على جمال غمامةٍ… لا يدانيه جمال معشوقات عزمي.. *ولا أدري ماذا كان سيفعل عزمي هذا إن بقي بوادي حلفا.. *فشمالنا الأقصى يندر فيه الغمام الذي إن أزاح عنه (حجابه) انهمر دمعاً.. *وما زلت أذكر نهار صيف – ببلدتنا – حدثت فيه المعجزة.. *فقد أبصرنا وفد مقدمة (غمامي) يهرع نحونا – عابراً النيل – من جهة الشرق.. *فلم يعره الناس اهتماماً… سحابة صيف وتعدي ؛ قالوا.. *فالمطر – بمناطقنا تلك – شحيحٌ حتى في الخريف…دعك من الصيف.. *ولكن تبع وفد المقدمة – ذا السحابات الثلاث – عارضٌ ممطر… *وانفتحت أبواب السماء بماءٍ منهمر…استمر من ضحى اليوم حتى أصيله.. *وخلَّف بحيرة ضخمة كانت مصدر سعادتنا…نحن الصغار.. *بل كان يوماً من أجمل أيام حياتي بالبلدة…التي رأيت فيها النور.. *أو بالأحرى ؛ التي لم أر فيها النور إلا بعد سقوط رأسي بأعوام *وتمنيت لو أنْ لو أبرقت السماء…وأرعدت…وأمطرت….ب(أجمل) مما فعلت.. *تماماً كما يتمنى عزمي ألا ترحل سحب غرامه سريعاً.. *وجمال الغمامة عندي أشد وقعاً من جمال التي (الشوق غمام في عيونها طاف).. *ويسألني عزمي – هاتفياً – عن قصائده التي عندي…بصوته.. *فأجيب : ولَّت…(زي سحاب في سماي عدَّى).. *ثم يسألني عن السودان؛ أحواله…وأوضاعه…وأحلامه…و(جماله).. *فأقول (سحابة صيف وتعدِّي !!!).