قصيدتي التي أهديها من فؤادي لصغيرتي خديجة، التي سافرت عني لأمريكا قبل أربع أشهر ونيف ،.. برغم عني .... وعن أمها ، سلمى الصومالية ( حيث أنها لا بد وأن تقوم بهذه الرحلة لكي تلتقى بقية أسرتها بعد فراق دام لسبع سنوات ، قضتها في جنوب افريقيا، ثلاث منها معي ، بعد أن كانت لا تستطيع السفر إلى أهلها بحكم أنها من الصومال وطالبة لجوء، وبلادها موبوءة بالحرب والدمار ومفتوحة تحوم عليها كل صقورالحرب في العالم ، لما تعرفون ، وسلمى ، ليس لها جواز سفر غير (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) وما تجود به الأممالمتحدة من قراطيس تعطيها متى تشاء ، لمزيد من تشتيت الأسر الصومالية في العالم ، لمزيد من الودار ، ومزيد من الضياع ، ومزيد من غسل عقول هذا الشعب وتذويبه في حضارات الغرب ، وسلمى كتب عليها قدرها ، أن تملك من الأحاسيس العظيمة والحب لأسرتها ما دعاها أن تسافر، مشيا ، وراكبة ، وراجلة ما بين أحراش أفريقيا ، وسباعها وضباعها ، وغاباتها الكثة ، وأنهارها وجبالها العالية ، تتوهد مجرىً لمجرى ، وتلا لتل، لجبل منيف ، وأختراق الحدود والسدود واحد بواحد ، وخوض الظلام ، والآكام حتى وصلت في مدة شهر، وأخوها ، كلاجئة ... لجنوب أفريقيا ، بعد ما دمرت الحرب هناك الاخضر واليابس ، جاءت وهي تحمل في بطنها ... خديجة قدرا وحلما وسعدا غشيني لسنتين هناءا ومداعبة وهسرا سعيدا على أضلعي لهذه الصغيرة .... فتغيب عني ، برغمي ، بطيف يبعد عني عصيا ، بعيدا،بمعية أمها لبلاد سام ، غابت عني و كأنا لم نكن ..... حبا ... وتوقا في الصباح وشوقا في المساء .... والحال هكذا .... فإني أردت أن أُطعمكم معي نوع هذه المحن التي تجيء بلا راد .... ولا معين إلا الله . تزوجت أم خديجة وأنا أعي تماما ما يدور حولها من مآسٍ وظروف وصروف كهذه التي حكيت ، ومثلها ، تحيط بكل أسرة صومالية حينها...وتزوجتهاإدخارا لعمل أكنزه ليوم المعاد .. وأن يكون بين يدي صحيفتي يوم القيامة ما يشهد لي بأن رفعت عقيرة مسلم إلى السماء وأعنتها بما أعانني الله به.... والحال كهذه أخوتي أيضا فإن أهل الصومال يستحقون أن تصاهرم ألف مرة وترفع عنهم وتواسيهم بما يستحقون ...فإنهم رجال أشداء عندما إنحنت الظهور للجلاد ، وعندما خنثت العباد ، وحرائرهم لسن كحرائر كل الدنيا ، خضن الصعاب ... ووضعن الحجاب ...ورفتن العقاب ، وأن هذا الشعب قد لقي من العنت ما تبوء بحمله الجبال . وأنا أكتب هذه القصيدة وفي مخيلتي أن خديجة بنت السنتين ، ربما لن تعد ... وربما لا نلتقِي ثانية ابدا ... بسبب أقدارنا ... أو عدم مقدرتها أن تأتي لجنوب أفريقيا لأي سبب آخر ، وربما لعدم مقدرتي أنا كسوداني من زيارتها في بلاد سام . وفي نفسي هذه اللواعج والمحبطات .. وبها أيضا كل يوم نزيل من هم ...وتوق وعشق وتذكار لم يزل ، ولا يزال يبرح مهجتي ويشق فؤادي الجريح ... ودعت بُنيتي التي ستظل تصن أذنيّ بصوتها الحنين .... وتخض نومي بأخيلة الراهبين ....وتملأ صدري بصبر المحتسبين ، ودعتها بهذه القصيدة :- وسافرت خديجتي .... (1) تخيلي صغيرتي ... إني ... عشقت نفس ذلك العطر ونفس تلكم الفتافت الصغيرة وبعض ما تركتِه لنا .. عشقته لبعدما تعثر الدنو .. لبعدما تجافت العيون عن عيونها .. وبعدما تغيبت ... فصول وجهك الحبيب عن ديارنا اليباب .. فستانك الصغير ... سلوتي ووردة نضيرة تركْتِها هنا ... وزهرة موضوعة على طياق خاطرى ... وقطة تنوء مرة ... وبرهة تغيب ... ولحظة تجئ ... تبثُ في نفوسنا ... العُواء ترج في قلوبنا المواء ... والوجيب وقلبي ... المشوق ...تارة ... يجن .. وأذرعي تطيعني ... فتحضن السراب وخافقي يئن شممتُ باقي شعرك المخروز هاهنا على فراشك الوثير لثمت فيه حبتان ... من فصوص جيدك النضير وبعض ريقك الذي نثرتِه على مساندي ... هناك نثرتِه على دياجري وفي بيادري اليباب ثم ... إبتعدتي يا حبيبتي ... سحاب ... بعدما إنهمر .. على صقيعنا ... محبة .. على دروبنا إخضرار على عيوننا نهار .. علمتِني .. أهواك قسرا علمتني أهواك جبرا وانكسار وحين تنهش الأشواق داخلي ... يرن يرن ... كالنحاس يصيح كالصدى من بين خافقي الكسير يشجو على كِراف نفس عطرك المصدوع بالورود يتوق لا يعود ... نحو إتباع خطوك الصغير ... وأنت تخدشين خاطري ... جُفاء وبعض وجهك الصغير ينزوي هناك ... وبعضه قصاصة على مشارف الطريق .. وبعضه على مسارب الضياء .. وبعضه هنا .. لواعجي ... ونار مشتهاك بُنيتي علاما تدفنين ... وجهك الصغير عننا هُناك علاما تتقين طلتي عليك وتنبذين حضني الدفيءُ في الخريف والشتاء علاما ترحلين يا بُنيتي؟ .. علاما ترحلين؟ وتتركي لنا عواتي الشُجُوِّ .. وروحنا ... معاك أتدري يا حبيبتي ... بكيف أشتهيك؟ وكيف أتقى مدامعي السخان ... حينما أراك ... تُطلي في منامنا ... لحين وفي دماءنا أنين .. وكيف تصطلي نفسي عليك؟ وكيف أفتقدك يا صغيرتي ... هنا وكيف تدخلين في دعائي العريض إلى معارج السماء (2) وسافرت خديجتي ..... وبعض ُ وجهها الصغيرِ قد بدا .... وغاب هناك في البعيد كالسراب وغادرت وديعتي غمامة يَحُفُها الضباب وبات بيننا وبينها حجاب وحبها يحيل مُقلَتْي يباب فالحب يا حبيبتي قدر الحب يا صغيرتي عذاب والحب للقلوب كالوتر أو نافع المطر الحب يا صغيرتي إياب *** وسافرت ملاكيَّ الصغير تغط في منامها الغرير يحوم حولها سحائبٌ دعاي وحضن أمها يحفها بمعصمٍ وثير وكنت قد وسدتُها رضاي حَرّزْتُها .. حَصنّتُها في النوم آي دَفّقْتُ فيها مُقْلتاي لكنَّ ما سمعت بكاي وسافرت صغيرتي ... كنجمةٍ تغيبُ عن سماي تحثُ في غيابها أساي عجاج لهفتي .... وعنف إشتهاي *** وقصتي مع خديجتي وفاي وراهبٌ أطوف في الصباح حولها وساجدٌ مساي وقصتي ... رُزِقتُها وصادفت دعاي رأيت في مناميَّ العميقِ .... مرة ً منارةً .... تُنيرُ لِ الطريق وتلتقي مُناي وشمعةٌ مسروجةٌ جُواي وزيتُها ضياي تنيرُ في سراجيَّ الخفيتُ دُنيتي وتهدني صباي *** رأيتُ وجهها الوضيءُ ينتشر بصفحتي أنا .... ونوره غطاي وذاتَ مرةٍ حلمتُ بالجدائل الطويلة وعاشقٍ يدوبُ في سليلة يداي تهسران في خميلة وطفلةٍ وديعةٍ جميلة وكنتُ قد أودعَتُها يداي قذفتُها إلى الفضاءِ ألف مرة قطفتُ ثغرها الجميلِ ألف مرة هَسرْتُها إلى مسام أضلُعي وصوتها أنطلق .... كأُغنية ... وقصةٍ ... لألف ليلة مُهدْهِدٌ جواي أحِسُها تَدُبُ في مداخلي سنين كهِزةِ الوتر فيبتدي هناي أحسها تَدُوبُ في مفاصلي حنين وتهدِني عُمُر ... أحسها شفأي *** تخيلي حبيبتي بأننا صغار نحوم في العراء ... تارةً يضم ساعديكِ معصمي الصغير ... تارةً وتارةً.... تتوهي في مفازتي وتتقي لقاي وأنت تضحكين أنت تلعبين وخائرٌ أنا ... يَهُدُني عناي وتلتقيني... تارة لتضحكي معاي وتذْكُري شوقي إليك صغيرتي في الصبح أمسح مقلتيك ومقلتاي ويعودني شوقي مساي *** أو تذكرين حبيبتي ألعابنا أو تذكري لمساتنا عند إشتهائِكِ و إشتهاي أو لم تكوني هَدْأَتي أو لم تَهْيجي دهشتي أو لم تُنيري لي دُناي أو لم تكوني لُعبتي الحُلوى وغاية مبتغاي كيف أتقاني وجهُك المشحونُ حبي وحنيني ودماي كيف أستطاع يَفُضُ لهوَكِ عن غناي كيف أستطاع يَقُصُ عشقِكِ عن هواي وتظلِ أيضا تبعدين ويظل وجهك يتقينْ وتظل أشواقي معاي وأظل أقبعُ في شقاي *** الرفيع بشير الشفيع بريتوريا – جنوب أفريقيا 11/11/2012 Elrafei Elshafei [[email protected]]