نهار أمس الأول وشوارع الخرطوم تتكدس بالسيارات وفي كل الإتجاهات والكل يمني نفسه بالوصول إلى الموقع الذي حدده وفي الوقت المناسب وفى تقاطع بشارع مهم أضاءت الإشارة الخضراء وبدأ رتل السيارات ينساب فإذا بسيارة رسمية ذات غمارتين تحمل فى داخلها ثلاث رتب نظامية يدخل سائقها الطريق والإشارة التي فى اتجاهه حمراء ولولا لطف الله لحدثت كارثة بفقد الأرواح والأذى الجسيم وتلف السيارات . السائق قطع الإشارة غير آبه ومن يحملهم من ضباط لم تبد عليهم علامة الإنزعاج من أصوات المنبهات المحتجة على هذا التصرف ولم تكن هيئة السيارة تشير الى حالة طوارئ أدت الى هذا التصرف والدليل أن السيارة بعد قطع الإشارة توقفت ليترجل منها واحد من الثلاثة ويدخل فى لحظات أنس مع زميليه فى داخل السيارة لتتحرك من بعد ذلك فى سرعة معقولة . ورغم أن هذا التصرف هو تصرف فردي ولا يعمم على أفراد القوات النظامية ولكنه يسئ إليها خاصة وأن عشرات السيارات احتكت ببعضها البعض نتيجة للتوقف المفاجئ لقطع الإشارة الضوئية الحمراء . قواعد المرور وضعت ليلتزم بها الكافة ولايستثنى منها إلا حالات مرور المواكب الرسمية التي يتم التنبيه إليها بواسطة سيارات شرطة المرور ومواترها أو حالات الطوارئ من إسعاف وسيارات نظامية تسبقها أصوات المنبهات والسارينات . شاهدت الرئيس البشير شخصياً يمتثل لإشارة المرور لايتخطاها وفي معيته الفريق عبدالرحيم وزير الدفاع رغم حقهما السيادي والدستوري وهما أرفع قيادة للقوات المسلحة والمشير البشير القائد الأعلى لكل القوات النظامية . تخطي الإشارة الحمراء ليس ظاهرة فى صفوف القوات النظامية ولكنها تصرفات فردية محدودة والقوات النظامية تقوم على أنظمة ضبط صارمة تحاسب فيها مخالفيها حساباً ليس يسيراً وقد أطلعني ذات مرة الفريق شرطة محجوب حسن سعد المدير العام الأسبق لقوات الشرطة على قوائم المحاسبة لبعض أفراد الشرطة الذين خالفوا النظام والقانون وصلت بعض المحاكمات فيها الى عقوبة الإعدام وكذلك ملكني الدكتور عبدالله أحمد عبدالله قاضي المحكمة الدستورية قائمة تأييد حكم بالإعدام فى حق نظاميين إرتكبوا جرائم ومخالفات فى حق مواطنين وليس فى جرائم أمن الدولة . والإمتثال إلى قواعد المرور سمة تحضر يلتزم بها الناس حتى وان لم تكن هناك رقابة بوجود شرطي أو رادار أو كاميرا مراقبة . والإمتثال الى قواعد المرور أمر شرعي لحماية النفس المخالفة والمجني عليها إن كان فى المقابل المخالف وعدم الإمتثال يؤدي الى هلاك الأنفس والممتلكات . يوضح الإمام الغزالي هذا الأمر بأن مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل من يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل مايفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة . ولمصلحة المجتمع وتحقيق مقاصد الشرع غلظت بعض الدول عقوبة مخالفة القواعد المرورية وعدتها جنحاً جنائية فشرعت عقوبة السجن بالإضافة الى الغرامات المالية الكبيرة وفى بعض دول الخليج العربي من يخالف القواعد المرورية بتخطي الإشارة الحمراء يعاقب بالغرامة ويتم ترحيله خارج الدولة إن كان من غير مواطنيها بل ويطالب البعض بعقوبة الإعدام لمن يتخطى الاشارة الحمراء ويتسبب فى موت أخرين . فى ثقافة بعض السودانيين أن تجاوز القانون والقدرة على التحايل بعدم الإمتثال له يضفى على الشخص فلاحا ومكانا وهو ليس كذلك إذ يمثل بغضا وتحقيرا . شوارعنا تعج بالمخالفات للقانون ليس تخطي الإشارة الحمراء وانتهاك القواعد المرورية من السائقين والراجلين وإنما فى حق الطريق والحفاظ على الأنفس والعروض .