آفة المُدُن هى فى امتداداتها الجديدة التى تستلب طابع المدينة القديم وتسرق منها مفتاح المدينة وتخفيه عن أعين السائحين، المُدُن بطبعتها الجديدة تتناسخ من بعضها... أحجز لك تذكرة ممتدّة الصلاحيّة لكل العالم أو أطلب من شركة طيران مقعداً دائماً لترى الوجه الجديد للمُدُن، ستشهد على هذا التناسخ أو استساخ المُدُن! المدن فى زحفها الحضرى صارت تشبه بعضها وكأنّها منسوخة بالناسوخ أو مصوّرة بماكينة التصوير... تشابهت المدن فى طرازها المعمارى وبناياتها ومصاعدها، فى جسورها العلويّة وأنفاقها السُفليّة وفى ميادينها وملاعبها وملاهيها ومراقصها وفنادقها ومطاعمها... وتَوَحّدتْ قائمة الطعام (المنيو)! خذْ تذكرتك واذهبْ، إغمضْ عينيك بعدَ خروجك من الميناء الجوّى وسدْ فتحتى أذنيك بشعيرات قطنيّة، لكنْ لا تعطّلْ حاسة شمّك، ستجد أنّ رائحة امتدادات المدينةالجديدة واحدة، بعضها من بعض... ستقول عن امتداد الرباط إنّها الدوحة، ستكون فى أطراف داكار وأنت تظن انّك فى مانيلا، وستغرق فى سيول على أنّها برازيليا... سترى مدينة الرحاب القاهريّة قطعة أرض من مُدُن الخليج، وستقول عن لاس فيجاس انّها مونت كارلو، فقد تناسخا فى كل شئ حتّى فى صالات القمار! لا تُلقى بالحجّة السهلة دفاعاً عن التشكيل الجديد للمُدُن الذى خنق روح المدينة القديمة الأصيلة... لا تُلقى على وجهنا الكلمة المشهورة التى تُكوّنُها حروف العين والواو واللام والميم والتاء المربوطة، فليست هذه هى الحقيقة بشكلها الكامل، تلك الكلمة تستطيع تشكيل الواقع لكنّها لا تستطيع تشكيل الخيال... فامتدادات المُدُن الجديدة أنتجتها أخطر الثقافات بُعْداً عن الخيال وأكثرها إذابةً للخصوصيّة! المُدُن تُعرفُ بأرواحها وليس بأجسادها، فافتحْ عينيك وأزلْ من فتحتى أذنيك شعيرات القطن، فالأرواح لا تُرى ولا تُسمع ولكنّها تُشم! فقدت معظم المدن فى طبعتها الجديدة مفاتيحها، فروح المدينة هو مفتاحها... لا تندهش بعد سياحتك حين تكشف لك المُدُن أنّ أرواحها أُزُهقتْ، وأنّ مفاتيحها سُلِبتْ وذُهِبَ بها إلى متاحف المدن الجديدة لعرضها على السائحين بعد دفعهم لقيمة التذكرة السياحيّة! الخرطوم التى تتسارع امتدادتها الجديدة أفقيّاً ورأسيّاً، أين مفتاحها، أين مفتاح الخرطوم الأصيلة!!