مغامرة أقل ما يمكن أن أصف به رحلتي من البيت بأتجاه سوق أمدرمان ثم العودة فأنا قليل الحركة نحو الأسواق إيثاراً للسلامة المالية والنفسية,إجتمعت جميع عناصر المغامرة بدايةً من أنني قررت دخول السوق وسأضيع جزءاً عزيزاً من مالي في هذا السوق و قد أصاب بلوثة عقلية من جراء تطاير شرر الأسعار فالسوق أصبح يرمي بشرر كالقصر ,و معجزة إيجاد وسيلة مواصلات آمنة ومريحة ناهيك عن التلوث الجوي والبصري والسمعي الذي سأواجهه... هذه المرة أكتب بأسلوب مختلف لأن الذي أستفزني موضوع مختلف وهو التلوث السمعي و لغة التيت وللذين لا يعرفون لغة التيت ...أذكرهم بالأفلام الأجنبية وغيرها من البرامج العربية كذلك والتي تسمع فيها كلمات نابية أو بذيئة فبدل أن تسمع هذه الكلمة يقوم الشخص المسؤول عن المونتاج قديماً بعد أن يعجز عن قطع هذا الجزء الأصيل من العمل بوضع صافرة مقززة «تيت» مستبدلاً اياها بالكلمة أو الكلمات المراد تجنيب المجتمع سماعها مثل يا ابن كذا أو صن أوف كذا......تيت ،وهكذا أذهلني وأنا أعبر الشوارع مسرعاً متجهاً نحو غايتي بذاءة لغة الحوار في الشارع بين الشباب فلا يكاد يخلو حوار جاد أو هزلي بين شابين أو أكثر من لفظ» تيتاوي» عظيم باللغتين العربية والأنجليزية وتوجد لغات أخرى عند الطلب, لكنني جننت عندما سمعت حواراً «تيتاويا» بين فتاتين غضضت الطرف وظننت بهم السوء للأسف, رغم أنه تبدو عليهما أنهما بنات هاي كلاس او بنات ناس وبعدها لم أعد أكترث عندما أستمع لشجارات السائقين مع بعضهم أو حوارات الكمسارية فيما بينهم تشنفت أذناي بسماع مطر تيتاوي على مختلف الأصعدة ومن مختلف طبقات المجتمع وعلى مرأى ومسمع من الجميع.... لكن هل فعلاً انعدمت لغة و آداب الحوار في مجتمعاتنا العربية لهذه الدرجة لأنني أكتشف منذ زمن أن اللغة «التيتاوية» هي اللغة السائدة في كثير من مجتمعاتنا العربية ولايكاد يخلو شجار أو حوار منها ،وقد تكون هي اللغة السائدة في بعض البيوت يا ابن التيت وياتيت وقد يكون القائل في هذه الحالة هو التيت نفسه يعني الأب أو الأم...ونعم التربية. المشهد الأخير كان في طريق عودتي حين صعدت إلى الحافلة المتجهة من السوق العربي بالخرطوم إلى البيت حيث كان بطل القصة الكمساري الطفل ابن الحادية عشرة يجمع النقود قيمة التذكرة من الركاب بطريقة فظة وقد تملكته روح شريرة ,حتى أن بعض الركاب قد أرتعدت فرائصهم من قسوة هذا «الكمساروخان» وحانت لحظة المواجهة الأولى عندما انقصت إحدى الراكبات جزئءً من قيمة التذكرة فقذفها بمجموعة لا يستهان بها من اللغة التيتاوية وهو يغمغم بصوت منخفض إنبرى له أحد الركاب قائلاً ماذا تظن نفسك هل انت وزير...تعجبت في نفسي هل الوزراء قليلو الأدب مثلاً...رد كمساروخان للراكب وهل أنت وزير...تعجبت مرة أخرى هل الوزراء يقولون الحق أو ينصحون..سادت لحظة من الصمت ..تعجبت فيها من تفكيرهم هل الوزراء يستقلون الحافلات العامة...أخذ كمساروخان يغمغم بعدها بلغة تيتاوية غير مسموعة جيداً وتوجه نحو راكب لآخر,وحانت لحظة الأكشن عندما قال له أحد الركاب «ما في قروش»وهو أيضاً طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره يركب الشماعة ولمن لا يعرفها «هي وضع ركوب للحافلة خطر للغاية يقف فيه الشخص على الباب بصورة إكروباتيه يكون واقفاً أحياناً بقدم واحدة وبقية جسده متدلي من الحافلة» صاح كمساروخان ده أفتفزاز «يقصد إستفزاز» تدخل شاب صالح كان ايضاً في وضع الشماعة ودفع قيمة التذكرة لهذا الطفل المشمع لكن كمساروخان أستمر في الغمغمة والزمجرة باللغة التيتاوية ...أفتفزت هذه الكلمات الطفل المدفوع له و أشار لكمساروخان بأصبعه السبابة يازووول هووووي وهي إشارة بداية المعركة لمن لايعرف المجتمع السوداني...أنطلق بعد ذلك سيل من السباب والشتائم القذرة تيت .....التي تأبى اللغة التيتاوية أن تنسب إليها ناهيك عن العربية أو الأنجليزية ولا حتى الفرنسية رغم تحررية مجتمعها وبدأت المعركة «طخ كع كع دو دل دل ميااااااووكثيرمن اللغة التيتاوية» كنت أجلس في المقعد الأول بجوار الباب لكنني آثرت عدم التدخل حرصاً على سلامتي لأن العلاج غير متوفر ولمن أستطاع إليه سبيلاً فقط يعني تبقى (ميته وخراب ديار).... ولكنني فوجئت بقوات تدخل سريع تقفز من فوق رأسي وتمر أقدامهم بجوار أذناي «زيوووو كع كع طخ «خبطات في رأسي نظراً لتدخل القوات وتنفيذ عملية فجر الأوديسا وفض الأشتباك...أشار بعضهم بالتوجه لأقرب قسم شرطة وأشار البعض بكسب الزمن والمضي في الرحلة وقد حدث.كان ينتابني شعور فظيع بالخجل من كمية الكلمات التيتاوية التي سمعتها أثناء هذا الشجار و مجتمع الحافلة يضم الكثير من الفتيات والنسوة والرجال الكبار في السن. تخيلت لو أنني برفقة أبي أو أمي أو أختي أو حتى زوجة المستقبل ...هل نزع الحياء فعلاً لهذه الدرجة أم أنها فقط نشوة الشجار وروح الشر .هدأت الحافلة وبدأ الركاب في الحديث و التندر فيما بينهم بنفس الكلمات التيتاوية ولكن بصوت منخفض وكأننا نستلذ عندما نتداول هذه اللغة أو نفرغ قليلاً من شحنة الغبن التي نتجرعها يومياً... أعزائي: الحكومة ليست السبب في انتشار اللغة التيتاوية ولكنها التربية والتربية مرتبطة بالتفرغ .و المواطن غير متفرغ فهو يلهث ليجمع قمامة العيش لأولاده أقصد لقمة العيش ويقسمها بالتساوي بينهم وبين حكومتنا الرشيدة ليأتي الربع الأول من الشهر وهو لايملك إلا التيت ...لأم الحكومة وجميع أهلها . فخبروني كيف يمكن أن يتربى المجتمع؟