قدر من الإنتشاء بدا على ملامح نصر الدين الهادي المهدي وهو يقف في صورة نشرتها الصحف الأسبوع الماضي إلى جانب القادة السياسيين والعسكريين للجبهة الثورية المسلحة، (عرمان، مناوي، عبد الواحد، الحلو ومالك عقار)، وقفة بعثت لدى البعض مشاعر الدهشة، ليس فقط لأن نصر الدين وقفها نائباً لرئيس حزب الأمة القومي المعروف بحواراته المستديمة وعلاقته الدافئة مع الإنقاذ ، التي يرفض تغييرها عبر فوهات مدافع تحالف كاودا، لكن الرجل عرف خلال الآونة الأخيرة على الأقل باعتباره سياسياً مخضرماً يقبع بعيداً عن الأضواء هناك في أروقة حزب الأمة، أروقة كادت تُغرِق في النسيان ذاك الدور العسكري البارز الذي لعبه ابن الإمام الهادي قديماً، حينما شارك في عملية غزو الخرطوم العام 1976م تحت قيادة العميد محمد نور سعد. نصر الدين، عاد حينها من ألمانيا حيث كان يدرس الطب في جامعاتها، وفاجأ أسرته بوصوله إلى المنزل ذات يوم، وكشفه تفاصيل خطة الجبهة الوطنية المعارضة لغزو الخرطوم بحسب ما قال شقيقه د.الصادق الهادي المهدي في حوار صحفي، وكانت مهمة نصر الدين هي السيطرة على مبنى الإذاعة، لكن الخطة فشلت بسبب عدم دقة التوقيت كما يقول مصدر مطلع على شئون حزب الأمة في ذلك الوقت. المشاركة في غزو الخرطوم العام 1976 لم تكن أولى محطات ابن الإمام الهادي في طريق الخطط العسكرية والطموحات الثورية، فنصر الدين الشاب حينها، كان قد تولى شئون شباب الأنصار والمجاهدين منذ مطلع السبعينيات التي شهدت مواجهة دموية بين الأنصار وحزب الأمة من جانب، ونظام الرئيس نميري من جانب آخر، مواجهة راح ضحيتها كثير من الأنصار بين أحداث ود نوباوي وقصف الجزيرة أبا، انتهاء بمفارقة الإمام الهادي الحياة متأثراً بإصابته بطلق ناري رماه به أحد جنود دولة نميري، وإبان تلك الأحداث مكث نصر الدين مع والده بمنطقة الجزيرة أبا أثناء القصف، وبعد خروج الإمام الهادي أشرف الابن على عملية إجلاء الأسرة إلى ود نوباوي، ومضى لاحقاً إلى معسكرات المعارضة في الخارج. توقيع نائب رئيس حزب الأمة القومي على اتفاق مع الجبهة الثورية المسلحة يهدف لإسقاط النظام، في وقت ينادي فيه رئيس الحزب بالجهاد المدني والتغيير السلمي ، يستدعي فحص العلاقة بين السيد الصادق المهدي ونائبه في الحزب، ويتفق أكثر من مصدر في حزب الأمة على أن علاقة الرجلين ? الصادق ونصر الدين ? بقيت جيدة لعقود من الزمن، وأن الأول كان يقرب الأخير ويثق به، لكن مواقف نصر الدين الأخيرة لا تبدو قريبة بحال من مواقف الإمام، وقال نصر الدين في حوار صحفي عقب دخول عبد الرحمن الصادق المهدي في الإنقاذ: كيف لرجل في قامة الصادق المهدي السياسية أن يدفع بابنه إلى أحضان المؤتمر الوطني لتهيئته لوراثته..كيف يعقل أن يقوم بتجهيز ابنه لخلافته عبر المؤتمر الوطني.. وتابع نصر الدين فيما يشبه التفسير للخطوة التي أقدم عليها لاحقاً: جماهير حزب الأمة وكيان الأنصار تنتمي للهامش، ولا يستطيع أي شخص كان في حزب الأمة أن يمارس العمل السياسي دون أن يتبنى قضايا الهامش، وأعتبر أن الوطني هو أكبر خطر يتهدد البلاد. هذا الموقف القوي الذي فاضت به تلك التصريحات، ووقفة الرجل اللاحقة مع زعماء ما يعرف بالجبهة الثورية، تقف على طرف نقيض مع الأوصاف التي يطلقها بعض العارفين بأمور حزب الأمة على الرجل، ويقول مادبو آدم مادبو عضو المكتب السياسي السابق للأمة ،إنه حينما شب في الحزب وجد نصر الدين من الكوادر البارزة الناشطة، وكان الباحثون عن التغيير ينظرون إليه باعتباره رجلاً يرجى منه، قبل أن يستكين إلى جانب الصادق. ويقول العميد معاش عبد الرحمن فرح مدير الأمن في حكومة حزب الأمة الإئتلافية قبل الإنقاذ ،إن نصر الدين رجل كتوم ومهذب ومعتدل، لكنه صاحب موقف قوي ضد نظام مايو، وموقف قوي ضد نظام الإنقاذ. خرج نصر الدين بعد مشاركته في عملية غزو الخرطوم، وعاد إلى البلاد عقب المصالحة الوطنية بين النميري والسيد الصادق المهدي، واستقر به المقام، ودرس القانون بجامعة القاهرة فرع الخرطوم قبيل انتفاضة أبريل، وغادر البلاد إلى لندن بعد انقلاب الإنقاذ، وعاد ثانية إلى الداخل مطلع العقد الماضي، وهو متزوج وله ابنة واحدة وثلاثة أبناء. يقول عبد الرحمن فرح إن نصر الدين صاحب قرار مستقل، ويميل إلى الحوار ولم الشمل، ولم يعرف عنه طموح في الوزارات والمناصب، بينما يقول مصدر من آل المهدي أن نصر الدين يحب العمل وراء الكواليس، وله موقف ثابت ضد المتمردين على المؤسسية الحزبية، تجلى في عدم ترحيبه بخروج مبارك الفاضل، ويفضل الحوار والتوافق والعمل تحت مظلة الجماعة، فضلاً عن قناعته بأن الصادق هو الشخص الأنسب لقيادة حزب الأمة وقيادة كيان الأنصار. لكن، عليمين بالأوضاع داخل حزب الأمة يرون أن نصر الدين هو أكثر قرباً لخاله مبارك الفاضل من الإمام الصادق المهدي، وربما كان إنضمامه للجبهة الثورية بإيعاز من مبارك الذي تربطه علاقات خاصة جداً مع قادة الجبهة الثورية، وعلاقات تجارية وسياسية أكثر خصوصية مع دولة الجنوب التي تدعم الجبهة في الخفاء. بالنظر إلى التزامه الطويل بالمؤسسية الحزبية واعتراضه على كل من غرد خارج السرب، يرى البعض في خطوة نائب رئيس حزب الأمة الأخيرة ،دلالة على تململ واسع داخل الحزب من توجهات الصادق وعلاقته الحميمة مع الإنقاذ، ونهاية لعهد اعتدال نصر الدين وانفجاراً لثوريته، في المقابل، ومن واقع علاقته الدافئة مع الزعيم طيلة عقود، يرى آخرون في توقيع نصر الدين صاحب الستين عاماً اتفاقاً مع الجبهة الثورية خطوة لا يمكن لها أن تتم دون ضوء أخضر من الإمام الذي تعهد بمحاسبته امس الاول، ليبقي الإمام أحد أذرعه مع السلطة، وذراعاً أخرى عليها، بينما يبقي هو بنفسه جالساً على مقعد الحياد في انتظار ما ستنجلي عنه الأمور..!