ربما يحار الكثيرون ليس من المراقبين والسياسيين ،بل من قيادات حزب الأمة نفسه ودوننا تصريحات السيد مادبو المعبرة عن هذه الحيرة في الإتجاه الذي تشير إليه بوصلة حزب الأمة القومي أو بطريقة أكثر تحديدا البوصلة السياسية لرئيسه وزعيم الأنصار الإمام الصادق المهدي ،فالمهدي الذي لعب دورا كبيرا في تأسيس تحالف المعارضة المسمى التجمع الوطني الديموقراطي في مطلع التسعينيات ،وحشد الدعم العربي والغربي له وتولى أمانته العامة وجمع فيه بين الحركات المسلحة الجنوبية وبعض حركات الشرق مع التيارات السياسية المعارضة بالكلمة ،بل جيّش لنفسه جيشا أسماه جيش الأمة ،مع كل هذا كان المهدي أول من دق إسفين التمزق في جسد التجمع الوطني ووصل إلى تفاهمات مع صهره المنقلب عليه حسن الترابي ،ثم كان إتفاقه مع الحكومة الذي قضى بعودة حزبه وتفكيك جيشه الذي لا يزال يبحث عن حقوقه المهدرة ،وعاد إلى الداخل ليشارك بنسبة (40%) في حكومة الإنقاذ ،لتحول التكتلات الجهوية الجديدة داخل حزبه التي أججها خروج الترابي وصدور الكتاب الأسود الذي نادى بحقوق أهل دارفور ،فظهرت تلك التكتلات داخل حزبه شكلت إلى جانب قاعدة أخرى من أبناء الإقليم في المؤتمر الشعبي المكون البشري السياسي والعسكري للتمرد ،ذلك التيار الجهوي الذي برز في حزب الأمة مطلع الألفية منع المهدي من الكيكة الأربعينية ،ليسيل لها لعاب مبارك الفاضل وآخرون ،كانت عودتهم تشاركون وليست تهتدون كما صورها الإمام الصادق ،فأصبح الحزب في جهاده المدني الذي لم يبلغ به لا الثورة ولا الإنتفاضة لا القصر ولا الغابة ،ثم اتفق الحزب من جديد عقب الانتخابات العامة في العام 2010م على المشاركة في حكومة القاعدة العريضة مع المؤتمر الوطني ،لكنه عاد وتراجع عن تلك المشاركة ،وأوفد لها ابنه عبد الرحمن الصادق مساعدا للرئيس في مغالطة جدلية هل مشاركته تمثل الحزب الذي لم يفصل رغم عسكريته قبل الموقع الدستوري ولا حتى بعد المشاركة ،لكن المؤكد تماما أن مشاركة العقيد عبد الرحمن تمثل أسرة المهدي وتعبر عن رضا والده الذي تمنى له التوفيق في مهامه الرسمية عندما سأله عن ذلك ربيع عبد العاطي عن شعوره تجاهه وهل سيقدم له النصح والعون أم لا ؟فكانت الإجابة بنعم . ثم سعى الحزب لتوظيف الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات فاتخذ من مسجد الأنصار في ود نوباوي مأوىً ليخرج الأنصار وغير المصلين من أهل اليسار ليوثق للثورة إن نجحت أنصاريتها ويتزعم أي حكومة قد تنجم عنها ،ثم لما علم بخيبة أمل تلك التظاهرات في تغيير النظام ،أخذ يهادن وأوردت الزميلة آخر لحظة حينها خبرا بمنع الحزب لخروج التظاهرات من مسجد ود نوباوي إلا أن الحزب نفى فيما بعد صحة الخبر،ثم أخذ مبارك الفاضل في العمل التحتي لصالح الجبهة الثورية وعمل على إزاحة السيد الصادق نفسه إن هو مانع توجه الحزب ما دعى الأخير لنفي صلة مبارك بأي موقع قيادي ،وهاجم الصادق ابن عمه نصر الدين الهادي المشارك في الجبهة باسم الحزب وعبر أكثر من مرة عن عدم تمثيله للحزب في التوقيع على وثائق الجبهة الثورية فيما يشبه المغازلة للحكومة لمناصرته ضد مبارك الفاضل ،وها هو المهدي بعد أن فشل في لفت الإنتباه إبان مؤتمر الحركة الإسلامية بمذكراته المفتوحة والمغلقة يلحق بلندن ليصل إلى تفاهم مع الجبهة الثورية . حاشية : ليس من عجب أن يتفاهم الإمام الصادق مع الجبهة الثورية ويصبح جزءًا منها ثم يقوم بعزل ابن عمه نصر الدين الهادي من موقعه كنائب لرئيس الحزب ،فقد فعلها من قبل عندما نهى عن فعلٍ وأتى مثله حين فاصل عمه الإمام الهادي المهدي ورفض جمع الأخير بين رئاسة الحزب وإمامة الأنصار قبل أربعين عاما ،فعاد الصادق وجمع بين الأختين بعد سنوات .والمواقف الضبابية هذه تنم عن قراءة سياسية وتحليل غير دقيق ،فهو يوالي المعارضة وأعداء الإنقاذ الخارجيين ليلا ليصبح في قلب أي نظام قادم ،فإذا أشرقت الشمس ووجد الإنقاذ في مكانها غازلها ليضمن إستمرار حالة المناورة السياسية معها التي يجني منها الكثير ،وتذكرني مواقف الإمام بقصة رجل الأعمال الشهير مطلع الثمانينات ،حيث خشي من تدهور أوضاعه عقب مايو رغم أنصاريته وولائه لحزب الأمة ، فقام بتحرير ثلاثة شيكات بمبلغ متساوي قبيل إنتخابات العام 1986م ،فذهب إلى حزب الأمة وقدم الشيك الأول وتمنى له الفوز ،ثم ذهب إلى الإتحادي الديمقراطي وقدم له الشيك الثاني وقال له أنا معكم ،وأخذ الشيك الثالث إلى دار الجبهة الإسلامية وقال لهم أنا معكم ،ثم عاد إلى منزله وتمدد وتلفت لمعاونه قائلاً (تاني كان في (ابن أنثى) بره من ديل بيحكم البلد خلي يجي )