في يومي الجمعة 81/4 والسبت 91/4/8002م قمنا برحلة علمية من جامعة افريقيا العالمية إلى منطقة ناوة في شمال السودان وكان بصحبتي في هذه الرحلة الأخ أُبيّ الشيخ من قسم الوسائل بالجامعة. وقد تمت هذه الرحلة بدعم وتشجيع كبير من البروفيسور عمر السماني مدير الجامعة والبروفيسور حسن مكي مدير مركز البحوث والدراسات الافريقية بالجامعة، كان الغرض من هذه الرحلة التقصي عن الكشف الأثري الذي وجد في مسجد ناوة الأثر. تحركنا بعد صلاة الفجر مباشرة وسلكنا طريق شريان الشمال، وهي المرة الأولى التي اسافر فيها على هذا الطريق، والذي يعد انجازاً حقيقياً للانقاذ دون شك. وقد قطعنا اكثر من ثلاثمائة وسبعين كيلو لنصل إلى بنطون الغدار، حيث استقبلنا الاخ ابراهيم محمد ساتي والذي أكرمنا كرماً فياضاً وصحبنا بنفسه مع صهره الاخ الكريم صالح، وقد كان من الصعب جداً ان يتم الوصول إلى ناوة دون مساعدته، إذ ان الطريق به رمال كثيرة (قيزان) فقام اولاً بتخفيض كفرات السيارة الى النصف تقريباً وقاد السيارة بمهارة فائقة لتصل بحول الله وتوفيقه الى ناوة في الساعة الثانية ظهراً. شهدنا صلاة الجمعة بمسجد ناوة الأثري، وهو مسجد بنى حديثاً بجانب المسجد الاثري الذي نقصده، بعد صلاة الجمعة تحدثت قليلاً للمصلين معرفاً بيزيد بن ابي حبيب الذي ينتمي إلى هذه المنطقة، وقد ذكر ثقاة المؤرخين ان والده أخذ اسيراً في حملة عبد الله بن ابي السرح على النوبة عام «13ه» واعتنق الاسلام في مصر وتزوج وكان له ابناء منهم يزيد، الذي نبغ في علم الحديث وروى عن ثلاثة من الصحابة الكرام، وقد نال يزيد ثقة الخليفة الأموي الزاهد، عمر بن عبد العزيز فولاّه الفتوى في مصر، وكان له اثر كبير في كثير من العلوم خاصة الحديث والفقه والسيرة والتاريخ، وله تلاميذ كثر، ابرزهم الامام الليث بن سعد، الذي قال عنه الامام الشافعي: (الليث أفقه من مالك، غير ان تلاميذه ضيعوه). ولا تتسع هذه العُجالة للحديث عن يزيد ويكفي ان نقول إن احاديثه قد فاقت الخمسمائة حديث في الستة الصحاح ومسند الامام أحمد بن حنبل. وصف المسجد الاثري: يوجد ما تبقى من آثار هذا المسجد داخل سور المسجد الذي صلينا فيه الجمعة وقد بقى منه المحراب والسور الأيمن (الجنوبي) والسور الخلفي (الغربي)، أما السقف فقد ذهب تماماً - وبقيت غرفة ملحقة بالمسجد يتجه مدخلها غرباً ويوجد النقش على حجر مسطح وهو جزء من البناء ويقع على يمينك وأنت تدخل إلى الغرفة. الكتابة المنقوشة على هذا الحجر يتبين القارئ منها العبارات التالية: بسم الله، اللهم اغفر، محمد، يزيد، حبيب، وذلك حسب تقديري وموافقة بعض المختصين في الآثار. إذا صح هذا الاجتهاد، فهذا يعني ان يزيد ربما حضر إلى هذه المنطقة او شهد بناء هذا المسجد، وقد كان يزيد يفخر كثيراً بانتمائه إلى دنقلا ويقول: (أبي من أهل دنقلا). مما يقوى هذا الاحتمال، ان شكل بناء المسجد وطريقة رص الحجارة مشابه تماماً لبناء مسجد عبد الله بن ابي السرح بدنقلا العجوز (الصور مرفقة). بما ان يزيد قد عاش في الفترة من «35 - 821ه» فان حضوره الى هذه المنطقة يكون في نهاية القرن الهجري الأول أو مطلع القرن الثاني ويكون هذا المسجد من اقدم المساجد في السودان بل في افريقيا قاطبة. بعد عودتنا من هذه الرحلة اطلعنا كلاً من الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية والبروفيسور أحمد علي الإمام مستشار رئيس الجمهورية علي نتائج الرحلة وقد أوليا هذا الموضوع مشكورين اهتماماً كبيراً ووعداً بدعم جهود الكشف عن الآثار الإسلامية. وقد توجهنا الى الهيئة العامة للآثار بصحبة الاخ الكريم الدكتور مهدي ساتي رئيس قسم التاريخ والذي عمل لسنوات طويلة بالمتحف القومي وقابلنا الدكتور حسن حسين مدير الهيئة العامة للآثار والدكتور صلاح محمد أحمد مدير الكشف الاثري واطلعناهم على نتائج الرحلة وقد رحبوا ترحيباً كبيراً وذكروا ان لديهم (فريقاً) يعمل في طريق كريمة كرمة وقد وجهوهم بالذهاب للموقع وتوثيق المسجد وما به من آثار ونقوش. وقالوا ان هذا سيكون تعاوناً مثمراً بين جامعة افريقيا والهيئة العامة للآثار. نأمل ان يكون هذا الجهد المتواضع تشجيعاً لجهات الاختصاص والباحثين لمزيد من الجهود للكشف عن الآثار الإسلامية في السودان سيما وقد دخلت هذه البلاد في دين الإسلام في خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه ولا تزال كثير من جوانبها تحتاج لمزيد من الجهد والبحث العلمي الجاد. والله الموفق لما فيه الخير،،، ? جامعة افريقيا العالمية