محاور كثيرة دار النقاش حولها فيما يتعلق بضرورة البحث عن العلماء السودانيين الذين أسهموا في الثقافة الإسلامية وعن ذلك الجزء المهمل أو غير المكتشف من علائق السودان بجذور الحضارة الإسلامية.. كانت قاعة مركز التنوير المعرفي تنتظر أن تمتلئ عن آخرها لحضور الندوة التي أعلن د. حسن الشايقي الأستاذ المشارك بجامعة أفريقيا العالمية أنه سيميط اللثام فيها عن كشف أثري مفيد يتعلق بالتابعي يزيد بن أبي حبيب ولكن الحضور كان دون التوقع. كشف أثري مفيد ولعل الكشف الذي أعلن عنه د. الشايقي من الأهمية بمكان وإن كان ما زال قيد التأكد إذ انه يفتح الباب للبحث حول الموضوع ومواضيع أخرى وهو عين ما اتفق عليه الحاضرون، حيث اعتبروا هذا الكشف والدراسة مدخلاً لمزيد من البحث عن تاريخ السودان مع الحضارة الإسلامية.. والكشف الذي تحدث عنه الشايقي يتعلق بأثر وُجد حديثاً ببلدة (ناوا الأتر) بالولاية الشمالية، وهي تبعد عن دنقلا العجوز (الغدار) حوالي (50) كلم شمالاً وهو عبارة عن مسجد مبني من الحجارة بصورة غير منتظمة هندسياً، وذكر الشايقي ملاحظاته حوله وأجملها في ان طريقة البناء وشكل الحجارة مشابه لمسجد عبد الله بن أبي السرح الذي بقيت آثاره في دنقلا العجوز. وأن الكتابة المنحوتة على الصخر كتبت على حجر يختلف في شكله عن الحجارة التي بني بها المسجد، فهو حجر كبير نسبياً مسطح وقد بني في الجدار كجزء من البناء تماماً. كما ان الكتابة موجودة على الحجر في غرفة ملحقة بالمسجد حوالي (4*4) أمتار يتجه بابها إلى الغرب وتقع الكتابة على الجانب الايمن. ويقول الدكتور ان ما بقي من المسجد حتى الآن المحراب والسوران الجنوبي والغربي، أما السور الشمالي فقد تهدم وبقي منه الأساس، والسقف غير موجود. والمسجد مغطى كله بالرمال لأن المنطقة تتعرض لزحف صحراوي شديد، فقد وجد الحجر الذي عليه الكتابة على عمق متر تقريباً من سطح الأرض وكانت العبارات المكتوبة تبدو منها عبارة (بسم الله) - اغفر-(يزيد وحبيب)، وربما تشير هذه العبارة «حسب الشايقي» إلى أن يزيداً قد شهد بناء هذا المسجد أو أقام فيه مدة من الزمن. ولعل في ذلك تأكيد لإنتمائه لهذه المنطقة، وقد وردت عبارات كثيرة تؤكد إعتزازه بالإنتماء إلى دنقلا فهو يقول: (أبي من أهل دنقلا) على ما أورده عبد الرحمن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر وأخبارها. ويتصل عرض د. الشايقي بقوله: بما ان يزيد قد عاش في الفترة من (53- 128ه) فإن عودته إلى دنقلا قد تكون في نهاية القرن الأول الهجري أو بداية القرن الثاني، وفي كلا الحالين فإن هذا المسجد من أقدم المساجد في أفريقيا ولعله المسجد الثاني بعد مسجد عبد الله بن أبي السرح في السودان. وبالتالي فهو أثر مهم من آثار الإسلام في السودان. وهنا يتأسف الشايقي على عدم وجود أية عناية بالمسجد من الجهات المسؤولة من الآثار ويدلل على ذلك بأن بعض أهل البلدة عندما علموا بأهمية هذا الأثر، حاول ان يمرر القلم على الكتابة المنحوتة في الحجر وهذا طبعاً خطأ يؤثر على مصداقية الأثر المكتوب. وعلى نحو يشبه التوصية يؤكد د. الشايقي على ضرورة أن يجد المسجد إهتماماً كبيراً وأن يزال الرمل منه فلربما تكون هنالك كتابات أخرى أو آثار تدل على تاريخ بنائه والصحابة أو التابعين الذين اموه، ويشير إلى أن كل من يزور الآثار في شمال السودان يلحظ الإهتمام الكبير والعناية الفائقة بالآثار المسيحية، وأن هناك بعض المنظمات تصرف كثيراً من الأموال على الآثار المسيحية، أما الآثار الإسلامية فهي تفتقر إلى العناية والرعاية مما يعرضها للتلف والزوال. ولم ينس د. الشايقي أن يقدم نبذة تعريفية عن التابعي يزيد بن حبيب وهو غني عن التعريف، وعن الصحابة الذين إلتقى بهم وروى عنهم، وأثره في الحديث، كما ذكر أهم المصادر التي أكدت إنتماءه إلى دنقلا العجوز. مشاريع بحث التراث الإسلامي وكان د. حسن حسين ادريس مدير هيئة الآثار والمتاحف قد سبق د. الشايقي في تطواف مع الحاضرين حول أهمية مصادر التاريخ والوثائق بشتى انواعها ودورها في توضيح المعلومة وإثبات الحقائق التاريخية، مربوطة بالعمل الآثاري وصولاً إلى التاريخ المطلوب. وسرد د. حسن تاريخ السودان منذ العصور القديمة وصولاً إلى الحقب الحديثة، والجهود التي تبذل في الوصول إلى الآثار وكشفها وإثباتها وحمايتها، معلناً في الوقت ذاته عن قيام عدة مشاريع للمحافظة على تاريخ الحضارة الإسلامية في السودان، ومشيراً إلى أن العمل لا يجري فقط على الآثار المهددة بل يشمل كل الآثار الموجودة، لكن هناك معاناة في الكوادر العاملة في المجال، إضافة إلى أن العلماء يكتبون والآثاريون يعملون لكن ليس هناك ما يجمع بينهم فالمطلوب عمل مشترك، ودعا المركز لتبني مؤتمرات تتواصل للخروج بأفكار نيرة للتنفيذ وخلق مشاريع مشتركة لتمويل دراسة الآثار الإسلامية، معلناً تواصل اعمال الترميم والصيانة. مدخل للبحث وكان للحاضرين مساهماتهم في النقاش ودعوا إلى أن تكون هذه الدراسة مدخلاً للبحث عن العلماء السودانيين الذين أسهموا عبر العصور في الثقافة الإسلامية والعربية منذ عهد الأحابيش في مكة لأن هناك حقائق تاريخية مغمورة وليس من منطلق عنصرية او جهوية، ولكن لأن هناك حركة إستقطاب حادة ضد الثقافة الإسلامية العربية في السودان. واختلفت وجهات نظر البعض مع الباحث حول صحة نسب هذا الأثر وكذلك مسجد ابن أبي السرح لكنهم اتفقوا على ضرورة ألا يكون الكشف مجرد موضوع لمحاضرة فقط بل تكون حملة لبحث تراث السودان الإسلامي هذا مدخلها.