في هذا المقال المطول الذي نشره بمجلة فورن افير الامريكية ينصح المبعوث الامريكي السابق للسلام في السودان اندرو ناتسيوس ادارة الرئيس جورج بوش بالتعاون مع الحكومة السودانية بهدف تطبيع العلاقات معها وتجنب انزلاق البلاد في اتون حرب اهلية عوضا عن سياسة التهديد وفرض العقوبات واشار الى ان السودان قاوم الضغوط الخارجية واستطاع معها انتاج النفط وقال ان المؤتمر الوطني الحاكم في السودان يرغب في رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للارهاب واضاف ان ذلك يعني رفع الحظر الاقتصادي علي السودان وتمكينه من استخدام التكنلوجيا الامريكية في زيادة انتاج النفط السوداني بنسبة 40 في المائة حسب رأي الخبراء وفيما يلي ترجمة بتصرف لنص المقال. تعتبر سياسات و(تكتيكات) حزب المؤتمر الوطني واحدة من عوامل عدم الاستقرار في السودان وهو الحزب المنبثق عن الجبهة الاسلامية القومية الذي اشاع الاسلام السياسي منذ مجيئه الي السلطة بانقلاب عسكري على الحكم التعددي الديمقراطي العام 1989 بمساعدة الرئيس البشير الذي كان وقتها برتبة عميد وقد انتهج المؤتمر الوطني والجبهة الاسلامية سياسة تهدف لنشر الاسلام السياسي في القارة الافريقية ليتحقق للجبهة الاستمرار في السلطة. في العام 1989 ابعد المؤتمر الوطني حسن الترابي الزعيم والمنظر الايدولوجي للنظام الذي دعا زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن للسودان وقد اخذ البشير وغيره من القادة الذين نأوا عن الترابي في تطوير انتاج النفط المكتشف حديثا وسعي الحزب لتأمين استمراره في السلطة. يرى العديد من قادة المؤتمر الوطني ان الغرب وعلى وجه الخصوص الولاياتالمتحدةالامريكية وكذلك اوربا والاممالمتحدة (والتي في نظرهم واجهة للولايات المتحدة ) تسعى لعزلهم وتدمير السودان وان القوة الهجين المشكلة من قوات من الاممالمتحدة والاتحاد الافربقي في دارفور ستتولى تنفيذ هذه الاستراتيجية وكذلك يخشون ان تقوم بجمع ادلة علي الفظائع التي ارتكبت عامي 2003 و2004 للاعداد لمحاكم امام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. من وجهة نظرهم ايضا فإن القوات الاوربية البالغ قوامها نحو 3 آلاف رجل والتي سيتم نشرها علي طول حدود تشاد مع السودان ما هي إلا مقدمة احتلال في الواقع هناك مطالب وضغوط من المجتمع الدولي ومجموعات الدفاع عن دارفور لاجراء المحاكمات في دارفور في وقت يبدو فيه المؤتمر الوطني يقاوم بشدة نشر القوة الهجين، واحد الاسباب التي مكنت المؤتمر الوطني من مقاومة الضغوط الخارجية ازدياد عائدات النفط وكذلك ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد القومي لنحو 12 الى 14 في المائة سنويا ما مكن من تأمين احتياجات الامن داخليا وحرر السودان من الضغوط الخارجية ولا سيما العقوبات الاقتصادية التي فرضتها ادارة كلنتون منذ العام 1997 والتي وسع نطاقها ومددها العام الماضي الرئيس بوش. الاجراءات التي اتخذها الرئيس بوش ألحقت الاذى بالنظام المصرفي والمالي السوداني ما دفع قطاع المال والاعمال الضغط علي الخرطوم لتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي فالعقوبات لم تكن كافية لاجبار الخرطوم على تغيير سياساتها فالعقوبات اعاقت المؤتمر الوطني لكنها لم تهدد بقاءه علي سدة الحكم لذلك ليس من الجدوى فرض مزيد من العقوبات على السودان فقد ابلغني مسؤول جنوبي بان وقف تصدير النفط السوداني سيلحق الاذى بالجنوب الذي يعتمد على ريعه في استقراره على ذلك فإن الجنوبيين يعتبرون قطع الشمال لارباح النفط للجنوبيين بمثابة اعلان حرب. هجمة مرتدة عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار في السودان يتمثل في التكتيكات والخطط التي اعتمدتها الحركة الشعبية لتحرير السودان أخيراً تجاه العرب الشماليين بعد فشل سياسة الضغوط الغربية على الخرطوم لانفاذ اتفاق السلام ، ففي الخريف الماضي انسحب وزراء الحركة عن حكومة الوحدة الوطنية قبل ايام معدودة من بدء محادثات سلام بين الحكومة ومتمردي دارفور قي مدينة سرت الليبية كان يتوقع ان تخرج بنتائج جيدة. خلال وبعد مفاوضات سرت سعى الجنوبيون لتوحيد مواقف حركات دارفور المتمردة والتي بلغت نحو 27 حركة متمردة والهدف لم يكن ببساطة كما قالت الحركة الشعبية تسهيل عملية السلام في دارفور التي اعطبتها النزاعات الداخلية وسط الحركات وانما ايجاد تحالف سياسي وعسكري مؤلف من مجموعات المهمشين المعارضة للمؤتمر الوطني بل ان الحركة الشعبية ذهبت الى دعوة موسى هلال زعيم مليشيا الجنجويد الى جوبا وهو الرجل الذي يحتمل ان يقدم لمحاكمة دولية وقد نمت لديه خيبة امل تجاه المؤتمر الوطني ونمت لديه شكوك في انه قد يكون كبش فداء لكن المؤتمر الوطني سرعان ما اعلن تعيين هلال في منصب رفيع في الحكومة وقد قبلها هلال . ان إقتسام السلطة بين الشمال والجنوب كان له اثره في القوة العسكرية للجانبين فعلى عكس كيم يونق الثاني في كوريا الشمالية وصدام حسين في العراق ليس للمؤتمر الوطني السلطة المطلقة لاستخدام القوة والعنف في الداخل فالجيش الشعبي اكتسب خبرة في حرب العصايات على مدى عقدين من الزمان بل اصبح بشكل تهديدا لحقول النفط التي كانت تسيطر عليها الحكومة وبعد ضغوط كثيفة وافق المؤتمر الوطني العام 2002 على الدخول في مفاوضات مع الحركة الشعبية بهدف انهاء الحرب وقد خلص الى ان التوقيع على اتفاق السلام سيضمن بقاءه . هناك عوامل اخرى من شأنها ان تولد احساساً بضعف المؤتمر الوطني فالعرب الذين يقطنون على نهر النيل ويشكلون نحو خمس سكان البلاد باتوا بخشون من انهم سيصبحون اقلية امام الهجرات والنزوح الكبيرين من الجنوب والمناطق المهمشة خلال سنوات الحرب ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التجوال في شوارع الخرطوم فخلال زيارتي الاولى للسودان في العام 1989 كانت ملامح سكان المدينة عربية اما الآن فالملامح افريقية وهناك من يتنبأ بان الرئيس سيكون افريقياً. هناك نحو مليون ونصف المليون جنوبي نزحوا خلال سنوات الحرب الي الشمال عادوا الى ديارهم منذ التوقيع على اتفاق السلام وهناك مليونان فضلوا البقاء في الشمال رغم الضغوط التي تمارس عليهم للعودة وفي شوارع الخرطوم هناك شعور ممزوج بالخوف والغضب.. الخوف من ماذا سيحدث اذا اندلعت الحرب مرة اخرى والغضب مما حدث بعد اعلان وفاة جون قرنق في حادثة تحطم طائرة العام 2005 حيث ثار عدد كبير من الجنوبيين وقتلوا الشماليين واحرقوا متاجرهم ظنا منهم ان الحادث كان مدبرا. الوضع الآن في السودان غير ثابت فالمتشددون في الجنوب ربما يحاولون مجابهة الشماليين وعرقلوا الآن مساعي حل ازمة ابيي فيما يرى آخرون في المؤتمر الوطني ان الجنوبيين احتلوا الشمال ويسعون لتحريك المليشيات الشمالية ضدهم هتاك ايضا خلافات بين الجنوبيين انفسهم بين الدينكا والقبائل الصغيرة الاخرى من جانب وبين الذين حصلوا على الوظائف والسلطة في جوبا والذين ما زالوا يعانون نتيجة الفقر والجوع والعوز والفساد. نواصل