وسط أجواء الشد والجذب التي خيمت على ردهات المؤتمر العام الثاني للحركة الشعبية بجوبا، والذي ينتظر أن يحدد ملامح قادة وسياسات المرحلة المقبلة التي ستطال بالضرورة قطاع الشمال وأدواره المرسومة، أشارالأمين العام السابق باقان أموم في تصريحات صحفية حديثاً إلى أن الحركة في حال الانفصال ستظل حزباً موحداً في دولتين تعمل وفق برامج موحدة لإنفاذ مشروع السودان الجديد والعمل على توحيد الدولتين مجدداً إذا ما نجحت في توحيد البرنامج السياسي والاجتماعي، وأضاف أن الحركة في الشمال سيكون عليها العبء الأكبر في تنفيذ هذه المهمة. وتطلعات الحركة نحو الشمال ولعب دور فيه بدأت مع زعيمها الراحل د.جون قرنق وطموحاته العسكرية التي كانت النسخة السياسية منها هي مشروع السودان الجديد الذي كان قطاع الشمال احد اذرع تنفيذه، إلى جانب مهام اخرى تتمثل في تقوية وجود الحركة شمالا في ظل التوجهات الوحدوية الشهيرة للدكتور قرنق، وعلى ضوء تصريحات باقان تضاف إلى القطاع الآن مهمة جديدة هي إعادة توحيد السودان إذا ما أنفصل جنوبه عن شماله. وكانت الهياكل التنظيمية للقطاع بولايات دارفور الثلاث قد اكتملت هذا العام، فيما اكتملت العام الماضي هياكل الولايات الشمالية الأخرى. ويقول نائب سكرتير الشباب والطلاب بقطاع الشمال: (اكتمال الهياكل التنظيمية سيكون له تأثيره الكبير على مستقبل الحركة، وسيلعب دوراً في قضية وحدة السودان وبنائه على أسس جديدة). أخطاء ولكن بناء قطاع الشمال نفسه صاحبته بعض الأخطاء والثغرات على ما يبدو، إذ إعترف باقان بأن العديد من التشوهات تمت أثناء عملية بناء وتنظيم الحركة على مستوى المؤتمرات القاعدية، وعدد منها التخويف واستخدام السلطة والنفوذ في التأثير على نتائج الانتخابات القاعدية واختيار الوفود المشاركة في المؤتمر العام. وكانت أزمة اختيار ممثلي قطاع الشمال للمؤتمر العام الثاني للحركة قد طفت على السطح طيلة الأسابيع التي سبقت انعقاد المؤتمر، ودفعت مكاتب الحركة في عشر ولايات شمالية بمذكرة إلى سلفاكير تؤكد أن العضوية المختارة للمشاركة في المؤتمر لا تمثلها، وتقدم البعض باستقالاتهم لتجاوز المؤسسية في الاختيار، وبرزت اتجاهات لتكوين قطاعات خاصة للحركة بكل من ولاية البحر الأحمر وولايات دارفور، كما أنتقد مكتب الحركة بولاية كسلا الأمين العام لقطاع الشمال وما أسماه المكتب بالاختراق الشيوعي لمكاتب الحركة، ويرى نائب سكرتير الشباب والطلاب أن من أثاروا هذه القضية هم بعض عناصر الحركة الذين فشلوا في الصعود ولديهم طموحات سياسية أكبر من طاقتهم. ويضيف:(هناك دوائر خارج الحركة تؤجج الصراعات وتحاول أن تدير تناقضات الحركة). ويرى مراقبون أن التوتر الحالي في قطاع الشمال نشأ عن غياب الديمقراطية وسياسة التعيينات التي صاحبت تشكله. ويقول د.عبده مختار موسي أستاذ العلوم السياسية إن مطالبة بعض الولايات بقطاع خاص هو اتجاه خطير جداً يستبطن خارطة جديدة للسودان في عقلية القيادات هناك، والرأي العام يشعر بالقلق منذ ظهور هذه التوجهات الجهوية، ويضيف:(قطاع الشمال لا يعمل على تقوية الوحدة لكنه أداة استقطابية لمزيد من الأعضاء). المصير الملتبس ومصير القطاع مرتبط لحد ما بمصير القادة الشماليين داخل الحركة أمثال ياسر عرمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار كما يرى المحلل السياسي بروفيسور إبراهيم ميرغني، إذ أن ضمان فاعلية هؤلاء واستمراريتهم مرتبط على نحو وثيق بأن لا تتراجع الحركة جنوباً وأن تنتشر في كل السودان، ومثلما ساعدوا الحركة على تقوية مراكزها في بعض المناطق (النيل الازرق وجبال النوبة) فإن وجودهم داخل الحركة يساعد على تقوية مراكزهم خاصة وأنهم يعانون من صراعات في مناطقهم، مثل مالك عقار الذي يواجه صعوبات في النيل الأزرق.وفي حالة سير الحركة جنوباً فإنها ستكون للجنوبيين فحسب. ويقول ميرغني إن التطلع نحو الشمال عموماً تطور إيجابي في الفكر الجنوبي، وأشار إلى حديث سلفاكير في المؤتمر العام حول أنهم قطعوا الكثير في طريق تنفيذ مشروع السودان الجديد، بمعنى أنهم لا يمكن أن يرتدوا جنوباً، بل ان سلفا حذر في خطابه الانفصاليين في الجنوب وداخل الحركة وقال في خطابه وفقاً لإشارة ميرغني أمام مؤتمر الحركة الاخير(إن هناك بعض العناصر في جنوب السودان من بينهم قلة من كوادر الحركة يريدون منا الذهاب جنوباً تاركين وراء ظهورنا كل ما يدور في الخرطوم - في اشارة للانفصاليين- رغم الواجبات التي تلقيها اتفاقية السلام على عواتقنا. واقول انه من المذل انه بعد كل نضال الجنوبيين ان ينحدروا بأنفسهم داخل وطنهم الى مستوى محلي بدلاً عن ان يلعبوا دورهم المستحق في تكييف وتوجيه الاستراتيجيات القومية للوطن كله). وسواء كان حديث سلفا نابعاً عن قناعة شخصية او ضغوط تقع عليه فيبدو ان تيار الوحدة في الجنوب بدأ يقوى. وهو ما التقطه رجل الإستخبارات السابق (سلفا). وتطرح تصريحات باقان تساؤلات حول إمكانية ممارسة قطاع الشمال لمهامه في حال الانفصال، وهل يمكن أن يسمح للقطاع بالعمل السياسي في الشمال بعد ذلك دون أن يقطع صلاته التنظيمية بالحزب الأم، ويرى بروفيسور إبراهيم ميرغني أن الجنوب إذا إنفصل فعلياً فلن يعود هنالك منطق لوجود حزب جنوبي بالشمال، وحتى يحدد الجنوبيون مصيرهم ومصير القطاع فإنه رغم الصراعات التي تطل برأسها داخله بين حين وآخر، سيظل على ما يبدو يمارس نفس مهامه القديمة.