موظفة المطار كانت تتوقع مرور خليل ابراهيم عبر نافذتها. وما ان اشتبهت في ملامح أحد المغادرين، سرعان ما ابلغت الجهات الامنية، بأن خليل يعتزم مغادرة البلاد عبر مطار الخرطوم. بعد ان دخل اليها عبر الصحراء وعلى هدى قمر اصطناعي قال وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين: انه أعان خليل في الدخول والانسحاب كذلك. السلطات بعد وصولها تأكدت ان المشتبه به ليس خليلاً. بل هو مواطن يقاربه الشبه. ويعمل بإحدى القوات النظامية. تفاصيل الخبر لم تقل ماذا حدث وهل تم الاعتذار للشبيه أم لا؟... فالخبر رغم ما فيه من طرافة، الا انه ينبه الى خطورة التسرع في الاشتباه وعدم التدقيق في المعلومة وما يمكن ان يترتب على ذلك من سوء فهم يضر بمواطن بسيط. قد يقف من خليل على النقيض. مثل هذا المواطن الذي ليس من المستبعد مشاركته ضمن الذين قاتلوا قوات خليل في معركة السبت. ولكن تجربة بسيطة بحيثيات واهنة، قد تنقل هذا المواطن الى مربع نفسى يقترب به من المواقف الشاذة لخليل. ما أراد خليل تحقيقه عسكريا فشل فيه بامتياز، عندما احترقت عرباته عند مدخل الجسر وعجز عن اختراق الكوبري من ام درمان الى الخرطوم. وما أراد خليل تحقيقه سياسياً احترق بين يديه. حينما التزمت القوى السياسية جانب الحكومة وانتقدت مغامرته النهارية، وعندما اصدرت واشنطون أول ادانة في تاريخ علاقتها بالخرطوم لمصلحة الاخيرة لا ضدها. انتهى زلزال خليل ... رغم ما ترتب عليه من خسائر. ولكن يظل الخوف الذي يقلق كثيراً من المراقبين ان تؤدي توابع الزلزال الى خسائر أكبر. عندما تمكن الهفوات وسوء التصرف خليل من اختراق النسيج الاجتماعي للعاصمة الخرطوم بعد عجزه عن اختراق كوبري الفتيحاب. من المؤكد ان عدداً مقدراً من جنود خليل لا يزالون داخل العاصمة، وبعد مرور عشرة ايام من احداث السبت من المؤكد انهم أفلحوا في تدبير أمر اختفائهم. الامر الذي يصعب تمييزهم عن بقية المواطنين. وهذا يتطلب من المواطنين والاجهزة الامنية الانتباه الى عدم الوقوع في فخاخ الاستدراج، بإعانة خليل وأمثاله على احداث هزات يتصدع على اثرها البناء الاجتماعي للبلاد. الهزيمة الكبرى التي فاجأت قوات خليل بعد دخولها العاصمة، انها وجدت نفسها غريبة بلا نصير ولا ظهير، يدلها - على الاقل - بالاشارة فقط للمواقع التي تستهدفها العملية البائسة. بل على العكس كانت كل المعلومات التي قدمت لتلك القوات على طرقات أم درمان تقودها نحو حتفها. اذاً، ليس من المصلحة تجنيد أعوان لخليل ليكونوا في انتظاره اذا قرر اعادة الكرة مرة أخرى، والتجنيد لمصلحة خليل لا يتم عبر مؤامرات الظلام وكيد الليل ولكن يتم عبر الهفوات الساقطة سهواً، والاشتباهات الساذجة التي يتم التعامل معها بجدية، أو باطلاق العبارات العفوية الغاضبة التي تتجاوز خليل وعصبته الى آخرين يشبهونه في الشكل ويخالفونه في الرأى او التوجه، أو يلتزمون حياله الحياد. فليذهب خليل بهزيمته وعزلته الى حيث أتى بمطار الخرطوم أو عبر الصحراء. ولكن فليظل البناء الاجتماعي للبلاد متماسكاً سليماً من الشقوق التي تختبئ فيها العقارب والحشرات السامة.