الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية يحمل رجاء كبيراً تجاه مستقبل سوداني متجانس الطرفين «الشمال والجنوب» فهو يقول بمثل ذلك وفي باله وعثاء الطريق والجميع بطبيعة الحال يحلمون ان تكون هذه هي الصورة التي ينتهي إليها مشوار الطريق مع اتفاقية نيفاشا.. أي عبور المرحلة الانتقالية.. لكن تتابع المطبات الهوائية - كما اسماها الاخ نائب الرئيس في مناسبة كئيبة من قبل كثيراً ما تجبر للالتفات إلى الوراء عبر تخوم الزمن وهي التفاتة يدير الوجوه إليها الاحساس بالاحباط.. والاحباط حين يجئ بعد رجاء طويل فانه لشديد الوجع.. ولكي لا يستمر النظر بعيداً عن مسالك الغد المرجو حاولت حكومة الوحدة الوطنية ان تدلل على جاذبية التوحد فهو الخيار الأغلى حين يرتضيه الطرفان عن قناعة محاطة بالشوق فظللنا نرى في تعامل حكومة الوحدة مع حكومة الجنوب مساراً مستقيماً لا تتخلله مطبات هوائية كما قد يقال.. لم يحدث ان حيك مطب هوائي واحد من الشمال أثار حفائظ ابناء الجنوب وحكومتهم فقابلوه بالدهشة أو ضمور في اشواقهم للغد ان كانت هناك ثمة اشواق حقاً ففي كفتي الميزان كثيراً ما تثقل كفة الجنوب بمواقف غير حميمة مواقف لا يترجح فيها حسن الرجاء حتى لم يعد الفأل مطلقاً ترنو فيه الانفس الى مستقبل معافي وتوحد ينهض على اقدام راسخة تقفل امام مسارها كل الانفاق التي يمكن ان تتسرب منها مفاجآت مخيبة للاماني.. وأهل هذه البلاد جميعهم ظل رجاؤهم الاعظم منذ القدم ان يتعايشوا جميعاً - خاصة الشمال والجنوب - في سودان المليون ميل الذي تحوي اراضيه كنوزاً تفوق حدود الاحصاء والاحاطة.. ويعرف الناس ان طريق نيفاشا بعد ان تلاشت الحرب وحقنت الدماء إذا واكبه الاصرار على تعبيده وتأمينه بروح اخاء غير مصطنع لن يفضي الى الخيبة.. ولكن كيف ذلك وهناك من بين ايديهم خيوط التحريك في الجنوب لا يظنون انه من الممكن ان يغمر الجميع انسجام انساني يدمج ابناء الجنوب كافة في ابناء الشمال كافة فيتدنى دائماً الشعور بجاذبية التوحد الاصيل.. يزيد الامر سوءا المواقف المفاجئة الصادرة من ابناء الجنوب مرة تلو المرة.. وحين يسلط الضوء الشديد على خطئها برغم ما احدثت من بلبال يتراجع هؤلاء ويعيدون المسار الى حالته وتمضي حكومة الوحدة الوطنية في كبح اليأس وتعظيم الأمل في الغد فتزيد سعيها لابتداع الصنيع الجاذب من جهتها وحدها تبذل جهداً ومالاً لترسيخ غالبه التلاقي وابعاد مشاعر الغل ولهذا فانها مضت من توقيع الاتفاقية تنفق على مشاريع في الجنوب حتى عن خارج ما ابتغته الاتفاقية أو طالبت به.. والظن ان ذلك يحدث من منطلق الفهم بأنه التعمير أي تعمير لبلد واحد وعطاء لابنائه يستحقون.. عطاء من اجل التقارب المعنوي هو سخاء يتم في بناء الطرق والكباري والمؤسسات الخدمية صحة وتعليم وكهرباء واتصالات وسخاء بالخبرات الزاخرة في الشمال لأبناء وطنهم في الجنوب وكلها ليست مما طوقت به الاتفاقية حكومة الوحدة: أو نصت عليه كصنيع حتمي.. ويتبين الفارق الكبير بين ما ترنو إليه انظار هؤلاء في الشمال وبين صدور اولئك في الجنوب وبانتفاء أي شعور بأن هناك ما يستحق حتى الاطراء أو الذكر.. من هنا ترى كيف يراد تحقيق الالتحام الحميم من غير قناعة لدى ابناء الجنوب يعبرون عنها حتى بكلمات قد تضئ آفاق التوافق والتلاقي والتصافي في الحق كل ذلك يحوك في الصدور وتكظمه الانفس في صبر جميل حيث لا يأس ولا حيرة.. ولماذا الحيرة بينما يضئ قندول الامل في ان تحدث المفاجآت السارة في نهاية طريق نيفاشا الذي يقترب ويظل الرجاء ان تجئ سارة بميلاد سودان جديد نابذ للشقاق.. سودان توطدت فيه الضمائر على اقصاء هواجس الاحتراب والفرقة وذلك هو ما ظل يرتجيه الاخ الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية فقد عبر عنه وهو في جوبا الاسبوع المنصرم عندما حضر مؤتمر الحركة الشعبية الثاني - والاستاذ علي هناك كنائب لرئيس المؤتمر الوطني ونائب لرئيس الجمهورية ورافع راية اتفاقية السلام حيث جدد الالتزام بهذه الاتفاقية فهو كما يعرف الجميع في طليعة صناعها إذ قال فيها القول الفصل عند خواتيم التداول بكينيا.. ما يريده الرجل لشعبه وبلاده جاء في كلماته في ذلك المؤتمر بجوبا يقول: «إننا نريد استبدال روح القتال بروح السلام والاخاء والتعايش وهذا يحتاج إلى عمل سياسي في الشمال والجنوب». يقول ذلك وفي مخيلته ملامح الطريق التي لا بد من اجتيازها - واجتيازها هذا يقتضي فيما يقول هو: «استئناف الحوار الذي كان متصلاً بين الشريكين بعد انتهاء اعمال المؤتمر ولا بد من تفعيل الآليات المشتركة بين الشريكين للوصول إلى حلول في قضايا أبيي والانتخابات وترسيم الحدود» ولعله يزيد جرعات الفأل والأمل وهو يؤكد وقوف المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية من اجل سودان جديد تسوده روح المحبة والتعايش والاحترام المتبادل ونبذ القبلية.. لكن الانفس التي تمور وتفور بغير هذه المقاصد سارعت بتفجير المأساة في ابيي في نفس التوقيت الذي كان يتكلم فيه نائب رئيس الجمهورية في جوبا.. في ذلك التوقيت حول ادوارد لينو مدينة ابيي الى محرقة.. دمر المباني واحرق المتاجر - وهي لم تزل تتبع لجنوب كردفان.. فقد فر سكانها وقدر عددهم بخمسين ألف نازح وتطورت الاحداث مع الايام حتى هجم جيش الحركة على اللواء (13) وقتل في هذا الهجوم (22) عسكرياً وهو حدث خطير ينهض الجميع الآن لتطويقه وتلافي آثاره الانسانية. هذه اذاً احدى العقبات الكأداء التي تقف امام الحلم الكبير مع اخريات مضت واخريات قد تأتي.. وبرغم ذلك فإننا نتعلق بذلك الفأل الذي يرسمه لنا الاخ نائب رئيس الجمهورية.. ونحسب ان هذه المحن والابتلاءات لا بد ان تأتي ختامها محققاً لاحلال الملايين من ابناء هذا الشعب الصبور الذي يكتوي بكثير من الاحزان والمآسي وليشهد تحولاً شاملاً يجعل هذه البلاد هي الارسخ منعة وشأناً بين اقطار عالمنا المعاصر