فاجأ ريتشارد وليمسون المبعوث الأمريكي الحكومة السودانية بإعلانه تعليق الحوار حول تطبيع العلاقات بين البلدين بسبب ما اعتبره عدم رغبة شريكي نيفاشا في التوصل لاتفاق حول قضية أبيي. وإذا كان الشريك الأول (المؤتمر الوطني) قد احتج على وقف مفاوضات التطبيع ولم يحتج الشريك الثاني (الحركة الشعبية) فهذا مفهوم لأن الشريك الثاني يشعر بأن القرار لا يعنيه، فعلاقاته سالكة مع الولاياتالمتحدة، ولذلك تبدو اللغة خادعة بالحديث عن أن القيادة لدى الطرفين لا تبدي اهتماماً بالتوصل إلى سلام حقيقي، بينما هو يقصد أن أحد الأطراف لا يبدي اهتماماً .. الخ .. وهذا أيضا ليس صحيحا فقبل عدة أشهر صدر تنوير من الأممالمتحدة يقول إن تطبيق اتفاق نيفاشا يسير بشكل طبيعي وأوصل نسبة تطبيقه إلى «90%». الحكومة السودانية فهمت أن قرار واشنطن المفاجئ لم يأت لعلة في سير المفاوضات نفسها وإنما لانقسام في المجموعة التي تشرف على ملف السودان في الإدارة الأمريكية، وفي هذه المرحلة يبدو أن وجهة نظر الجناح (المعاكس) في الإدارة الأمريكية هي السائدة. منذ بداية هذه الجولة من المفاوضات كان رئيس الوفد الأمريكي وليمسون يتوسط فيما يتعلق بتقريب وجهات النظر للوصول لحل يكون مقبولا لدى الطرفين في موضوع أبيي، وكان هذا متفقا مع القناعات الأمريكية التي أعلنت عنه من خلال عدة تصريحات لمسئولين كبار في الإدارة الأمريكية تكررت فيها عبارة (حل يرضي جميع الأطراف). إذن كان الوفد الأمريكي منهمكاً في هذا الاتجاه، وصدرت عدة ملاحظات من كل أطراف التفاوض بأن المفاوضات تسير بشكل طيب وطبيعي حتى قطع هذا المسلسل قرار الإدارة الأمريكية الذي أبلغ لرئيس الوفد وليمسون ليبلغه للمجتمعين ويرفع جلسات التفاوض. هل انتبهت الإدارة الأمريكية فجأة إلى ربط شرط الاستمرار في الحوار بحل مشكلة أبيي؟ الإجابة قطعا (لا). لأن مسألة أبيي مسألة شائكة وواهم من يتصور أن حلها سيتم بين ليلة وضحاها، تماما مثل الورطة الأمريكية في العراق. إذا نظرنا للقرار الأمريكي من هذه الزاوية فهذا قد يعني أن مدة التعليق ستكون طويلة بطول تعقيدات مشكلة أبيي. ليس هذا فحسب بل قد يكون هذا أحد أخطر الرسائل الخاطئة التي اعتادت الإدارة الأمريكية إرسالها إلى بعض أطراف النزاع في السودان، القصد منها صب الزيت على حريق أبيي ليزداد اشتعالا. وبعد .. حتى هذا يبدو لي غير صحيح بالنسبة لأطراف النزاع في أبيي أو دارفور، فهي في هذه المرحلة غير قادرة على إشعال المزيد من الحرائق. إذن نبحث عن سبب آخر للموقف الأمريكي. الموقف يبدو برمته غامضا، ربما تملك الحكومة ما يكفي من المعلومات لحل بعض شفراته، ولكن المتابع العادي يبدو وكأنه يقف على الشاطئ الآخر بعيدا عن التفاصيل.