العلم بحر واسع، وعلم كامل شوقي في الغابات بحار، والتجربة تراكمها الايام، حتى تصبح جبالا من التجربة، وتجربة كامل شوقي في الغابة جبال شاهقة. هذا الرجل"القِليِّل"، المسمى بأبي الغابات، علمه وتجريبه في مجال الغابات يوزن بالذهب، وطريقته في توصيل علمه وتجربته المديدة للآخرين، فن خفيف الظل قائم بذاته.لا يضاهى.في ورشة أخيرة عقدت في هيئة الغابات، وحظيت بحضورها، اعطت المنصة - التي ترأستها الدكتورة الجديرة بلقيس- اعطت كامل شوقي، مثل الآخرين، ثلاث دقائق، فقط ، ليقدم فيها مداخلته حول ورقة قدمها الدكتور"عبدالله جعفر" في الورشة بعنوان:الغابات:المهددات الراهنة والنظرة المستقبلية. وفغرت القاعة فاهها تستمع الى كامل شوقي يتدفق علماً وتجربة وسلاسة وفكاهة ، حول الغابات وما ادراك ما الغابات، لست دقائق واكثر، لم تقاطعه المنصة، والقاعة في اصغاء نبيل، الى ان نبه هو بنفسه المنصة بأنه قد تجاوز الزمن الممنوح له، غير ان المنصة التي سدرت في الاصغاء النبيل، غضت الطرف، وقالت: شوية كمان. وعندما انتهى شوقي من حديثه كان قد استغرق اثنتي عشرة دقيقة، اي أنه تجاوز الزمن الممنوح له بثلاث مرات، ولم تنته القاعة من الاصغاء لشوقي، وبصعوبة بالغة افرغت المنصة شحنتها من الاصغاء لشوقي لتقدم لنا متداخلاً آخر في الورشة التي امها علماء وخبراء في مجال الغابات من هيئة الغابات، والجامعات، ومراكز البحوث، وأمها ايضاً مثقفون في شتي مجالات الحياة، قادرون على الادلاء بدلوهم في كل امر من امور البلاد، كان على رأس هؤلاء المثقفين السفير الدكتور بشير البكري. وكان الرجل عندما تمت سودنة الغابات في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي، الغابة عند الناس، شئ لايصلح فيه الا لغة الغابة، والغابة ملك مباح للجميع، تمارس فيها كل ما ترغب وما تشبع من نزوات: من قطع وحرق وخلع ونزع، وصيد، وكل مفردات التخريب هذه، ومن يسألك فهو متهور يستحق ان تشهر في وجهه لغة الغاب، كان الرجل مثل" صالح في ثمود" هكذا يرد عندما يسأله مشفق ماذا فعل في مجال التوعية البيئية المعنية بترقية الغابة والحفاظ عليها كثروة قومية نادرة غالية الثمن في دولة مثل السودان؟ ومن دفتر معاناته الممتدة من" قلة وعي" الناس والمسؤولين في الدولة، معاً، بأهمية الغابات، حكى كامل شوقي في الورشة المصغية اليه انه كان لديه حارس غابة طويل وعريض اسمه" كمر" يأتيه في كل مرة من الغابة وجسمه ملئ بالدماء وملابسه ممزقة، ومرة بحذاء ومرة اخرى بدون حذاء، وعندما يسأله عن الذي بهدله بهذه الكيفية، يقول كمر انه تعرض الى الضرب من رعاة ابقار دخلوا الغابة وحاول منعهم، فضربوه ضربا مبرحا، وهددوه بالقتل، وفي مرة قال انه قد دخل في عراك مع صيادين استباحوا الغابة في سبيل الوصول الى فرائسهم، فغلبوه بالكثرة، ومرة عثر على حطابين وهم" يَكْبرون" اشجار الغابة المحجوزة بدون رحمة، هجم عليهم فهجموا عليه ونجا منهم باعجوبة، وقصص طويلة يقدمها الحارس" كمر"، والنتيجة في كل مرة انه " مضروب"، فقال شوقي للحضور: قلت له يا كمر ما ممكن في كل مرة انت مضروب يا اخي المرة الجاي تعال ضارب ليك واحد إن شاء الله"، ولم يداخل شوقي اي شك بان" كمر " لو قدر له ان يدخل الغابة اليوم حارسا لها بأجر من الحكومة لواجه نفس المعارك مع من يستبيحون الغابة اليوم، من "ناس الحكومة" ومن المواطنين، ولكن شوقي لا يستطيع ان يقطع الشك ما اذا كان" كمر"سيخرج من معاركه مع مستبيحي الغابة الجدد" ضارباً ام مضروباً". ولم يداخل الشك، استاذنا شوقي، حتى الآن بأن المسؤولين في مجال الغابات علماء الغابات والخبراء في هذا المجال هم"صالح في ثمود"، وان" الرسالة" بأهمية الغابة لم تصل بعد لا للناس العاديين ولا للمسؤولين، الذين اسماهم بصناع القرار. الرسالة التي تقول ان الغابة ثروة قومية ملموسة ومحسوسة لدرجة ان الاممالمتحدة وضعتها في البند الثامن من عشرات البنود الخاصة بعلاج ومحاربة الفقر في الدول، وانها - اي الغابة - بمثابة الدرع الواقي الرهيب لسكان الارض من نوائب التقلبات في المناخ والبيئة،"ويجب ان تشكل الغابة في السودان الدرع الواقي من هذا الشيطان"، حسب تعبير شوقي، الذي فسر الشيطان ب "الصحراء الكبرى"، وهي في نظره تحمل اعنف واصعب واقسى انواع الظروف ضد الانسان، رسالة مفادها ان المطر يولد من الاشجار وليست الاشجار من المطر. وتصدق اقوال شوقي هذه، عن ضعف رعاية الدولة" صناع القرار" اولا ، ثم المواطن للغابة ، تصدقها قصة رواها احد المداخلين في الورشة، بأن احد الموظفين كان حماسه تجاه الغابة دافقا، دفعه الى التخصص فيما ينقص العمل في هذا المجال، ازلياً في السودان، او الصحيح فيما لم ينجح حتى الآن في مجال الغابات، وهو: مجال الارشاد والتوعية بأهمية الغابة، وقد اهله التخصص للعمل في مجال ادارة الارشاد في الغابات، وكان ضد كل من" يهبش الغابة"، وكان نصير الشجرة، فشاءت الاقدار السياسية ان ترفعه من موظف ارشاد الى والٍ، فحدث ما لم يكن في الحسبان، حيث اصدر الوالي، بعد اسابيع من توليه المنصب، خطاباً لهيئة الغابات يطالب فيه بفك الحجز عن غابة عتيقة في ولايته لاستغلال مكانها في استثمارات اخرى! وملخص اقوال كامل شوقي ووجعه الذي يئن به، ان الوعي بالغابة اصيب الآن بانتكاسة بدليل وجود مخالفات ترتكبها جهات سيادية، ويعتقد ان الغابة الآن منتهكة وغير محروسة، وان وضع ادارة الغابات في الدولة يجب ان يكون مركزيا، وكررها " مركزياً مركزياً" ، ويصدق أقوال كامل شوقي متحدثون آخرون في الورشة، هناك من رأى ان الغابة تتعرض للابادة، مع سبق الاصرار والترصد، وهناك من رأي ان المشكلة في عدم الالتزام بالقرارات والتعهدات من قبل الجهات السيادية والولائية، ويقول قائل في الورشة ان هيئة الغابات منزوعة السلطات، وهناك مشكلة" حاكمية" في مجال الغابات، فيما قال الدكتور بشير البكري ان هناك تناقضاً في إدارة الغابة «ففي الدستور نجعل الغابة حقاً من حقوق الانسان عبر الحديث عن البيئة، ولكن ممارساتنا تجاه الغابة تقلل من شأن الغابة، حيث نقول لمن يتصرف تصرفا غير صحيح : دا جاي من الغابة»، لابد من تغيير هذا المفهوم بتعظيم الغابة ودورها في الحياة البيئية الاقتصادية، وان نربط الغابة بثمار الغابة وخيرها. ويقول احد العلماء المشاركين ان الواقع مرير ويجب ان نعرض خطورة وضع الغابة في السودان على المسؤولين وكل من يقلل من شأن الغابة، واضاف: علينا ان نقول لهم" أُخْ ". والتقارير والارقام تقول لنا جميعا" أُخْ "، الى حد الرعشة: المساحة الكلية للغابات في السودان" 74 " مليون هكتار ، اي اكثر من" 29 % "من مساحة السودان، والفاقد السنوي للغطاء الغابي" 589 " الف هكتار، ويمثل متوسط معدل الاستزراع السنوي حوالي" 6%" من متوسط معدل ازالة الغطاء الغابي في البلاد، تبلغ جملة الشجيرات والاشجار المهددة بالانقراض بالسودان حوالى" 241 " نوعا محلياً، بسبب الظروف المناخية واستغلالها بصورة جائرة وضعف توالدها، كما يتعرض لذات الخطر" 34 " نوعا من انواع الاشجار، ومساحة الغابات المحجوزة بلغت فقط "30 "مليون فدان من جملة " 150" مليون فدان تستهدفها استراتيجية الحجز. وتشير الارقام بأننا اليوم نزرع" 6 " شجرات، ومقابل ذلك نقوم بقطع"100" شجرة، وفي رواية" رقمية"اخرى" 150 " شجرة وان جهاز الغابات في السودان يعتبر من اضعف اجهزة الغابات في العالم، وقال متحدثون في الورشة: ان دولة تشاد الفقيرة المجاورة وضعها في مجال رعاية الغابة وصيانتها افضل منا بكثير، وقالت الارقام: انه من جملة"2042" بلاغا حول الاعتداء على الغابات، تم الفصل فقط في نحو"500 " بلاغ والباقي قيد الانتظار، وابرز العلماء وجود صعوبة في فتح البلاغات بشأن الاعتداء على الغابات، وتشتكي التقارير من ان العمل النظري المشترك موجود، ولكن هناك شبه انعدام للعمل التنفيذي المشترك في مجال ادارة الغابات. وانهت الورشة باستصراخ الرئيس البشير، للامين العام للامم المتحدة كي مون: ألحقوا الغابة الغابة الغابة، وقال العلماء ألا مفر من الارشاد والتوعية، واقول ألا مفر من الارشاد والتوعية الذكية، ينهض بها مفذلكون فنانون واذكياء، على شاكلة:(يا طالع الشجرة، جيب لي معاك ثمرة، أطفالنا نور العين،الغيمة والمطرة)، شئ من قيمة الغابة وشئ من رعاية الطفل، وغناء جميل:إنها أقوال وغناء الشاعر الملهم عبد الوهاب هلاوي، او كما هو يغني هكذا، ليمارس دور المرشد، ولكن بمنهج مختلف و"عِدَّة"مختلفة.