ترك قرار زيادة أسعار الصحف ردود أفعال متباينة، ما بين مؤيد لتعليق الزيادة، وبين رافض له وما بين رافض لمقدار الزياة نفسها، ومقر بحق الصحف في رفع الأسعار بقدر فيه التوازن بين مصالح الصحف..وقدرة القراء على الشراء ورغبتهم في الحفاظ على الاسعار الجارية. ومعلوم ان الصحف تعتمد في دخلها على التوزيع والاعلان، ويظل التوزيع هو العمود الفقري لاية مؤسسة صحافية. وهو الذي يقدم مؤشرات واقعية لوضع الصحافة في السوق، ويبين تأثير الصحيفة على القراء من واقع قراءات المبيعات اليومية. وتعتمد عليه في مواجهة تكاليف التشغيل باشكالها المختلفة، من مطابع، وايجار واجور، وحتى جذب الاعلانات للصحيفة يعتمد تماماً على قوة انتشارها. لذا نقول ان التطور المنشود لاية صحيفة لا يمكن ان يبنى بمعزل عن تأثيرها بين الناس والقراء بقوة التوزيع وتحقيق ارقام متميزة، تدفعها للتقدم والنماء، وهنا يأتي الاهتمام بمعالجة الزيادات المطردة في أسعار مدخلات الطباعة، وأهمها الورق الذي تضاعفت اسعاره خلال السنوات الماضية، ففي العام 1990م كان سعر الطن المتري من ورق الصحف «470» دولاراً وفي العام 1995م ارتفع الى «255» دولاراً وبلغ في العام 2007م «566» دولاراً، وفي 2008م تجاوزت اسعاره «1100» دولار. في ظل اوضاع تتسم بالخطورة على مستقبل الصحافة، واوضاع العاملين فيها، اذا استمر الحال على ما هو عليه، فمعلوم ان النسخة الواحدة اليوم تخرج من المطبعة وهي خاسرة اكثر من «150» جنيهاً، ولا يجدي حجم المطبوع ولو بلغ «001» ألف نسخة يومياً ان يغطي العجز للصحف السياسية، ولو بلغت نسبة المبيعات «100%». ومعلوم ايضاً ان أية زيادة في اسعار الصحف تحدث انكماشاً في حجم السوق، والذي بلغ حتى منتصف يونيو الجاري «185» ألف نسخة بالمتوسط في اليوم، وبلغ متوسط المطبوع اليومي «275» الف نسخة في اليوم لعدد «16» صحيفة يومية سياسية عربية تصدر من الخرطوم و«5» صحف باللغة الانجليزية. فيما بلغت نسبة المبيعات للصحف اجمالاً «67%» بالمتوسط، هذه النسبة المتواضعة لحجم المبيعات لاجمالي الصحف السياسية لا تترك مجالاً إلا للنظر في الامربجدية اكثر في مجالي التوزيع والاعلان، ففي مجال التوزيع ندرك ان «60%» من الصحف الصادرة من الخرطوم لا تباع بسعر الغلاف، (50 قرشاً) إذ ان الولايات باشملها واطراف العاصمة تباع فيها النسخة ما بين «60- 75» قرشاً. إذ ان الانكماش المتوقع في كمية المبيعات لن يكون ذا تأثير خطير لو ان الاتفاق تم على تركيز سعر البيع للصحف بما يماثل سعر الباعة الجائلين، الذين يبعون اكثر من «40%» من الصحف في الخرطوم و«80%» من الصحف في الولايات، ويمثل هذا السعر حداً وسطياً يجد القبول لحد كبير، ولا يشعر به القاريء، ويجسر الهوة بين التكاليف والعائد من المبيعات برغم الضمور المتوقع في كمية المبيعات، هذا بجانب الفوائد المتوقعة للاكشاك مما يساعد في حصر الآثار السالبة المصاحبة للتوزيع من ايجار أو سوق اسود في اضيق حدود، وتحسين اوضاع شركات وكلاء التوزيع، مما يدفع عملية الانتشار المرغوبة وتقديم خدمات توزيعية افضل للصحف كافة. صحيح ان السعر المقترح واحد جنيه للصحيفة قد لا يتم هضمه بسهولة الا بتضحيات جسيمة، تقتضي الصبر، شهوراً ولا يستطيع تحمل ذلك العديد من الصحف وقد تخرج تماماً من سوق المنافسة، وقد تستغل صحف اخرى، ليست في ذات التخصص، ذلك وتزيد مبيعاتها، اثر ذلك وقد تستغل ذلك ايضاً صحف من ذات التخصص «سياسية»، وتلعب «تحت الحزام» بأن تبقى على الأسعار السائدة اليوم و«تسرق السوق» من الجميع والحكمة تقتضي قبل الدخول في هذا تذكر مقولة العدو امامكم، والبحر من خلفكم، لحل المعضلة. فإرتفاع تكاليف الطباعة من أمامكم والخسارة، وضعف السوق من خلفكم، لتتم معالجة الازمة دون مكايدات، وبدون خسائر جسيمة. أما فيما يتعلق بمعالجة الأمر عبر الاعلانات فنجد ان الاعلان غير متاح أو غير متوافر للصحف كافة. وفشلت الجهود كافة، لالتقاء الناشرين على كلمة سواء في امر الاسعار، وترتفع معدلات الخطر عليهم كلما تباعدت بينهم الطرق، وتسود سياسة التنازلات و«الانبراش» امام المعلن، وتعم الفوضى مما يهز عرش الصحف بأشملها. هذا بجانب التعسر الماثل في سداد قيمة الاعلان اصلاً، وصعوبة تحصيلة برغم أهميته القصوى في توازن المعادلة، نتيجة لذلك نؤكد لابد من الالتقاء عند نقطة توافق بين الناشرين فيما يتعلق بأسعار الصحف وضوابط الاعلان للخروج من هذا النفق الصعب الذي تمر به الصحافة السودانية. والله من وراء القصد *مدير دار(الرأي العام) للتوزيع