في تقديري أن من أهم أخبار الأسبوع الماضي دعوة الدكتور عوض الجاز لوقف الجبايات غير القانونية في الطرق القومية، وقوله إن في ذلك إنتهاكاً للقانون وعائقاً لسلع الصادر وزيادة لأعباء المواطنين، بزيادة أسعار السلع، واختتم سيادته تصريحاته الصحفية بالتهديد لتلك المصالح الحكومية، بأن وزارته سوف تتخذ إجراءات عقابية بخصم المبالغ المتحصل عليها بطريقة غير قانونية من مستحقات تلك الجهة المركزية، بعبارة أخرى إن الدعم المركزي من وزارة المالية لن ينساب لتلك الجهة «القاطعة للطريق»، الأمر المعلوم انه لا يوجد جديد من حيث الإعتراف الحكومي، بأن تلك الجبايات غير قانونية، ولا يوجد جديد من أن تلك الجبايات أضرت بالصادر والوارد والوطن والمواطن، لا بل حتى من ناحية إجرائية فمن قبل عقد وزير المالية السابق عبدالرحيم حمدي مؤتمراً صحفياً احضر له رئيس الجمهورية شخصياً وصدر قرار جمهوري وقرار من مجلس الوزراء، كل هذه الإجراءات لم توقف أو تحجم هذا «الورم السرطاني»، ولكن رغم ذلك قلنا ان ما قاله عوض الجاز يعتبر مهماً وامراً فوق العادة وذلك لما للدكتور الجاز من قدرات تنفيذية ومكانة سياسية داخل النظام وقدرات عالية على المتابعة الدقيقة، ففي السودان المؤسسية مضروبة مضروبة، والقدرات الشخصية والمكانة الخاصة تلعب دوراً مركزياً في رسم وتنفيذ السياسات، وهذه قصة اخرى، ولكننا رغم كل هذا نقول للدكتور الجاز ان إستخراج البترول في ظل الحصار أسهل بكثير من وقف الجبايات على الطرق القومية. من ناحية دستورية فان الدستور القائم أباح للمجالس التشريعية الولائية والمحلية إصدار تشريعات مالية، ولكن الطرق القومية لا تدخل في ذلك من ناحية سياسية الانقاذ منذ مجيئها إبتدعت ثقافة «الإستنباط» اي الإداري الشاطر هو الذي يستنبط الموارد المالية وبطريقته وعلى كيفه الأمر الذي فتح باباً قوياً للريح، ثالثاً ومن ناحية عملية الترهل في الوظائف الدستورية الولائية، جعل هذه الولايات تقطع الطريق من أجل إستيفاء مخصصات اولئك الدستوريين التي ما أنزل الله بها من سلطان، فعلى الدكتور الجاز إذا أراد فعلاً إزالة هذا الورم السرطاني ان يبدأ بفك الإشتباك الدستوري، ليس بتعديل الدستور، بل باللجوء للمحكمة الدستورية ، لكي تقدم فهماً واقعياً للمواد المالية في الدستور، ثانياً لابد من محاسبة اي مسؤول يقوم بسياسة «الإستنباط» هذه ليس بطرده فقط، ثالثاً لابد من إعادة النظر في عدد ومخصصات الدستوريين من وزراء ومستشارين وأعضاء برلمانات وأعضاء مجالس محلية. ما ذكرناه أعلاه يمثل الحل الجذري وعلى المدى المتوسط أو البعيد، لهذه الأزمة المستفحلة في تقديرنا، ولكن كعملية جراحية مستعجلة وعاجلة يمكن ان تقطع نصف الطريق لعلاج هذا المرض، يمكننا ان نشير إلى شرطة المرور «المحترمة»، فهي اليوم تقوم بدور الجابي الأول عن طريق التسويات المرورية في طرق المرور السريع، ولما للشرطة من سلطات تقديرية واسعة لا يستطيع احد ان يتجاوزها، وهي بذلك تفتح الباب لكل الجهات الجبائية الاخرى، فاذا كانت القوات النظامية تفعل هذا في الطرق القومية، فكيف ترتدع الجهات المدنية؟؟ من حق شرطة المرور ان تراقب المركبات وتحاسب المقصر، ولكن بهذه الطريقة تفتح الباب لشرور كثيرة. فياسيادة الوزير إذا أردت محاصرة هذا الورم ابدأ ذلك بالإجتماع بسيادة الفريق اول محمد نجيب الطيب مدير الشرطة.