لا أدرى من أىّ منبع أو مصب تسرّبت الى الثقافة السائدة والأفكار الشعبية المتداولة أنّ الابداع و الأعمال الخلّاقة و السفر الى دنيا الخيال هى ملك حر (للمساطيل) ... وأنّ الفنون الجميلة والتحليق الفكرى خارج الجاذبية الأرضية و خفّة الظل هى ملكيّة (فكرية) للواقعين تحت تأثير المخدّرات ! خارج الدوائر الرسمية فى السودان كل كاريكاتير أو لوحة تشكيلية ترضع من ثدى الابداع أو جملة شعرية أو لحنية تصب فى نهر الخيال الجميل ينسبونها لعائلة المخدّرات وانسبائها و اصهارها ... يمنحونها شهادة الميلاد فى (سطلة) ! عائلة المخدّرات بأسمائها القديمة والحديثة وبأشكالها المحليّة والوافدة وبكل وسائل تعاطيها استنشاقا أو تدخينا أو حقنا أو بلعا أو مسحا تدخل دورة الدم بسرعات متعدّدة لتكمل رحلتها الى دورة العقل و الى دنيا الوهم ... وليس دنيا الخيال ... والمسافة بين الوهم والخيال هى بمقدار المسافة بين الامريكتين الشمالية والجنوبية ! يبدأ زحف المخدرات الى الجزء الأسفل للمخ فى قاع الدماغ حيث المركّب الحيوانى من الانسان ... فتتوه عند المتعاطى الأخيلة ... فتبدو له الشهوة على غير هيئتها وقواه على غير حقيقتها ... بل تختل بعض الوظائف المشتركة مع الحيوان فيتسرّب منه البول عن طريق ماسورة الجهاز البولى: (التبوّل اللا ارادى) ! وتواصل المخدرات زحفها الى المركّب الانسانى للمتعاطى فى أعلى المخ فيرى صورا ذهنية أخرى ... فلا تتسامى عنده الأفكار بل تهبط هبوطا اضطراريا ... والدليل يأتى من سجلات الجريمة الاجتماعية ... فمرتكبو الجرائم الجنائية لا يرتكبونها الا بعد التعاطى ... فتبدو لهم المقدّمات والمآلات على غير حقيقتها فيكون بذلك مؤهّلا لتنفيذ الفكرة المجرمة ! علاقة المخدرات بالجهاز العصبى المركزى علاقة (متطوّرة) ... تبدأ باعتياد (habituation) فتقفز سريعا الى اعتماد (dependency) ... ثمّ تصل محطتها النهائية الشهيرة الادمان (addiction) ! المخدرات ليست جسرا يؤدّى الى السعادة... فهى نفق يؤدّى الى سعادة أخرى : السعادة الكاذبة (euphoria) ... محطّة موحشة لا يسكنها غير الادمان ... لا يستطيع مغادرتها الا متعاط قطع تذكرة الى أقرب مصحّة ... حينها يلتقى بالحزن النبيل ... والفرح المهاجر !!