بناءً على فتوى صادرة من مجمع الفقه الاسلامي امرت وزارة الإعلام شركات الاتصالات بايقاف الحوافز التي تمنحها لمشتركيها، والمعلوم ان شركات الاتصالات العاملة في السودان درجت على اعطاء مشتركيها حوافز ضخمة في شكل عربات ومنازل و?لل وأموال عينية وكان السحب يتم على شرائح المشتركين أمام كاميرات التلفزيون فيتم الاتصال بصاحب الرقم المختار وإذا لم يكن موجوداً يذهب إلى رقم آخر وهاك يا زغاريد وهاك يا تبريكات.. ولعل الهدف من كل هذه العملية هو جعل المشتركين ينشطون شرائحهم على أمل الفوز بالجائزة الثمينة ولو كانت نسبة الأمل واحداً إلى أربعة ملايين «فسيد الرايحة لا يفتح خشم البقرة بل يفتح خشم النملة». في رأيى الخاص إن ما تقوم به شركات الاتصالات هنا لا يعدو ان يكون عبثاً فالمطلوب من هذه الشركات ان تجود خدماتها وتخفض التكلفة ويكفي أن بعضها يأكل أموال الناس بالباطل فتحسب الثواني الأخيرة من المكالمة دقيقة كاملة حتى ولو كانت ثانية واحدة وكان ينبغي على هذه الشركات أن تنفق هذه الأموال في أوجه البر والاحسان المعروفة. ففي هذا إعلان طيب لها. ولكن أن تصدر وزارة الإعلام أمر ايقاف هذه المباريات العبثية بناءً على فتوى دينية فقط هذا أمر يحتاج إلى وقفة، فمجمع الفقه الاسلامي مكان تقديرنا واحترامنا ويمكنه ان يبدي ملاحظاته وبالطريقة التي يريد ولكن ان تتخذ القرارات التنفيذية بناءً على فتواه فإن هذا يعطيه حاكمية لا أظن أن هذا المجمع قد طلبها أو سعى اليها.. فالقرارات التنفيذية يجب أن تصدر من المؤسسات التي حددها الدستور كمجلس الوزراء والبرلمان والوزارات المعنية وكان يمكن لوزارة الإعلام في هذه الحالة ان تأخذ فتوى المجمع وتدرس الظاهرة بالاستعانة بالخبراء في مجال الاتصالات والإعلام والاقتصاد وبعد ذلك تصدر قرارها المناسب، فمثلاً الفتوى الحالية قائمة على أن هناك شبه مغامرة لان المواطن يشتري الشريحة بمال قليل لكي يكسب مالاً كثيراً ولكن قد يقول قائل إن المواطن يشتري الشريحة لكي يستخدمها في الاتصال، أما الحافز فهو لم يسع إليه ولم يشتر الشريحة من أجله. ثم ثانياً لماذا لم يدرس هذا المجمع المحترم كل أعمال شركات الاتصالات كما فعلت المؤسسة الدينية في السعودية والتي استعادت للمشتركين كل ما دفعوه من أموال بجبر الثواني إلى دقائق؟؟! لقد رأينا مجلس الافتاء الشرعي وهو يستقدم الدكتور معاوية شداد ليشرح لهم كيفية ثبوت هلال رمضان من ناحية علمية بحتة وفي تقديري أنه هكذا يجب ان تكون الفتوى.. هذا المجلس هو الجبهة المنوط بها تحديد بداية شهر رمضان فلم يكتف برؤية العين وبالطبع لم ينكرها ولكنه عضدها بما وصل إليه العلم الحديث فأصبحت فتواه مؤسسة على الدين والعلم، فالفتوى في تقديري يجب ان تتجه إلى المؤسسية بمعنى إنه يجب ان يقوم عليها الخبراء والعلماء ورجال الشرع وأهل التخصص، فمجمع الفقه الإسلامي قد كان إجاز للدولة أن تقترض قروضاً بفائدة محددة لأن في ذلك اضطراراً وتحصيلاً لمصلحة عامة وقد يكون استعان في فتواه هذه بعلماء اقتصاد ولكن عليه أن يجيب على السؤال: من هو مناط التكليف في الشريعة الفرد أم الدولة؟ بمعني لماذا أباح ذلك للدولة وحرمه على الأفراد إذا كانت علة الضرورة موجودة في الحالتين؟؟ إن الفتوى المؤسسية تثري الفكر الديني والعلم الدنيوي وتصلح حال البلاد والعباد والله أعلم.. فمن قال الله أعلم فقد أفتى.