سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حساب الإنجاز والإخفاق خلال (19) عاماً** إرادة سياسية قوية وقرار سياسي مستقل** إنجازات ضخمة في البترول والسلام وسد مروي وثورة الإتصالات وخطة إسكانية شاملة جرد حساب مسيرة الإنقاذ
بعد عصر الثلاثين من يونيو 1989م اي بعد البيان الاول للعميد عمر حسن احمد البشير راهنت معظم القوى السياسية في بلادنا على انهيار السلطة الجديدة في اقل من اسبوع وعلى الاكثر عشرة ايام، ولكن المفاجأة.. انها استمرت لمدة (19) عاماً قاومت خلالها الكثير من المحاولات المضادة وخاضت الكثير من الحروب على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها.. والتي استهدفت اسقاطها..واقتلاعها من الجذور. اول سطر في عمر الانقاذ كان تخاذل القوى السياسية التي وقعت على ميثاق حماية الديمقراطية الذي حدث في ميدان الاهلية بأم درمان وحضرته جماهير غفيرة من كل الاحزاب ولكن بكل اسف وبعد المارشات العسكرية واعلان البيان رقم واحد.. والذي لم يمض على توقيع ميثاق حماية الديمقراطية مدة طويلة وقبل ان يجف الحبر الذي كتب به الميثاق ووقع عليه رؤساء الاحزاب السياسية اليسارية منها واحزاب الوسط واليمين نسى الجميع ذلك الميثاق ولم يتحركوا لحماية الديمقراطية التي تعهدوا على حمايتها برغم ان العدد الذي نفذ الانقلاب عدد قليل من العسكريين في فجر ذلك اليوم ولم يستطع ان يجيب احد عن السؤال الذي ظل يطرح بشكل مستمر.. لماذا لم تتحرك الاحزاب وجماهيرها لحماية الديمقراطية، ولماذا صمتت قياداتها الذين وقعوا على الميثاق؟ ..................................................................................................................................... وبدلاً من ان تتحرك الجماهير ، غادرت معظم قياداتها السودان وبعد فترة تم تكوين التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان ذراعه القوي الحركة الشعبية التي كان يقودها القائد الكاريزمي الراحل الدكتور جون قرنق. المعارضة السودانية التي تكونت بالخارج كانت تفتقد الى القائد الكاريزمي الذي يجذب الجماهير ويحركها ، ولولا بندقية الحركة الشعبية لما عاش التجمع الوطني الديمقراطي فترة حياته التي انتهت منذ فترة طويلة. ودخلت حكومة الانقاذ في تحديات جسام وهي تحديات لو واجهت اية حكومة اخرى لسقطت الى القاع. لكن هذه الحكومة تعاملت باستراتيجية جديدة.. لم تخطر على بال كل الحكومات في مختلف الحقب السياسية التي مرت على حكم السودان. الانقاذ تمتلك الارادة السياسية القوية وظلت حكومة متماسكة وقابضة لم تستطع الهزات الداخلية المتواصلة ان تهز تماسكها.. ولم تستطع الحروب والعقوبات الاقتصادية ان تسقطها. وخرجت مجموعات كبيرة من شباب السودان.. السياسي منهم وطالب اللجوء السياسي .. وآخرون لطلب اللجوء الاقتصادي لأنهم فشلوا تماماً في ايجاد بدائل لوظائفهم لقلة صبرهم واعتماد الكثير منهم على الدول التي تمنحهم اللجوء السياسي وتوفر لهم السكن والمعيشة. واستمرت الانقاذ تواجه التحديات .. التحدي تلو التحدي ولأن المعارضة ضعيفة ورهنت مستقبلها لآخرين لم تستطع اسقاط الحكومة. الانقاذ جاءت بخطة مدروسة .. وباستراتيجية مدروسة ومقسمة على مراحل. الانقاذ اصطدمت بكثير من القوى المناهضة لها وبدأت بالقبضة الحديدية لمرحلة حددتها مسبقاً كانت لابد منها.. لتثبيت اقدامها في دست الحكم، ومع القبضة الحديدية تلك.. اقامت منتدى الحوار للسلام.. شاركت فيه بعض القوى المعارضة وكانت اول ضربة تفعلها الانقاذ بأنها تسعى للسلام والحوار.. ثم بدأت بالملتقى الاقتصادي لحل المشاكل الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد. في تلك المرحلة الحديدية .. تم اعتقال الحريات.. حرية النشر والتعبير والتنظيم .. وبعد أن انتهت تلك المرحلة إرتخت القبضة الحديدية وبدأ الانفراج في حرية الصحافة حيث وضع هامش للحرية الصحفية ورغم انه هامش الا انه اوسع من كل الهوامش التي تعيشها الصحافة العربية حيث رفعت الرقابة القبلية بعد ذلك ثم دخلت مرحلة الحوار السياسي كل مشكلة الجنوب وبالصبر النبيل تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب.. ونزيف الدم.. واعادت السلام وقسمت السلطة والثروة لأبناء الشمال والجنوب. ثم فجرت البترول قبل ذلك الذي تم بمعجزة وبإرادة الرجال.. لم يكن يتوقع اي مواطن سوداني ان يستخرج بترول السودان بتلك السرعة بعد ان تركته شيفرون واغلقت بعض الآبار التي لم تصل الى موقع النفط. وأخذت القبضة القوية ترتخي رويداً رويداً وبالحوار جاء التجمع الوطني الديمقراطي مشاركاً في السلطة.. لكن اعداء السودان لم يتركوه كي يرتاح.. وتفجرت قضية دارفور.. وفي وقت وجيز وصلت الى الأممالمتحدة مع العلم بأن قضية الجنوب وبسنواتها الطويلة لم تصل الى الأممالمتحدة او مجلس الأمن، وعقدت مشكلة دارفور الاصابع الاجنبية التي تستهدف السودان ووحدته وأمنه .. ومازال الامل معقوداً لأن يستجيب الاشقاء في حركات دارفور لنداء السلام ويجلسوا ليتحاوروا كأخوة وحتماً اذا جلسوا سوف يصلون الى اتفاق. ولا اريد ان اعدد الانجازات على الصعيد الاقتصادي فهذا امر يحتاج لوقت طويل لكني اكتفي فقط للنظر الى ثورة البترول .. ثم الى سد مروي ولو لم تنجز الانقاذ سوى هذين الانجازين الضخمين لكفى. وعلى الصعيد السياسي .. اوقفت حرب الجنوب وحررت ارادة الانسان السوداني.. واصبحت الدولة السودانية في عهد الانقاذ تملك الارادة السياسية والقرار السياسي المستقل، وخلقت ندية مع كثير من الدول التي كان صوت السودان ضعيفاً امامها.. بل خاضت معارك عنيفة ضد قوى الامبريالية والاستكبار العالمي، واشركت كل القوى المعارضة في السلطة.. واعادت ابناء الوطن المخالفين الذين كانوا على خلاف قوي مع الانقاذ عادوا مشاركين في السلطة والثروة. الانقاذ في انتظارها برنامج عمل قومي كبير، عليها ان تسهم بقوة لجعل التراضي الوطني من اجل الوفاق الوطني الشامل حقيقة واقعة. وان يستوعب هذا الماعون الواسع كل الاحزاب والقوى السياسية السودانية حتى تلك التي يطلق عليها احزاب (الفكة) حتى يصير الجميع في خندق واحد.. يدافعون جميعاً عن السودان الوطن الواحد. وان تعالج كذلك القضايا العالقة كافة.. من انصاف الجموع الكبيرة من الذين فصلوا من الخدمة لأسباب سياسية.. ويردوا لهم اعتبارهم بالرغم من سير الحكومة في هذا الاتجاه.. لكن كثيرين يشتكون بأن الذين اعيدوا للخدمة اقل بكثير من العدد المطلوب. كذلك عليها العمل بجدية لبسط الحريات كافة وايضاً العمل بكل ما تملك من قدرات لمحاربة الفقر والجوع والمرض.. ويجب ان ينتصر السودان على هذا الثالوث الخطير.. وان تبذل كل جهدها في معالجة تخفيف تكاليف المعيشة اذ اثبتت التجارب ان سياسة السوق لا تنسجم مع بلدان العالم الثالث وامر التنمية المتوازنة المستدامة.. يجب أن تكون هاجس الحكومة .. والعمل على ازدهار المناطق الطرفية بإقامة المشروعات الاساسيةوالبني التحتية لصناعات قادمة. ان السودان بلد مليء بالخير.. في باطن ارضه وفوقها وهو يسع لكل اهل السودان.. اذا ما تراضوا وقبلوا المشاركة الحقيقية في بناء هذا الوطن العظيم. شعبنا تعب كثيراً وصبراً طويلاً .. في الحروب وفي سنوات الجمر الحارقة .. وآن الأوان لبنيه للعمل معاً للنهوض به. وكل عام والسودان بألف خير. وكل عام والسودان نيل يروينا وخيمة تظللنا جميعاً ويد واحدة امام المد والجزر وتحت حرارة الشمس وضوء القمر. وهناك سؤال يفرض نفسه في ختام حديث الربح والخسارة خلال التسع عشرة سنة الماضية من عمر الانقاذ.. وهو مع اتساع حرية التنظيم السياسي.. وممارسة الاحزاب لنشاطها السياسي وقيام صحف مستقلة واخرى لسان حال مستتر.. لماذا لم يحاسب كتاب الصحافة السودانية الانقاذ ، ولماذا لم يكتبوا عن اخفاقها ونجاحها.. عن انجازاتها وعن قصورها. وقبل ذلك كانوا يكتبون ويكيلون المدح لها.. عندما كان ظل الحريات قصيراً.. وكانت ظروف بعضهم تجبرهم على اتباع خط مهادن، وهذا الموقف ايضاً يحسب لصالح الانقاذ وليس خصماً عليها، المطلوب ان يجرد الناس كشف حساب الانقاذ في كافة المجالات.. الربح والخسارة. وسؤال آخر .. لماذا مرت الذكرى (19) للإنقاذ بهذا الهدوء الاعلامي والجماهيري اللافت للنظر. واين اللجنة العليا للإحتفالات .. واين البرامج التي كان تقدمها كل عام ؟ من حق الجميع ان يحاسب الحكومة علي قصورها.. ويشيد بإنجازاتها ويكشف لها قصورها وإلا فقدت الصحافة دورها كسلطة رابعة رقيبة على اداء الحكومة، واذا ختمنا هذا الحديث بالانجازات التي لم نذكرها.. فهي كثيرة لأني اكتفيت بأكبر انجازين حققتهما الانقاذ هما تفجير ثورة البترول وسد مروي. لكن هناك ثورة الاتصالات وشق الطرق واقامة شبكات الكهرباء وتنفيذ خطة اسكانية لم تستثن احداً.. حتى القادمين من اقصى اطراف السودان وزعت لهم ارض سكنية بولاية الخرطوم، وخلق قوات نظامية قوية وضاربة، اخذ جنيه السودان موقعه في سلة العملات الاجنبية وثبات سعر صرف الدولار، لكن الانجاز الاكبر الذي هو في انتظار الانقاذ لتحققه.. هو الوفاق الوطني الشامل.. لأن كل هذه الانجازات بلا وفاق لن يكون لها اثر في ثبات الاستقرار السياسي في بلادنا.