للحياة مفاجآتها التي تغير حياة الناس في لحظات. فقبل منتصف النهار بقليل رن جرس الهاتف في منزل حسنية. قالوا إن زوجها وقع مغشياً عليه وأنه نقل إلى المستشفى. وفي المستشفى رأت الأطباء يدخلون ويخرجون وعلامات الاهتمام بادية عليهم. وجاء من يهمس في أذنها بأن زوجها مصاب بجلطة، ولم تمهله طويلاً فقد فارق الحياة قبل منتصف الليل. يا الله .. ما أسرع ضربات القدر. في الصباح كانت زوجة متفانية .. وفي الصباح التالي كانت أرملة. زواجها من هذا الشيخ كانت تبغي منه أن تجرب الحياة الزوجية العادية بلا اصطناع للمنغصات. لو أنها وزوجها الأول حسان أدركاها لما غامرا بكل هذه المخاطر ولما كان عليهما أن يدفعا هذا الثمن الغالي. عاشت حسنية تجربتين حقيقيتين، ولذلك عاشت فجيعة موت زوجها بشكل حقيقي، وعندما انتهت فترة الحبس لم تستعجل حسنية ولم يستعجل حسان الزواج مرة أخرى. كان أمامهما مشكلة شكلت اختباراً لهما. فقد كتب لها الحاج متوكل منزلاً من طابقين (كبيع وشراء) أقنعها بأنه ثمرة سهرها الليالي معه لضبط حسابات أعماله التجارية. تمنعت قليلا في قبوله ثم قبلت في النهاية خاصة وهي لم تشعر بأنها نالت شيئاً ليس من حقها، وقد قدم لها زوجها أسباباً مقبولة بتسجيله باسمها. لكنها في المقابل كانت تشعر بأن طليقة زوجها وأم أولاده في حاجة شديدة للمال، فلو رضيت بنصيبها من الميراث وأعادت المنزل لأولاد زوجها الراحل لكسبتهم أهلاً حقيقيين وليسوا أعداء ناقمين. لم يعترض حسان على أن تعيد حسنية المنزل إلى أهل زوجها الراحل. أما حسان وزوجته فقد كان موقفهما شائكاً. فقد كان حسان ينظر إلى علاقته بزوجته من خلال نظرته لعلاقته بزوجته السابقة، وكان يرى أنه من الطبيعي أن يستعيد حسنية زوجة شرعية مرة أخرى، لكن تبقى العقبة هي .. ما مصير زوجته الحالية؟. حسان كان يرى أن زوجته تعلقت به بل كان بالنسبة لها قشة تمسكت بها وأعطت حياتها معنى لم تحسه في زواجيها السابقين. ولكنها في المقابل كانت تحس بأن حسان سيعيد زوجته السابقة حسنية. حسان بالنسبة لها أصبح واقعاً جديداً ولا ترغب في تغييره. لكن زوجة حسان السابقة وطفلتيه واقع آخر لم تكن ترى مانعاً في تعديله. قالت في نفسها : «الصلة الجسدية لم يبق لها مكان كبير في حياتي، وحتى حسان أحس بذلك». هدأت خواطرها للحظات قبل أن تقول وابتسامة رضا كبيرة تملأ وجهها : «حسان يذكرني بعبد الرحمن الذي لو عاش لكان في عمر حسان الآن». وبعد .. تجربة كبيرة ما كان يمكن أن تحدث بهذه الصورة لو لم يكن حسان وحسنية صادقين في أن يقوّما تجربتهما في سبيل إبقاء طفلتيهما بعيدتين عن عين العاصفة.