مصطلحات يتداولها الناس ويسمونها بالسياسة الداخلية والخارجية...! فما هي السياسة الداخلية والخارجية...؟ وهل تختلف الداخلية عن رفيقتها الخارجية...؟ الإجابة لا.. فالسياسة الخارجية إنما هي لتحقيق أهداف السياسة الداخلية...! وقد ذكرت سابقاً أن الأمن القومي لأي بلد يبحث عنه خارج الحدود، فإن السياسة الخارجية إنما هي بحث خارج الحدود لتحقيق مصالح السياسة الداخلية...! والعلاقات الدولية تبنى على مصالح داخلية وانتهاء هذه المصالح يحدث ضعفاً في هذه العلاقات بل تصل الى حد القطيعة...! وإن لم يكن هدف السياسة الخارجية هو ذات هدف السياسة الداخلية فإن الأمر هنا يصل الى حد الخطورة على البلد المعني حتى بقاءه...! ولإدارة سياسة خارجية ناجحة تصب في صالح البلد المعني يجب ان تكون هناك شرعية، وقبول داخلي، ودور في الإقليم من حولك ماذا تقدم له وللعالم...! فالدول لها قيم سياسية واقتصادية وعلمية وغيرها من القيم ولا يجب الخلط بين هذه القيم...! ولنأخذ أمريكا مثلاً = وتملك قيماً عديدة = نجدها قد بنت سياستها الخارجية لتصب في مصلحة الداخل الأمريكي، فهي تتخذ من منابع الطاقة حدوداً أمنية لها، بينما منابع الطاقة تبعد عنها بآلاف الكيلومترات...! إذن يمكننا القول بأن السياسة الخارجية هي وسيلة لبلوغ أهداف السياسة الداخلية، التي بدورها يجب أن تكون محددة الأهداف ومفهومة لدى الشعب الذي سيقوم بتنفيذها على أرض الواقع...! وإذا عدنا للتاريخ الإسلامي البعيد لوجدنا ذلك التاريخ يُروى قرآنياً في أسلوب قصصي رائع لأخذ العبرة منه...! ذو القرنين عليه السلام حين وجد قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، واعتقد أن دولتهم في ذلك الوقت كانت تعاني من الإنهيار.. ومهددة بالدمار من قبل يأجوج ومأجوج...! السياسة الداخلية لتلك الدولة - أياً كان نوعها - جعلت من شعبها جاهلاً لا حول له ولا قوة، ولكن بقيت لديه إرادة ولكنها كانت تفتقر الى القيادة...! وبالرغم من المعطيات التي كانت أمام ذي القرنين عليه السلام، ولم تكن مشجعة على القيادة، ولكنه واصل مع أولئك الأميين الذين بالكاد يفهمون ما يقول...! بدأ معهم بأكثر المنشآت تعقيداً.. اجعل بيننا وبينهم سداً...! وبأكثر الصناعات تعقيداً.. صناعة الحديد...! سياسة داخلية تعامل بها مع الخارج فأمِنَ شرّه...! وفي اعتقادي أن يأجوج ومأجوج ظاهرة كونية متكررة عبر التاريخ، ولكنها الآن اتخذت شكلاً عصرياً في شكل حركات متمردة تساندها قوى الشر في العالم التي تشكل الصورة المعاصرة ليأجوج ومأجوج...! ولكن يأجوج ومأجوج لا يجدان الفرصة ليطغيان في الأرض إلا حين تضعف الدولة وتتخبط سياستها الداخلية في أهدافها ولا تقوم السياسة الخارجية بالمساعدة في تحقيق هذه الأهداف المتخبطة، فيجد الطغاة الفرصة ليحققوا هدفهم وهو انهيار الدولة...! ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله.. صرخة عبرت عن انتفاضة إيمانية، حين شعر مسلمو ذلك العصر بخطر انهيار دولتهم...! قصة قرآنية اخرى.. ودولة مسلمة اخرى مهددة بالإنهيار.. وسياسة داخلية متخبطة مجهولة الأهداف، لا تستطيع مواجهة الخارج بذات النوع من السياسة الخارجية التي تجعل الأمن الداخلي مستتباً...! ويظهر جالوت الملك وتجرى التصفيات للمعركة ويبقى الذين يظنون أنهم ملاقو الله...! والمولى عز وجل والمعركة في أوجها اجرى تعديلاً جوهرياً في القيادة...! وقتل داؤود جالوت وأتاه الله الحكمة والملك.. فالسياسة بعد المعركة تحتاج قيادة جديدة وسياسة داخلية وخارجية جديدة وحتى لا تتهدد الدولة بالإنهيار، ينبغي ان تكون لها سياستان داخلية وخارجية تعملان لصالح الدولة وتمنعان أي انهيار مستقبلي...! ويجعلان للدولة قيمة بين بقية الدول...! وقد أوردت هذه الأمثلة لدول إسلامية وهي موثقة قرآنياً ليعتبر منها الناس، وكانت المقارنة للتذكير، ونحن نتفوق على تلك الدول التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، نتفوق عليهم بأننا نفهم، وندرك ما يكيد لنا يأجوج ومأجوج العصر، فهم يبشروننا بالإنهيار...! ولعلهم لا يدركون أن للمسلم إرادة نطعي على الضعف وتتحول الى قوة كما رأينا في الأمثلة القرآنية...! وإذا كان من يبشرون بالإنهيار قد بنوا تقديراتهم على ما هو ملموس ومحسوس، فإن خالق الكون قادر على أن يزيح الذين تولوا ويستبدلهم بقوم غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم ليتولوا القيادة. فبالقيادة والإرادة انتصر المسلمون دوماً...!