قال الأديب الحكيم: يوم كهذه الصفحة البيضاء ينتظر إمتلاء ملأته بالعمل في غير عناء.. سروره غبطة الواجب وحسبي بها من غبطة. بين الجليل والمضحك لمحة خاطفة يحذرها العقل الذي يفرط في إجلال القداسة. من هنا حذر الإمام الغزالي من الفكاهة مع قدرته على قياس الفوارق المنطقية. من هنا فرط الوحشة في الأيديرة مخافة المبادرة الى الضحك وهي خليقة معهودة في بعض أمم الشرق. في الضحك من المنطق إدراك النقائض. وفيه من الفن شعور الاستغراب. وفيه من العلم دعوى النقد. وفيه من الأخلاق اشتات من العطف والرحمة والشماتة والكبرياء. حكماء العبث يقولون إن الوجود جهد ضائع بغير معنى!! كجهد سيسفوس. صخرة يرفعها الى القمة وتنحدر به فيرفعها كرة اخرى. حقاً إنه جهد ضائع بغير معنى في نظر سيسفوس.. ولكن هل هو بغير معنى في قضاء القدر الذي أراده عقاباً مفهوماً لذنب معلوم؟ العقول دينية وفلسفية وعلمية ورياضية وفنية. الدينية تعرف الإيمان بما لا تعلم ثقة بما نعلم. الفلسفية تنتقل من المشاهد الى المجرد ومن الأفراد الى الأنواع. والعلمية تعرف التجربة والغرض الذي تبنى عليه التجربة. والرياضية كالعلمية لولا حقائق الذهن التي لا تجربة فيها. والفنية ترمز للحقيقة بالخيال وللخيال بالحقيقة وتجمع بين مشاهد الواقع وقيم الجمال. أيهما أحق بالحجر.. ذلك المسرف الذي يدفع دنانيره أولاً بأول الى من هو أعرف باستعمالها.. أو هذا الشحيح الذي يلتقط من الثروة العامة درهماً بعد درهم ثم يحرم العامة من الانتفاع بها طوال حياته؟؟.