نحن امام اربعة مشاهد رئيسية تطل على شاشة الاحداث في البلاد على خلفية مذكرة اوكامبو المثيرة للجدل، المشاهد مثل الشيمة تتداخل بعضها البعض، وكل مشهد يمسك بتلابيب الآخر، والموضوع واحد: كيف يتسنى التوصل الى حل لمشكلة دارفور وتداعياتها المرهقة في الفترة المقبلة، بما يساعد على طي الملفات المفتوحة، وينهي حالة التوتر مع الغرب خاصة. المشهد الاول يتمثل في تبني خط الهجوم الجماهيري على اوكامبو، وعلى الدول الغربية التي ساندت المذكرة، وفي السياق شهدت الخرطوم من بعد اعلان المذكرة بلحظات وحتى الآن اكثر من خمس مظاهرات في العاصمة الخرطوم، شبابية ونسائية، ورجال دين ومصلين وقبائل دارفور، بذات الكيفية انتظمت المظاهرات مدن وعواصم الولايات الشمالية، حملت ذات الشكل والطعم واللون والمضمون، كلها كانت تهدف الى فضح المذكرة وكشف مرامي مقدمها، ولتوصل رسالة الرفض لامريكا وفرنسا وبريطانيا، ومن شايعهم في المساندة لخطوة مدعي لاهاي. المظاهرات اوصلت رسالتها كاملة وقالت: ان الخطوة مرفوضة وان السودانيين لن يسلموا قائدهم حتى" يلج الجمل في سم الخياط "، على تعبير بليغ من عبد الباسط سبدرات وزير العدل في مهرجان خطابي وفني اقيم في العاصمة صنعاء، وهدأت موجة المظاهرات لايام ولكن الانباء ذكرت ان هناك تنظيماً لمظاهرة كبرى لبيعة الموت للبشير في مقبل الايام في سياق المشهد الاول، ويقول منظمو المظاهرات انهم لن يتوقفوا الى ان تختفي المذكرة والمشهد الثاني يتمثل في التحرك الدبلوماسي، الذي بدأ داخلياً وخارجياً، داخلياً جرت لقاءات مع السفراء ومسؤولي المنظمات الدولية والاقليمية المقيمين في الخرطوم ، وخارجياً بعثت الحكومة مبعوثين لاغلب الدول العربية وبعض الدول الافريقية، ونشط السفراء في اوروبا، وكما لم يهدأ لسفير السودان في الاممالمتحدة بال منذ اعلان المذكرة، وكل هذه التحركات لتحقيق امرين، على ما بدا، الاول ان تفضح النوايا التي انطلقت منها المذكرة، باعتبارها سياسية تستهدف اسقاط الحكومة الحالية، والثاني تمليك العالم الخارجي آخر مجهودات الحكومة حيال معالجة الاوضاع بدارفور في شتى جوانبها السياسية والقانوينة والتنموية والاجتماعية، ويلاحظ ان التركيز في هذا الجانب ذهب في اتجاه الدول العربية. الحصيلة حتى الآن انعقاد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة الاسبوع قبل الماضي لمناقشة القضية، وبعد الرفض للقرارات، خرج الاجتماع بحزمة قرارات حملها امينها العام عمرو موسى للخرطوم، وعرضها على الرئيس، اهم بنودها: الاقتراح باقامة محاكم سودانية في الخرطوم برقابة عربية وافريقية ودولية، وتشمل الخطة قيام الجامعة العربية بالدعوة لعقد اجتماع دولي لدفع عملية السلام في دارفور، ووضع خارطة طريق يتم تنفيذها في إطار زمني محدد لتنفيذها. وبالتوازي مع التحرك القانوني والسياسي تفتح الجامعة العربية حواراً مع المحكمة الجنائية الدولية لتعطيل القرار ضد البشير من ناحية، وإعطاء فرصة لإنجاز الجانب القانوني، وكذلك إنجاز التسوية السياسية من ناحية أخرى. ولاحقاً نسب هشام يوسف مدير مكتب الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قوله:« وافقوا على انشاء محاكم خاصة»، واضاف «وافقوا كذلك على ان تتابع الجامعة العربية والاممالمتحدة والاتحاد الافريقي المحاكمات، وان تضمن ان القوانين في السودان تغطي كل جوانب ما يتطلبه القانون الدولي»، ثم قال وزير العدل سبدرات بعد ذلك: «لا صحة لموافقة الحكومة على قيام محكمة إقليمية في السودان أو تكون هناك محاكمات خارجية) وجدد أن المحاكم السودانية قادرة على القيام بواجباتها وهي محاكم مفتوحة للجميع مرحباً بأية جهة لحضور إجراءات هذه المحاكم التي ستكون سودانية وفق القوانين السودانية وبقضاة ولجان تحقيق من النيابات وبالتالي لا صحة حول أي حديث عن محاكم إقليمية»، ومن جانبه اعتبر مندوب السودان لدى الجامعة العربية عبدالمنعم مبروك ان قرارات الجامعة جاءت فى توقيت مناسب لتعزيز الجهود المبذولة للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، وابدى أمله فى ان يكون التحرك العربى فى هذه المرحلة فاعلاً، بما يلبى التطلعات السودانية. ولايعرف، فيما بعد، اي سبيل ستمضي عليه خطة الجامعة في مقبل الايام. كما اسفرت التحركات الدبلوماسية عن مقترح افريقي بتأجيل المذكرة، ولكن الحكومة فيما تأكد ترى بأن الموافقة من حيث المبدأ على هذا المقترح يعني الاعتراف بالمحكمة، ما يعني ان الامور قد تتطور الى ما هو مرفوض بشكل مطلق من قبل الحكومة، ومن حصاد هذا التحرك حصول الحكومة على تأييد كل من:" الصين وروسيا والمجموعة الافريقية الكاريبية"، غير ان الاختبار العملي لهذا التأييد يظهر جليا يوم بعد غد الخميس حين يعرض مشروع القرار الخاص بتجميد المذكرة على التصويت. من يرفض؟ ومن يتمنع؟ ومن يؤيد؟ ومن يستخدم الفيتو؟.. اسئلة اجاباتها تتضح خلال اليومين المقبلين. ثم يطل المشهد الثالث، ويتمثل في الزيارة النادرة التي قام بها الرئيس الى دارفور ، وشملت الفاشر ونيالا والجنينة، وقد حظيت الزيارة ببرنامج شامل من لقاءات جماهيرية، ولقاءات مفتوحة ومغلقة مع قيادات الحكومات في الولايات الثلاث، ورجال الادارة الاهلية، والنازحين، بشكل قدم للرئيس الصورة الكاملة للاوضاع في دارفور"موجب وسالب"، وقد اطلق الرئيس من هناك قرارات وقطع تعهدات في شتى الجوانب المتعلقة بالقضية: ابرزها تجدد مبادرته لحل قضية دارفور بمشاركة الجميع بمن فيهم الحركات المسلحة، ثم التعهد بالتقدم في مشروعات التنمية عبر مواصلة العمل في المشروعات القائمة، والاستجابة للمطالب التي رفعت امامه اثناء اللقاءات المضنية التي عقدها، كما وعد الرئيس بازالة كل اسباب الظلم وبسط العدل.هذه القرارات تحمل البشريات وتفتح أبواباً للامل في التقدم بالقضية الى الامام، والتحدى الكبير في هذا الخصوص هو كيفية احالة هذه القرارات المهمة إلى خطط عملية قابلة للتنفيذ من قبل اجهزة الدولة: من اجهزة حكومية الى قوى سياسية الى قوى مدنية على شتى المستويات. ويلاحظ حراك قد بدأ بشأن احالة المبادرة الى عمل، حيث عقد حزب المؤتمر الوطني قبل نهاية الزيارة اجتماعين مهمين الاول مع حزب الامة، خلص الى تكوين آلية حول كيفية تحويل المبادرة الى خطوات عملية تجمع القوى السياسية عبر ما يعرف بالمؤتمر الجامع، والثاني مع الحركة الشعبية، واتفق خلاله على اهمية حل قضية دارفور عبر الحوار، وهو الاجتماع الذي وصفه الناطق باسم الحركة ياسر عرمان بأنه ايجابي في الطرح والافكار المقدمة لحل القضية، وينتظر المراقبون على الأثر حدوث نقلة، او قل قفزة الى الامام في اتجاه تنفيذ المبادرة في مقبل الايام. من أين تأتي؟ هذا هو السؤال الذي تشوب اجابته الكثير من «الغباش». يتوقع ان تأتي من الحكومة لانها هي الاكثر فرصا للانتقال بالآخرين الى الامام. ومن المشاهد اللافتة تكليف النائب الاول للرئيس سلفاكير برئاسة لجنة شكلت لإدارة الازمة مع المحكمة الجنائية الدولية، وهي مهمة شاقة وصعبة، ويعني التكليف ضمن ما يعني مشاركة الحركة الشعبية بثقلها في القضية التي بين يدي البلاد، وهذا ما كلف الحركة الشعبية في الايام الماضية شد الحزام على بطنها: بيانات واجتماعات توجت باجتماع مكتبها السياسي في جوبا في اليومين الماضيين،حيث انتهى الاجتماع بوضع خارطة طريق لحل الازمة في دارفور، تحفظت الحركة على الافصاح عنها قبل لقاء مرتقب بين الرئيس ونائبه الاول، ولكن من عناوينها التي تسربت الى الصحف ضرورة توحيد الجبهة الداخلية وحل المشكلة عاجلا وعدم الدخول في صدام مع المجتمع الدولي. ومن المتوقع في اول اجتماع للجنة ادارة الازمة ان يدافع سلفاكير عن خارطة الطريق المرتقبة من قبل الحركة ، ولا يتوقع ان تكون مطابقة لوجهة نظر الشريك المؤتمر الوطني في كيفية معالجة الازمة، هنا تتجلى صعوبة المهام المنتظرة للجنة.