لا تخلو الأسواق والمحطات من اللاتي يفترشن الأرض ويكتوين بنار صاج العواسة التي أصبحت نشاطاً تجارياً رائجاً ومزدهراً تمارسه المرأة السودانية التي حققت من ورائه مكاسب كثيرة ساعدتها في الصعود أمام متطلبات الحياة حيث ضاهت «طَرَقات الكِسرة» البيضاء ذات الرائحة المتميزة رائحة المأكولات المنبعثة من المطاعم التي انتشرت في شارع المطار خاصة عندما يقف الفرد منا أمام بائعاتها وهن على أهبة الاستعداد لصناعتها. من منا لا يعشق «الكسرة الكمّلت خُدرتنا» ووقفت صامدة متحدية الخبازين ورغيفهم المشكل كما أن حواء السودانية المتمكنة من صناعتها اختارتها حضوراً يزين مائدتها على الدوام كوجبة شعبية لا يمكن الاستغناء عنها. وطأت قدماي منزل بائعة الكسرة مريم فضل التي تمارس بيعها في سوق أبوسعد صباحاً ومن داخل منزلها بعدالظهر منذ أكثر من «15» عاماً ويشكل منظر «الكانون المليء بالفحم أمامها ويدها الممسكة بالهبابة والصاج والدوكة و«القرقريبة» لوحة فنية تعكس المعاناة والجهد المبذول لصناعتها كما تحكي أيضاً تلك اللوحة مكونات وأسعار الكسرة التي يستخدم فيها «الذرة والدقيق الفينى» وأحياناً دقيق الهجين في صناعتها التي لا تتناسب والعائد المادي منها في الوقت الراهن، خاصة مع زيادة أسعار الذرة، وأن سعر ال «خمس لفات» بجنيه حيث تقضي مريم ساعات طويلة جالسة في السوق وأغلب زبائنها من النساء وقبل غلاء الأسعار كانت تبيع ال «9» لفات كسرة بجنيه، وأنسب وقت تمارس فيه مريم بيع الكسرة داخل منزلها هو وقت القيلولة حيث يتوافد الناس خاصة الأطفال من الأحياء القريبة بغرض شرائها لوجبة الغداء. ومن داخل السوق العربي مظهر بائعات الكسرة وأمامهن الأطباق تحكي ثقافة وتاريخ هذه التجارة «حليمة» ذات ال «45» عاماً تأتي من «مايو» لتواصل نشاطها أوضحت أن بيع الكسرة نشاط مزدهر طوال العام إلا أنه ينعدم تماماً في شهر رمضان الذي يعتبر موسم الركود، وتصف الجلسة أمام الصاج بأنها متعبة ولكن لها طعماً آخر ممتعاً في ذات الوقت، خاصة عندما تحقق لها متطلبات الأسرة وهي وظيفة لن تتخلى عنها كما أن أنسب وقت لبيعها في الأسواق الكبيرة بعد الظهر حيث يأتي الموظفون والعاملون لشرائها في طريق عودتهم الى المنازل. أما سعدية التي تجلس قربها فاستطاعت بناء منزل بالحلة الجديدة من «بيع الكسرة» رغم ان الربح قليل ولكن «لصناديق الختة» دوراً كبيراً في ذلك كما حلت لها الكثير من المشاكل المعقدة وأنها اختارتها منذ الصبا وورثتها عن والدتها وذلك من أجل الإنفاق على أبنائها ووالدها الضرير، سعدية تستيقظ مع صوت «النبّاه» وتجلس أمام الصاج حتى العاشرة وتضعع ثلاثة أطباق تقوم بتوزيعها على «دكاكين» الحي وتذهب بالباقي الى السوق وأن ربحها معقول يتجاوز أحياناً تسعين جنيهاً في اليوم.