مسألة تأخر الخريف هذا الموسم قضية شغلت الناس جميعاً خاصة سكان ولاية الخرطوم فقد ظل الجميع وما زال يترقب الأمطار «المزعومة» التي تنبأت بها الهيئة العامة للإرصاد الجوية في قت سابق، ومن المتوقع هطولها لمدة (48) ساعة في العاصمة، مما أوحى للمواطنين أنها ستقضي على «الأخضر واليابس» بسبب هول الحذر منها، في ذات الوقت جاءت كل تنبؤات الهيئة العامة للارصاد الجوية بخريف ممطر يتسبب في حدوث فيضانات وتم تشبيهه بخريف العام 1999م. في ظل ذلك مضى وقت طويل على تلك التنبؤات وحتى الآن لم يتبين الأمر، وفرَّخ ذلك عدة تساؤلات تحتاج لتفسير صادق في الوقت الذي ابتعد فيه عمل الارصاد عن الحقيقة، فما هي الأسس المتبعة لمصداقية وإصدار التنبؤات؟! ولماذا تأخر الخريف هذا العام وغيرها من التساؤلات؟. أكد المهندس أحمد محمد عبد الكريم مسؤول المحطات بهيئة الارصاد صحة كل التوقعات التي صدرت عن الهيئة وأنها كانت أعلى من المعدلات بنسبة (35%- 45%) ونسبة لتغير عنصر المطر فالتوقع الموسمي يعتمد على مجموع الأمطار خلال أربعة أشهر من أول يونيو الى نهاية سبتمبر كما للموسم تغير مكاني بحيث يمكن للسحابة أن تهطل في منطقة ما (1-1) كيلو بنسب متفاوتة وكذلك هناك تغير زماني يعتمد على شدة الهطول ذاته منوهاً الى أن التوقع الموسمي لا يمكن أن يتوقع المتغيرات التي حدثت وتسببت في تأخر الخريف الذي عزاه الى حدوث انسياب هوائي بارد في شمال الأواسط من البلاد بسبب هطول الأمطار في مايو ويونيو ذلك أدى الى تكوين سحب ممطرة في مناطق طرفية إضافة الى أثر تقدم الفاصل المداري شمالاً نسبة لوجود مرتفع الصحراء الكبرى ورغم ذلك كان هناك انسياب في الرياح الشرقية النفاثة التي ترحل السحب الى الهضبة الإثيوبية وكانت فاعلة وأتاحت فرصة جيدة لأن تكون الأمطار في جنوب الأواسط بشكل مستمر تنعدم في بقية البلاد. ففي الخريف والشتاء الماضي كل تنبؤات الهيئة التي صدرت جاءت معارضة للمراكز العالمية للارصاد وتوقعها كان دقيقاً ويمكن للهيئة أن تعمل أفضل من تلك المراكز إذا توافرت الإمكانيات مما يدل على أن تأخر الخريف يرجع أيضاً الى الاعتماد على نشرات المراكز العالمية. وأشار الى أن التوقع يسير بصورة جيدة في مناطق أعالي النيل وبحر الغزال ودارفور والفاشر ونيالا حيث وصلت المعدلات الى قمتها، وفاق الهطول المعدلات في كوستي وأبونعامة والدمازين، كما أن كل الأمطار التي هطلت حتى الثالث من مارس التوقعات فيها كانت دقيقة. في الجانب ذاته استدل بمصداقية توقعاتهم على انعدام العواصف الترابية منذ شهر (يونيو) في ولاية الخرطوم وذلك بسبب كمية الأمطار الغزيرة التي هطلت في جنوبالخرطوم في الرنك والدمازين والأبيض وأبونعامة وكوستي وسنار حيث بلغ معدل الهطول (38) ملي قبل يومين مما أسهم في تثبيت الأتربة وقلل من معدل تكرار العواصف على العاصمة. وفيما يختص بالأمطار الغزيرة المتوقع هطولها في ولاية الخرطوم نفى وجودها في سجلات السودان وأن هطول أمطار لمدة (48) ساعة يعتبر حدثاً نادراً جداً وحدث فقط في العام 1988م ولم يتكرر، لكنه عاد وقال الفرصة ما زالت متاحة لأن تكون هناك أمطار غزيرة بكميات محددة ومدة غير معروفة في ولاية الخرطوم كما أنه لم يسبق للهيئة أن حددت مدة الأمطار نسبة لعدم وجود الرادار الذي يساعد في ذلك ويعطي قراءة آنية لكل الموسم المطري ونقص الإمكانيات الضخمة التي تمكنها من ذلك وأن النموذج الذي تعمل به الهيئة حالياً يعطي تنبؤاً بالأمطار لفترة خمسة أيام وهو نظام محدود التنبؤ، وأن توقع «أمطار الخرطوم» دخل في نطاق التوقعات الموسمية لأن العددية تساعد في معرفة الموسم الذي يتم تقييمه بعد أكتوبر. وللرد على الاتهامات حول عدم دقة نشرات الهيئة التقط الحديث اسماعيل فضل المولى مدير الإدارة العامة للبحوث والتدريب بالهيئة قائلاً وجدت الهيئة الإشادة لفترة تسع سنوات متتالية كانت النتائج بدرجة ممتازة إضافة الى أن التوقع الذي صدر هذا العام تمت مراجعته ومقارنته بما صدر من المراكز العالمية الأخرى وكانت النتيجة متطابقة مع أقرب مركز يشارك فيه السودان وممثليه من الارصاد الجوي وهو مركز التوقعات والتطبيقات المناخية للإيقاد بنيروبي وكل المعطيات التي توافرت لدى الهيئة تشير الى هطول أمطار فوق المعدلات في معظم أنحاء البلاد لكن العامل المؤثر الفعلي الذي أعاق تحرك الفاصل المداري شمالاً الذي صعد معه الحزام المطري كان نتاجاً للمرتفع الجوي الذي يغطي أواسط أوروبا لفترة تقارب الأسابيع الثلاثة من شهر يوليو وهذا المرتفع بدأ في الإضمحلال وذلك بدليل انتقال الفاصل المداري من جنوبعطبرة الى شمال أبوحمد وعليه من المتوقع انتقال الحزام المطري شمالاً بما في ذلك ولاية الخرطوم. في غضون ذلك سيتم انذار المواطنين إذا صدقت التوقعات خاصة وأن أغسطس يعتبر قمة الخريف محذراً الجميع مما ستشهده الفترة القادمة من أمطار وخطورة الغفلة، فمطرة واحدة غزيرة سوف تحدث خسائر كبيرة. لابد من تغيير فهم الناس الخاطئ للخريف الذي دائماً يقيمونه بالأمطار التي تهطل في الخرطوم ويجب النظر الى أن ما يهمنا هطوله في مناطق الإنتاج كاشفاً عن معاناة الناس من الأمطار الغزيرة في الدمازين مما تسبب في حدوث سيول تعرضت لها منطقة السيال شمال كردفان وكانت برداً وسلاماً على منطقة عد الناقة مشيراً الى أن الفترة القادمة ستشهد أمطاراً غزيرة في الخرطوم والكرمك والجنينة ومناطق جنوب دارفور وكادوقلي وأبيي وولايتي الوحدة وبحر الغزال حسب المعلومات المتوافرة وهي تختلف من منطقة الى أخرى من خفيفة الى متوسطة بالإشارة الى أن النموذج المتبع تعمل به الهيئة منذ العام 1999م ولم يسبق أن فشلت في تنبؤاتها، منوهاً الى خطورة ارتفاع منسوب النيل بسبب الأمطار التي جاءت من الهضية الإثيوبية ولابد من أخذ الحذر الكامل لأن البحر منسوبه مرتفع جداً والآن وصل القيفة وإذا جاءت الأمطار والسيول المتوقعة ستحدث كارثة حقيقية خاصة وأن الصورة بدأت تتغير من خلال تقدم التيار النفاث ناحية خط عرض (15) وقد يطرأ بصورة إيجابية على منطقتي كسلا وحلفا الجديدة.